منتدى العمق

التلميذ والمعلم

يعتبر التلميذ قطب الرحى الذي يدور حوله التعليم، لقد كانت علاقة التلميذ بمعلمه علاقة من علمني حرفاً صرت له عبداً للدلالة على توقير المعلم والرفع من مكانته، فالإسلام لم ينكر فضل المعلم وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على احترام المعلم وتبجيله، وقال عنه إنه أحق الناس بالمحبة والتعظيم والتوقير بعد الله وبعد رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن العلم ميراث الأنبياء والعلماء ورثته.

عندما ننظر لسير العلماء والفقهاء نجد هذه العلاقة جلية وواضحة، فالمعلم أو الشيخ كان يتعامل مع تلامذته بنوع من الصرامة والعبودية، نتحدث هنا عن العقوبات الجسدية والأعمال المنزلية التي يكلف بها المتعلمين في بيوت شيوخهم، نذكر على سبيل المثال للحصر تنظيف البيت وتكنيسه، العمل في الحقول الزراعية، نقل الماء من الخطارة الى بيت الشيخ أو المعلم…

لكن هذه العلاقة أعطت نتائج يشهد لنا العدو قبل الصديق، لقد تعلم أبناء العامة كأبناء الخاصة بشكل متساو والأهم من ذلك أنهم تشربوا الأخلاق والأدب والحياء والاحترام، وإلى أجل قريب ظلت هذه العلاقة تأتي أكلها وتخرج جيل من العباقرة والحفظة والنوابغ، أذكر أن المعلم يحفظ تلامذته جدول الضرب كما يحفظ الفقيه الثمن من القرآن الكريم لطلابه، إن التلميذ يهب أستاذه فلا يجرأ على اللقاء به في الأزقة والطرقات، ومن فرط الحياء لا يرفع رأسه أثناء الحديث معه، وقد قيل: “من قال لشيخه لماذا لم يفلح أبدا”، والشواهد على هذا لا تخفى على أهل العلم. إن هذا النوع من التربية والتعليم مقتبس من مدرسة خير الأنام معلم البشرية صلى الله عليه وسلم، ألا ترى كيف يتعامل الصحابة الكرام مع معلمهم، في الأدب معه وفي خدمته وفي التسابق لإرضائه. لقد تخرج من المدرسة النبوية جيل فريد لا يمكن أن يتكرر، ولكن يمكن أن نتأسى به وذاك ما تحدثنا عنه في نجاح التعليم بالدولة الإسلامية على مر التاريخ.

أما اليوم فنحن نعاني تراجعا واضحا في التعليم وهذا مرتبط بالعلاقة بين التلميذ والمعلم، التي أصبحت اليوم أسوء من أي وقت مضى، لم يعد هناك معنى لا للأدب ولا للاحترام، أصبح التلميذ كابوسا بالنسبة للمعلم بينما هذا الأخير أصبح عدوا للأول، وما حالات الاعتداءات على الأساتذة منا ببعيد. سيقال ان العنف يولد عنفا مضادا لكن متى بدأ الحديث عن هذا، ربما لأن المشرع أعطى للتلميذ فرصة ليظهر عضلاته على مربيه عندما أصبح المعلم مهانا في مجتمعه وفي عمله كيف لا وهو في وقتنا يكاد يكون رُسولا، لقد طفح الكيل الكل ينادي بعودة العلاقة الى سابق عهدها لكي تعود المدرسة لسابق عزها فهل سيتحقق هذا المبتغى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *