وجهة نظر

قضية سارة حجازي.. نقطة نظام

كم يبدو سطحيا ذلك النقاش عالي النبرة بين الفرقاء السياسيين والإيديولوجيين الذي أحدثه انتحار الناشطة المصرية سارة حجازي في كندا يوم الأحد الماضي، الذي تدحرج بشكل غريب من التعليق بشكل موضوعي على حادثة الانتحار ودوافعه إلى الحديث عن جواز الترحم عليها من عدمه وعن مصيرها ما بعد الموت ليتحول المشكل مع المتفاعلين مع فعل الانتحار وليس مع المتسبب فيه.

الجدير بالذكر أن التألي على الله مرفوض ولا نفهم ماذا يستفيد البعض من منح تأشيرة العبور الآمن إلى الدار الآخرة، فالأصل أننا دعاة ولسنا قضاة وأن المرء لم يضمن الجنة والنجاة من النار لنفسه حتى يضمن ذلك لغيره أو يحرمه منه، لذلك فإثارة هذه المسألة لا معنى له وهو يندرج في إطار الجدل العقيم الذي لا يقدم ولا يؤخر، على أنها في المقابل تستغل من الجانب الآخر فيتم التركيز عليها بالذات عبر تقمص دور البطولة المعذبة من خلالها التي تتجاهل صلب الموضوع وتلتهي بهوامش التعليقات حوله قصدا لتمرير دعايتها.

مبدئيا الانتحار فعل ذاتي يتحمل مسؤوليته من ارتكبه بحق نفسه، ولا يعقل أن نبحث لأي واحد أقدم على هذا الفعل على طرف خارجي نلقي باللائمة عليه ونبرر به هشاشة المنتحر النفسية إلا إن مورس عليه عدوان قهري خلخل توازنه النفسي يمكن ساعتها أن نستحضر ذلك المعطى لكن بنسبة معينة. في حالة سارة حجازي هناك سوداوية قاتمة عبرت عنها في رسالتها الأخيرة متحدثة عن قسوة العالم معها مع أن جزءا من هذا العالم دافع عنها وتبنى قضيتها ووفر لها إقامة دائمة في إحدى بلدان الرفاهية الغربية، فلو أنها اقتصرت على الاستياء من مجتمعها لتفهمنا الأمر نسبيا ومع ذلك فهي ليست طفلة قاصرة أو إنسان عادي يمكن أن تهزه أو تحطمه هجمات المجتمع الذي تدعو إلى تفكيك بنياته والذي لا يجب أن تنتظر منه أن يرميها بالورود هي المناضلة التي تعاكس قناعاته، ورغم كل ما يمكن أن يقال عنه فهو لم يعرضها للأذى الجسدي المباشر.

وحدها الدولة وأجهزتها البوليسية من قامت باستهدافها فاعتقلتها ونكلت بها، وأي خلل طارئ في سلوكها تتحمل مسؤوليتها السجون المصرية التي تفعل بنزلائها الأفاعيل، والغريب هنا أن هاته النقطة يتم تجاوزها والمرور عليها مرور الكرام لأجل التفرغ للمجتمع من أجل جلده وجلد التيار الإسلامي معه الذي يعد ما تعرضت له سارة حجازي ومن خلفها الفئة التي تمثلها نقطة في بحر أمام ما لقيه أنصاره في مسالخ تعذيب النظام الانقلابي في واحدة من أبشع حملات الاستئصال المعاصرة التي تعرض لها تيار سياسي، ومع ذلك فثمة من يتحدث دون حياء عن دور مشترك للإسلاميين مع السلطة فيما حل بحجازي، فيما نشهد في الواقع تناغما واضحا بين بعض المجموعات المعارضة مع إعلام السيسي في استثمار حادث الانتحار وبحث عن رمزية لدى فئة ناعمة مترفة يعوزها الأبطال.

مأساة سارة حجازي أكبر من أن تكون مأساة شخصية أو فئوية، فهي عنوان مرحلة قاتمة من مراحل الشباب المصري والعربي عامة الذي تنهشه حالة اللايقين والإحباطات المتراكمة بفعل تغول السلطوية ما بعد الربيع العربي وتحطم طموحاته التغييرية، مما نجم عنها جيل ضائع محطم يعاني الهشاشة في اختياراته ويميل نحو التطرف فيها أيا تكن تلك الاختيارات مهما كانت بعيدة عن التفكير السوي والفطرة السليمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *