وجهة نظر

ضمان استدامة المجالات القروية بالمغرب بعد جائحة كورونا

الى اي حد استفاد العالم القروي من الاهداف 17 للتنمية المستدامة التي وضعت من قبل منظمة الامم المتحدة و ذكرت في قرار الجمعية العامة للامم المتحدة في شتنبر 2015 و في يناير 2016 تم ادراج هذه الاهداف 17 في خطة التنمية المستدامة لعام 2030؟

لفهم السؤال لابد من الرجوع الى التعريف باهداف التنمية المستدامة التي تم تقريرها من داخل الجمعية العامة للامم المتحدة. و يعتبر المغرب واحد من بين الدول التي وعدت بتنفيذها.

إن اهداف التنمية المستدامة او ما يطلق عليها باسم تحويل عالمنا هي مجموعة مكونة من 17 هدفا تترابط فيما بينها بالرغم ان لكل منها غايات محددة بما مجموعه 169 غاية. و تشمل هذه الاهداف مجموعة كبيرة و واسعة من قضايا الاقتصادية، الاجتماعية و البيئية كالفقر، الجوع، الصحة، التعليم، تغيير المناخ، المساوات بين الجنسين، الصرف الصحي، الطاقة، البيئة، العدالة الاجتماعية.

1_ مستوى تنفيذ اهداف التنمية المسدامة في العالم القروي قبل الجائحة.

في ظل الاوضاع العادية التي سبقت كورونا اي في ظل المدة الزمنية التي دامت تقريبا 4 سنوات(2016 _2020) هل استفاد العالم القروي من تنفيذ الاهداف 17؟
لنكن موضوعيين و نضع امام اعيننا ان الامكانيات التي كانت متاحة غير كافية لتنفيذ خطة الامم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030 و نعيد طرح السؤال هل العالم القروي استفاد من الاهداف الاساسية الاولى للتنمية المستدامة كالفقر، الجوع، الصحة و التعليم؟

للجواب على هذا السؤال لا بد ان نضع الواقع المعاش للعالم القروي في الميزان حتى يتسنى لنا الحكم على امكانية استفادة العالم القروي من اهداف التنمية المستدامة من عدمها. حسب الواقع المعاش نلمس أن الفقر ازداد خلال السنوات الاخيرة بينما الجوع انتقل من جوع كمي الي جوع كيفي اي انتقل من نقص في التغذية الى سوء التغذية و بالتالي الفقر و الجوع ما زالا ينخران العباد.

كما يعتبر التعليم اساس كل الاهداف و يمكن ان يطلق عليه أم الاهداف حيث نص عليه قرار الجمعية العامة للامم المتحدة وجاء في الرتبة الرابعة بعد الصحة رغم اني لا اتفق على وضعه في هذه الرتبة بل هو الاول و الاخير (تعليم جيد ). مستوى التعليم في العالم القروي يعتبر كارثة انسانية من ناحية البنية التحتية، اللوجيستيكية و النقص الكبير في الاطر التعليمية بالاضافة الى الظروف الكارثية التي يعيشها التلميذ داخل القسم و خارجه . من هنا يتبين ان هناك خطأ في قراءة الواقع المعاش او هناك خطأ في تنفيد خطة التعليم من اجل تعليم جيد مجاني للجميع. تأتي الصحة في المرتبة الثالثة من بين الاهداف 17 و تعني في مضمونها ضمان تمتع الجميع بانماط عيش صحية و بالرفاهية في جميع الاعمار. اين هذا من الواقع المعاش في العالم القروي، يمكن القول ان ما يعيشه المواطن في القرى لا يبث بصلة الى ما جاء في قرار الجمعية العامة للامم المتحدة، لا بنية تحتية لا وسائل طبية لا اطر طبية.

اما الاهداف الاخرى المتبقية لا يمكن الحديث عنها ما دام هناك تأخر في تنفيذ الاهداف الاربعة الاولى.

2_التنمية المستدامةو العالم القروي في ظل جائحة كورونا.

كانت الامور تسير حسب ما سطر لها رغم بعض الخرقات و النقائص، فجأة ظهر فيروس بعثر كل الاوراق، الاهداف و الاولويات. اصبحت الاهداف 17 مبعثرة وغير كافية بل انضاف الى قائمتها هدف 18 جديد يرتكز على كيفية محاربة الوباء و انقاذ البشرية من الفناء.

ظهور كورونا جعل العالم يعيد ترتيب الاهداف و الاولويات و اصبحت الصحة هي عماد التنمية ثم بعدها محاربة الجوع الكمي.

رجوعا الى العالم القروي المغربي، و تأثره بظروف محاربة الجائحة و الخسائر الاقتصادية، الاجتماعية و البيئة جراء هذه الظروف.

إن الظروف المناخية الغير المستقرة و القاسية التي اعطت سنة فلاحية غير منتجة و جافة، اثرت بشكل كبير على معيشة العالم القروي و على مردوديته مما أدت هذه الوضعية الى خلل في الاقتصاد و المجتمع، و مع ظهور فيروس كورونا و تطبيق حالة الطوارئ الصحية ازدادت الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية تأزما و ذلك يرجع الى عدة اعتبارات منها عدم وجود امكانية التسويق بالاضافة الى فساد المحصول نتيجة عدم توفر المكونات و الامكانيات الظرورية كالاعلاف و الاسمدة و المواد الاساسية التي تدخل في حلقة الانتاج الفلاحي. و بالرغم من الدور الكبير الذي يلعبه العالم القروي في تحريك العجلة الاقتصادية و بالرغم من كونه ظروري لإستمرار البشرية، لم يأخذ هذا الاخير حقه من التنمية المستدامة. إن الدولة المغربية قبل و خلال الجائحة لم تعطي حق العالم القروري و تبقى التفاتاتها محتشمة و ترقيعية و هذا سيعطل عجلة التنمية بشكل عام بل يمكن ان يصبح هذا العالم عائق للتنمية المستدامة.

اما الكارثة تكمن في القرارات التي اتخذت و كانت ظالمة للعالم القروي فيما يخص الهدف الرابع الذي يؤكد التعليم الجيد للجميع و مجانته و تفعيل مبدأ المساوات بين افراد المجتمع. ان قرار التعليم عن بعد الذي اقرته الوزارة كحل لمشكلة التعليم خلال الجائحة كان قرارا ظالما للعالم القروي لا يحتكم الى مبدأ المساوات و التعليم الجيد للجميع نظرا انعدام الوسائل الظرورية التي تجعل العالم القروي طرفا مستفيدا من التعليم عن بعد كانعدام شبكات الانترنيت ببعض مناطق العالم القروي، اضافة الى عدم توفر التلاميذ على الاجهزة الالكترونية التي تسمح بمتابعة الدروس عن بعد. و بالتالى يمكن القول ان هذا القرار كان قرارا عنصريا لا يخدم مبادئ و اهداف التنمية المستدامة.

اذن حسب القراءة المعمقة للواقع المعاش و ماذا استفادة العالم القروي من تنفيذ الاهداف 17 للتنمية المستدامة تبين ان هناك خلل و مشاكل كبيرة في تنفيذ اهداف التنمية المستدامة من داخل العالم القروي. كما تبين ان الدولة تعتمد في تنفيذها لأهداف التنمية المستدامة على خطط خاطئة كالتركيز على العالم الحضري و استبعاد العالم القروي. كان من المفروض ان تصب الدولة نصف اهتماماتها على كيفية تنمية العالم القروي لأنه يعتبر من الركائز الاولى لتنمية مستدامة عامة و شاملة. و هذا يدفعنا الى طرح سؤال يعتبر حديث الساعة الذي هو كيف يمكن جعل العالم القروي عالم مستدام بعد الجائحة؟

للجواب على هذا السؤال لابد من استحضار الحكمة في اخذ القرارات بالاضافة الى النية الحسنة في الاصلاح، ثم توجيه الانظار صوب العالم القروي. كما يجب اعادت النظر في ترتيب الاهداف 17 للتنمية المستدامة و اغنائها بغايات تصب في تنمية العالم القروي، ثم دعمه بالامكانيات التي تسمح له بالانطلاق نحو عالم افضل. و هذا لن يتأتى الا بإستغلال كل الثروات البشرية التي تتمتع بالكفاءة و الحنكة و عدم ترك شريحة مهمة من خير اطور الدولة كالباحثين الحاملين لشواهد عليا كالدكتوراه اهبة للضياعة، و يجب استغلال هذه الفئة التي تعتبر نخبة المجتمع ثم ادخالها و اشاركها في صنع و اخذ القرار، إن الترجل في اخذ القرار لن ينتج الا التخبط و العشوائية خصوصا ان المدة المتبقة لخطة الامم المتحدة من اجل الوصول الى التنمية المستدامة لعام 2030 لم تكن كافية حتى في الظروف العادية فما بالك بعد ظروف الجائحة و ضبابية المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *