مجتمع

خدمة “الأومبورتي” .. عودة إلى نقطة البداية بمقاهي مراكش (فيديو وصور)

أمام باب مقهى الحي بمدينة مراكش، يرشف الشاب أحمد رشفة طويلة من قهوته المفضلة، ينظر بإمعان إلى الكأس البلاستيكي كأنه يحاول أن يفك رموز أشكال رسمت في قاعه.

يقلب وجهه ذات اليمين وذات الشمال، لا شيء يبدو عاديا، الكراسي تضم بعضها البعض في جانب قصي من المكان الفسيح، وقنينات التعقيم تفرض نفسها بدون استئذان، وأشرطة حمراء على الرصيف تمنع كل تقارب.

يقول أحمد خراج لجريدة العمق وهو يأخذ نفسا عميقا بعد رشفته الطويلة “إنها كورونا، فرضت علينا نوعا معينا من الحياة، وحرمتنا من جلسات الأصدقاء كنا نحسبها تدوم بلا انقطاع”.

عودة

بعد الرفع التدريجي للحجر الصحي، عادت بعض مقاهي المدينة الحمراء إلى تقديم خدماتها لزبنائها بعد ثلاثة شهور من الغياب. لا يسمح الآن إلا بتقديم كأس “أومبورتي” يشربه أحمد وأمثاله من رواد المقهى الأوفياء في الباب، أو يصحبونه معهم إلى سياراتهم أو منازلهم القريبة.

يقول الشاب يوسف صويلة (31 سنة) مسير مقهى لجريدة “العمق”، ودهشة “العودة إلى نقطة البداية” بادية عليه، “نعمل بأقل من إمكانياتنا العادية، والتي لا تقدر سوى بـ20 في المائة”.

ويضيف “بالرغم من ذلك فالقليل أحسن من لا شيء، نعمل بإجراءات احترازية، نأمل أن يرفع عنا الوباء والبلاء في أقرب وقت.

عاطفة

الشاب أحمد  تربطه بالمقهى علاقة خفية عاطفية لا يستطيع البوح بكل تفاصيلها، عندما يقف هنا في الرصيف، يبحث عن كرسي للجلوس لا يجده، يتفرس الوجوه القليلة المارة من الشارع كأنه يطلبها لسمر حقيقي.

يعتقد أحمد الذي يعمل محاسبا، أن  فضاء المقهى أكثر من مكان للتجمع مع الأصدقاء، إنه مكان لجلب بعض السعادة، قبل أن يعود إلى هموم الدنيا.


يقول أحمد وهو يتبادل الحديث مع زبون وقف في جانب غير قريب من المقهى “تربطنا علاقات إنسانية لم نشعر بقيمتها إلا عندما حرمناها”.

ويضيف “في وقت الرخاء، تقدم المقهى خدماتها دون كلل، حان الوقت للاعتراف ببعض الجميل”.

بحث

أما خالد فاتحي وهو زبون يعمل في شركة خاصة، فيصل إلى المقهى على دراجته النارية، يوقفها جانبا، ثم يلقي نظرة إلى الداخل كمن يبحث عن شيء افتقده.

يسأل خالد وهو يتحدث لجريدة العمق عن صديقه النادل الذي ألف أن يسارع إلى تلبية طلباته، يتذكر كم مرة بالغ في دقة جودة “كافي نوار” أو مقدار الحليب في “نص نص”.

كما يحكي خالد كم مرة وضع جميع الجرائد على كرسيه ليمنع زبونا آخر من تصحفها قبل أن يتمم هو ذلك، يتذكر كم مرة لم يأبه لتأفف شاب من دخان سيجارته التي يفضل أن يشربها منتشيا وسط الجموع.

يقول أحمد “نشتاق إلى “حياة طبيعية”، تمنحنا فرصة  التكفير عن كل أخطائنا السابقة”.

نادل

ما يلبث خالد أن يغادر وهو يحمل قهوته، حتى يسارع عبد اللطيف الذي يعمل نادلا بالمقهى إلى تلبية طلب زبون آخر، أثر ابتسامته الدائمة التي تحاول الكمامة أن تخفيه، ينبعث من عينيه الصغيرتين، فيما تصاحبها ضحكة خفيفة.

حين يتحدث محمد لا ينسى زملاءه في العمل الذي باتوا عاطلين منذ بداية الوباء.

يقول لجريدة العمق وهو يذكر أسماء زملائه في العمل واحدا واحدا ” نعمل بجد بطاقم من عاملين فقط في تلبية طلبات زبنائنا الذين ألفوا شرب قهوتهم في هذا الفضاء، لكن ذلك لا ينسينا ما يعانيه باقي زملائنا جراء بطالة مفروضة”.

عودة

عادت الحياة إلى مقهى الحي بحذر ظاهر كما هو الحال في مقاهي أخرى، فيما فضل أصحاب مقاهي أخرى أن تبقي أبوابها مغلقة إلى حين.

يشرح عبد العالي خمري أحد المهنيين لجريدة العمق “لا يتعلق الأمر بكسل أو عصيان، إنما هو الحجر الصحي قد يكون حبس أربابها بعيدا عن المدينة الحمراء”.

ويضيف “نفكر في المستقبل أكثر من الخسائر التي تكبدناها، كل ثقتنا في أن تفكر الحكومة في إعفائنا من الضرائب وقت الجائحة وفي إنعاش مهنتنا اقتصاديا وحمايتنا اجتماعيا بتدابير جريئة”.

يؤمن هذا الرجل الذي قضى 40 سنة في المهنة أن العودة لن تكون سهلة، والتدريج سيكون سيد الموقف، كما أن إعادة النظر في العلاقة بالأشياء والأمكنة تفرضها  الجائحة، نظراته التي يتبادلها وهو يختم حديثه مع النادل توحي أنه مصر على تجاوز الأزمة والنجاح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *