وجهة نظر

أيها الأستاذ.. النقاش في قضية الريسوني حول “قرينة البراءة”

الصحافي سلميان الريسوني

توصّلت برابطٍ لمقالٍ “رصين”، نُشر بأحد الجرائد الإلكترونية، غير موقع بأي اسم، ويرد فيه صاحبه (الأستاذ) المحترم، المتمكن لغويا وقانونيا، بشكل يبدو متحاملا جداً، على مقالٍ نُشر سابقاً بعنوان: هل يخاف “ضُباط الشرطة القضائية” من قلم “الريسوني”؟

تحاملُ “الأستاذ” دفعه إلى محاولة التنقيص من المقال المذكور أعلاه، وتحقيره، والبحث فيه عن موضع أي حرف سقط أو أُضيف سهواً أو بفعل السرعة أثناء كتابته أو لأي سببٍ آخر، والتركيز عليه تركيزاً، حد التغطية ونسيان موضوعه الرئيسي.

والمثير في ما كتبه هو محاولته الواضحة ورغبته اللاديمقراطية في ممارسة الحجر على الكلمة، متجاهلاً أو ربما جاهلاً أن الكلمة تُقوّم وتطوّر بالكلمة. ويظهر ذلك جلياً حينما يتحدث عما سمّاه بـ”الحد الأدنى من مقومات المقال الصحفي الصالح للنشر”، (صكوك الرأي)، والتي لم يقل لنا هل تتوفر فيما دوّنه؟ بل قفز قفزاً، وانتقل، كما سيظهر لمن اطلع على ما كتبه، إلى فن التلاعب بـ”الكلمات” والمراوغة، دون أن يناقش الموضوع الذي هــو هل احترم مقتضى الفقرة الـ3 من الفصل الـ23 من الدستور، التي تقول: “قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان”، في قضية الصحفي سُليمان الريسوني الذي اعتُقل مساء يوم الجمعة الـ22 من ماي الماضي، قُبيل عيد الفطر بيومين.. قرينة البراءة!

وقبل الاسترسال وإعادة طرح ما تجنب صاحب المقال “الرصين” مناقشته، لا بد من الإشارة إلى بعض النقاط التي أثارها وهرّبَ بها الموضوع.

أولا – بخصوص ما ذهب إليه حول مفهوم “المُساءلة”، وانطلاقاً ممّا أورده هو نفسه، وسمّاه بـ”الرقابة المعنوية”، نسائله: أليس للإنسان المغربي، بصفته مواطناً، قبل أي شيء آخر، حق رقابة عمل المشتغلون بمؤسسات وطنه؟ بمعنى أليس رأي المواطن رقابة معنوية؟ لكم الإجابة. وزد على هذا، ما يلي: ما هو دور الصحافة؟ أليس دوراً رقابياً أم له رأي آخر؟ (هناك من يريد أن يبقى دورها في التطبيل والتشهير!).

ثانيا – بخصوص البحث التمهيدي، يبدو أن صاحب المقال “الرصين”، قفز على الفقرة السادسة من (التدوينة) التي يرد عليها، بكل قوته “الأستاذية”، دون أن ينتبه، وسنعود لما جاء فيها، فيما سيأتي، أما الآن، وبمناسبة قوله “إن ضباط الشرطة القضائية يباشرون الأبحاث التمهيدية ولا يتخذون قرار الوضع تحت الحراسة النظرية إلا بعد إشعار النيابة العامة في حالة التلبس..”، فنسائله عن الجريمة “التلبسية” التي تلبّس بها الريسوني وبسببها اعتُقل؟ أين هي أيها الأستاذ!

ثالثا – بخصوص مراحل الدعوى العمومية، التي أشار لها، فالأمر متعلق بسقوط حرف الواو، سهواً، ولم يُوضع خلف “المكلفون بالقضية”، ليكون السؤال حول استمرار التحقيق مع سُليمان في حالة اعتقال مُوجّه لقاضي التحقيق الذي يحمل أيضا قبعة ضابط الشرطة القضائية المنتمي للسلطة القضائية.

رابعاً – بخصوص الشهادات العلمية التي يتوفر عليها الصحفي سُليمان، فلن أعلق عليها، لاعتبارين؛ الأول: أخلاقي مادام أنه خلف القضبان. والثاني هو: لا تهمني أصلا، المهم هو لماذا اعتقلت افتتاحياته وهو بريء إلى حد الآن.. مهلاً، مهلاً أيها “الأستاذ” المتمكن، ذكرت ما سميته بـ”ناصية اللغة”، وهنا، أقول أني لست ضليعا في اللغة، لكن، لكن تفضل، واقبل بصدر رحب، أنت المتملك لـ”ناصية اللغة”، نصيحة تحثك على التمييز بين “الشواهد” و”الشهادات”.. فمن بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة، كما يقول المثل!

لنعود الآن، إلى لب الموضوع، الذي هو احترام قرينة البراءة، ونقول: لما لم تُوجه الاستدعاء إلى سُليمان بدل اعتقاله مباشرة؟ هل كان سيتخلف عن موعد الحضور أم أنه كان سيهرب ويتوارى عن الأنظار؟ لماذا اعتُقل والأصل في الاعتقال أن يكون الشخص في حالة “التلبس بالجريمة” كما هي محددة في المادة الـ56 من قانون المسطرة الجنائية؟

ثم لماذا وضع سُليمان، أيها “الأستاذ” المتمكن من المعرفة القانونية، تحت تدابير الحراسة النظرية، مع العلم أن هذا الإجراء الذي يمس بحرية المواطنين، يلجأ له ضباط الشرطة القضائية، بعد أخذ إذن من قضاة النيابة العامة، في الحالة التي يخافون فيها أن يقوم المشتبه فيه بإخفاء معالم الجريمة أو الفرار؟ ماذا سيخفي المشتبه فيه هنا، أيها “الأستاذ”، مع العلم أن القضية التي يتابع فيها سليمان تعود إلى سنة 2018؟ ثم هل سيهرب؟ وإلى اين؟ وهل يستطيع؟ ثم ما الدافع إلى وضعه في الاعتقال الاحتياطي، مع العلم أن هذا التدبير استثنائي؟

الأجوبة واضحة هي اعتقال “افتتاحياته”، حتى ولو كان بلا شهادة تعليمية أيها الفاضل المتمكن لغويا وقانونيا!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *