وجهة نظر

ردوغان والسراج وحفتر .. تفاصيل الإنقلاب على إتفاق الصخيرات

نَصَّ اتفاق الصخيرات على تشكيل حكومة وفاق وطني تقود مرحلة انتقالية تمتد إلى عامين، على أن تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية و رئاسية. و شكَّل هذا الاتفاق السياسي الليبي مرجعية أساسية كان ينبغي أن يرتكز عليها الحوار الوطني الليبي من أجل إستكمال مسار الحل السياسي للأزمة الليبية. و رغم أن الاتفاق حظي برعاية أممية و دعم دولي واسع إلا أنه إصطدم بمعارضة إنتحارية و إلتفافات حربائية من قبل بعض الأطراف الداخلية و الخارجية.

و هكذا فجّرت سفاهات المشين حفتر مضامين المادة الثامنة من الأحكام الإضافية في إتفاق الصخيرات، و التي نصت على انتقال جميع صلاحيات المناصب العسكرية و المدنية و الأمنية المنصوص عليها في القوانين والتشريعات النافذة إلى مجلس رئاسة الوزراء عند توقيع الاتفاق.

ثم هكذا -أيضا- إنبرى فايكْ السرّاج لمحاولة الإحتماء بشرعنة الإحتلال التركي ، فَهَتَكَ عرض شرعية اتفاق الصخيرات الذي تؤكد فقراته البليغة على أن عقد الاتفاقيات و المعاهدات الدولية من صلاحيات مجلس رئاسة الوزراء مجتمعا. كما أنها تستوجب مصادقة المؤسسة التشريعية التي يمثلها مجلس نواب المرحلة الإنتقالية. هذا الأخير سبق و إنشطر إلى مجلسين أو مجالس، ثم وصلنا إلى باب الحوار المسدود بعد إنقضاء المدة النيابية و الحكومية دون إستكمال مسار التسوية السياسية الليبية.

إن فايكْ السرَّاج قد إستباح حرمة إتفاق الصخيرات، و ذلك حين قَامَ بَمَسْخِ فقرة منه إلى مذكرة تفاهم مع تركيا تستَبْطن أَمْرَ حمولة إستعمارية تُبيحُ ” عَثْمَنَة ” العلاقات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية للشعب الليبي العظيم. كما تمكنت تركيا من إرسال قوات عسكرية خاصة إلى ليبيا ، و توغلت عبر بناء قواعد دائمة لها بهدف حماية المصالح الإقتصادية التركية. و قامت باتخاذ جميع تدابير التأمين المُسلح مقابل أخذ غنيمتها من الثروات الوطنية و ضمانها لعمق جيو-ستراتيجي بالبحر الأبيض المتوسط في مواجهة المخاطر المزعومة.

و رغم أن تقرير الأمم المتحدة قد أدان العديد من الشركات و الدول المتهمة بانتهاك الحظر و تسليم أسلحة أو مسلحين للإخوة-الأعداء المتحاربين في ليبيا. فإن مذكرة التفاهم السيئة الذكر ، سمحت للسلاح و الجيش التركي بالتغلغل المريح في الشؤون الداخلية لدولة ليبيا. بشكل أفرغ إتفاق الصخيرات من أهم أهدافه السياسية السلمية، و جعل حكومة السراج ناطقة باسم الإملاءات التركية في تدبير عملية فرض نظامها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي على مختلف الأطياف الليبية المتنوعة.

إن تهَور حفتر المَقروض و تدَخُّل أردوغان المرفوض قد جعلا بنود إتفاق الصخيرات مجرد حبر على ورق. و ضَاع الشعب الليبي بين مؤامرات الإنقسامية و أجندات السيطرة على الأراضي و الثروات الليبية. و ها نحن – اليوم- نتحسر على إنزلاق الأزمة الداخلية نحو إرهاصات الحرب الإقليمية و بوادر تقسيم ولايات ليبيا إلى أرخبيل مستعمرات جراء التدخلات العسكرية الأجنبية.

حيث جنحت العديد من الدول إلى محاولات تعزيز نفوذها داخل الأراضي الليبية و تحويلها إلى ساحة تصفية حسابات خارجية لا تخدم المصالح الحقيقية للشعب الليبي. و هنا أطرح العديد من التساؤلات حول فائدة و جدوى التدخل العسكري الأجنبي في تأمين المصالحة الوطنية بين الأطراف الليبية، و أيضا بخصوص نتائج هذا التدخل غير الشرعي الذي أفضى إلى تنامي سلطان الجماعات المسلحة و الإرهابية في ليبيا.

و ها نحن نتابع تسارع وتيرة الإنزالات الإرهابية و بروز نفوذ تشكيلاتها الجديدة في ليبيا، حيث باتت دول عديدة تستغل الخرق الشنيع لاتفاق الصخيرات من أجل توطيد “شرعية القنَابِل “. فباتت خيارات الشعب الليبي ضيقة أمام تنامي عبث المرتزقة المسلحين و اصطفافات التبعية للخارج عند أمراء الطوائف المتناحرة بليبيا الشقيقة.

إن مذكرة التدخل التركي فاقمت الأزمة السياسية الليبية، و أتاحت الفرصة لباقي الميليشيات المتطرفة المسلحة لنسف ماهيَّة اتفاق الصخيرات و التلاعب بالشرعيات المنبثقة عنه. و ستمتد آثار هذا التدخل الغاشم إلى توسيع دائرة الدول المُتَسَلِّلَة إلى الشأن الليبي بشكل مباشر و تفريخ المزيد من التنظيمات الإرهابية في ليبيا و شمال أفريقيا.

و أختم بالتأكيد على أن إتفاق الصخيرات الذي تمَّ بإعتراف أممي قد شكل فرصة تاريخية مهمة، و أن المغرب أبان عن حرصه الأمين و سعيه المتواصل لتوفير سبل التواصل و الحوار بين معظم أطراف الصراع الليبي لما يخدم مصالح الشعب الليبي. غير أن مُفكّرة المشين حفتر و مُذكّرة فايكْ السراج قد جعلتَا من هذه الوثيقة المرجعية العقلانية السلمية المرنة إتفاقًا ليبيًّا يراد قَبْرُهُ و الإستعاضة عنه بالتدويل العسكري الجديد .

و هذا ما يفرض ضرورة إخلاء المجال السيادي الليبي من جميع القوات الأجنبية العابثة بوحدته و أمنه و إستقراره و سلامة شعبه، باعتبارها أولى الشروط السياسية للعودة إلى طاولة المفاوضات بغاية الإنتصار للحكم الوطني الليبي الديمقراطي. لأن حلول الخروج من شِرَاكِ الأزمة المُستفحِلَة، لا يمكن فرضُها بسَطوة الأمر الواقع للسلاح العسكري الذي قد ينقلب على ضفتي البحر الأبيض المتوسط بأشَرِّ الوَيْلات. وإنما الخروج ممكن إذا ما إرتقت الأطراف الليبية المتطاحنة إلى تغليب قيم المصالحة الوطنية و التآخي و الحوار من أجل تجويد و إغناء اتفاق الصخيرات و إحراز تقدم سياسي شامل تحت رعاية الأمم المتحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *