منتدى العمق

السرعوفة

عندما انتهيت من مشاهدة حلقات سلسلة « La Mante » أو ما يمكن ترجمته ب”السرعوفة” انطرحت لدي أسئلة عديدة، كان الجامع بينها هو السؤال الآتي: هل يمكن تبرير القتل مهما تعددت الأسباب؟ لم تكن السلسلة لتجيب عن هذا السؤال المعقد، بالرغم من أننا نجد في طياتها ميلا إلى التعاطف مع بطلة الفيلم ” جان ديبير ” التي قادها حادث الاغتصاب المبكر من طرف الأب إلى ” الانتقام” فيما بعد، إنه انتقام تدريجي و متنوع يتراوح بين بتر أعضاء مخصوصة من الجسد، مرورا بطقوس الإعدام بالخنق والطعن والقتل البطيء، واصطياد الضحايا بأمهر الطرق، إنه انتقام يبدو كشكل من أشكال تصحيح الوضع الذي التجأت إليه السرعوفة في عالم يعج بالقهر والاضطهاد وزنا المحارم وتردي العلاقات الأسرية وما تضمره من أشكال السلطة والتسلط. وبالتالي، كانت واقعة الاغتصاب تلك بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل الانتقام. لم يحد اعتقال السرعوفة من تفشي جرائم القتل، بل أحس مقلدوها بالانتشاء الفظيع، وأن مرجعهم في القتل يجعلهم يشعرون بأنهم يقدمون خدمات جليلة لمجتمعهم الذي يعج بكائنات مريضة. ومع استمرار المشاهد في البحث عن “المقلد”/ القاتل، يجابه بخرق أفق انتظاره، وأن الحقيقة كانت ثاوية منذ البدء، أي عندما يكتشف أن المقلد الوحيد الرئيس كانت تربطه علاقات وطيدة بعائلة السرعوفة، إذ لم يكن في الأخير سوى “فيرجيني “، ذلك المتحول الجنسي، وصديق ” لوسي ” زوجة النقيب التي كانت جاهلة لماضي زوجها، وهو ما قادها في مستقبل الفيلم إلى محاولة التنقيب عنه بمساعدة فيرجيني التي كانت ماهرة في إخفاء أمارات جرائمها..

اشترطت السرعوفة للمساعدة في القبض على مقلدها أن يتكفل ابنها النقيب ” داميان ” بالقضية، ويتبدى أن هذا الاشتراط كان بمثابة شكل من أشكال ” الصلح” مع الماضي المخضب بالدماء، ولن يحتاج المشاهد إلى كثير يقظة حتى ينتبه إلى أن النقيب كان يتحاشى الخوض في حديث السرعوفة التي يصورها الفيلم باعتبارها ملاكة لمفتاح الجرائم المقلدة. ولعل ذلك التهرب من ماض مؤلم قد انتبه له رفاق دانيال في العمل، ليتم تعويضه ب” صوفيا ” التي كانت تسعى لقيادة الفريق.

تدعونا مشاهد كثيرة للتعاطف مع السرعوفة، ذلك ما تبرزه لقطات عديدة تنم عن ندمها، وأن ” جرائم القتل” التي قامت بها كانت بدافع الاقتصاص من معتلين كثر، والأب/ الأسد المغتصب أبرزهم، ولئن كانت الحشرة المعروفة ب” السرعوفة” تشترك مع جان ديبير في خصائص عديدة، فإن الصورة القابعة في ذهن المتفرج وما يحوم حولها من وحشية ودموية ستظل تعيد السؤال المفجع: هل من مبرر للقتل مهما تعددت الأسباب؟

*  باحث مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *