منتدى العمق

التعليم.. الإصلاح الممكن ببلادنا‎

عندما نتحدث عن البيداغوجيات المعاصرة واستراتيجيات التعلم المعاصرة والحديث منها، فإننا لابد نعرض للحديث عن التلقين كواحد من الإستراتيجيات التي تتماشى مع المرحلة الإبتدائية التي يجب أن يتعلم خلالها المتعلم أن يجيب عن سؤال بسيط من بين الأسئلة المعقدة:

-سؤال الكم و يتعلق بالكمية

– سؤال الكيف فالمتعلم وهو طفل صغير كل ما يشغله ليس إلا كيف أكتب وكيف أرسم وكيف أغني وكيف أعجب معلمي وكيف ……وغيرها من الأسئلة ذات الطابع الكيفي، لا يحتاج معه الإبداع في ظل غياب شروط الإبداع، و الخلق. فالمتعلم محتاج أكثر من أي وقت مضى في هذه المرحلة، لمن يعلمه ليس التفكير بقدر تعلمه ٱليات وأدوات ووسائل التفكير. فبدل أن نجعله يفكر في استنتاج قاعدة الفعل اللازم، علينا أن نعلمه معنى الفعل اللازم قبل كل شيء، و في المرحلة الاعدادية نعده للفهم و الإبداع، أي الإجابة عن أسئلة من قبيل ماذا؟ مماذا؟ وغيرها. أما أن نطالب من متعلم المرحلة الإبتدائية أن يتدبّر في الإجابات ونولّده ما ليس بحامل له، فهذه الفعلة ما فعلها سقراط نفسه مع من ولّدهم، و لا مال إليه واطسون في علومه الحقة.

هناك أساسيات و مبادئ علينا أن نعلمها للمتعلم قبل كل شيء، فدرس الحق في تقديمه يبدأ من حيث ينتهي من مكونات الحق، و هذا لا أظن متعلم المستوى الخامس قادر على أن يجيب عليه إلا إذا أعطيته اللقمة صائغة جاهزة، و هذا تحايل على استراتيجية التلقين لا أكثر، و لم تتعداها لتكون بيداغوجية مغايرة.

نعم نحن نرفض التعليم الجاف الذي لا يبتغي غير تقديم المعلومة في قالب تقليدي عبر استراتيجيات التلقين، ولكننا نرفض أن نكذب. فالأساسيات و المقومات الأساسية تكمن في التلقين، باعتباره أول مدخل للتعلم في حضاراتنا فمن منا يستطيع أن يغامر و يترك طفله يجرب أمام الخطر، دون أن ينتبه لكون الطفل أشد ميلا للتقليد و منه التلقين في قالب من النصائح و الوصايا الجاهزة المتمثلة في “لا تلمس الولاعة” في صيغة النهي، أو “كل التفاحة” في صيغة الأمر و هي صيغ تلقينية محض، وإلا لماذا لا نجعله يجادلنا في الأخلاق، والقيم، والنص الديني قبل أن نشحنه بها ونغرسها فيه منذ نعومة أظافره.

إن مسألة النجاعة و الجودة في الاستراتيجيات الحديثة لا نناقشها، فهي مغرية نظريا فقط، في عالمنا الثالث لعدم توفر الشروط الذاتية من انفتاح الدرس و الوسط السوسيوثقافي على هذه الاستراتيجيات و شروط موضوعية تكمن في هزالة الخدمات المقدمة في مؤسساتنا التربوية التي ما تزال أغلبها في العالم القروي خاصة بدون مرافق صحية و ملاعب رياضية.فما بالك بالأجهزة و الوسائل التي تحتاجها هذه الاستراتيجيات و الطرائق الحديثة و المعاصرة الماجاوزة للتلقين. على نقيض بعض الدول التي وفرت لها الشروط وعملت على إنجاحها بما أوتيت من جهد، عكس الدول العربية التي كفاها منها الإسم والحضور وشرفها أن تحمل الإسم وتغييب الشروط.
ففي العالم الذي نراهن على تحقيق نتائجه و تحصيل حصيلته، هناك هيمنة بيداغوجيا اللعب، وفي المغرب اللعب ليس بيداغوجية بل شيء خارج النسق ولا مفكَّر فيه، ومنبوذ بيداغوجيا، إذ لن يقبل أب مغربي التكوين أن يجد طفله يلعب في المدرسة أو في محيطها، ناهيك عن ايمانه باللعب كاستراتيجية تربوية بديلة يمكنها أن تحقق غايات و رهانات تربوية ضرورية.

إن الإصلاح الحقيقي الذي نبتغيه لمدرستنا اليوم هو اصلاح شامل نقصد منه تحقيق رهانات موضوعة على عاتق المدرسة المغربية منذ القدم، رهان الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي والمجتمع الصناعي، رهان القطع مع الأمية، وتحسين جودة الخدمات، رهان الاستثمار في العنصر البشري كي نتكلم حقيقة عن المورد البشري القادر على الابداع و الابتكار والخلق.

كل هذه الرهانات تتماشى والاصلاح الشمولي الذي نعمل على ضياغته وفق نموذج علمي دقيق، يمكننا من تجاوز اشكالات ومعيقات بيداغوجية دقيقة على شاكلة الأقسام المشتركة، توظيف البيداغوجيات المعاصرة، وتحقيق تكافؤ الفرص وكلها مداخيل حقيقية لبناء المواطن المنتج.

ولن يتحقق ذلك إلا بالعمل على :

– تطوير العنصر البشري العامل في القطاع وتمكنيه من جميع آدوات ووسائل العمل البيداغوجية الممكنة وتحسين ظروف اشتغاله.
– القطع مع فكرة التقويم في السنوات الأولى من التعليم لما لهذه العملية من آثار جانبية على المتعلم خلال مساره المهني.
– اعتماد التعلم عن طريق اللعب البيداغوجي كمدخل حقيقي في السنوات الاولى (الابتدائي) وكذا استراتيجية التعلم عن طريق المحاولة والخطأ ، وكذا أهمية التعلم عن طريق الأقران إذ يمكن للمتعلم المتعثر أن يستفيد من أقرانه أفضل من معلمييه.
– تخصيص السنوات الاولى( الابتدائي) لتعليم القيم والأخلاق والدين وفق منهج عقلاني دقيق دون أن ننسى الدين المقارن كمدخل لتعليم التعددية الفكرية وفلسفة الاختلاف.
– تزويد جميع المؤسسات التربوية بالوسائل التكنولوجية .
– تخصيص مدرس لمادة بعينها منذ الوهلة الاولى، كي يكون مركزا على مجال اشتغاله ويستقر على مادته العلمية دون غيرها.
– تقليص الكفايات المحققة خلال مرحلة التعليم الابتدائي.
– اعتماد التعليم عن بعد كاستراتيجية حديثة للتعلم والفهم.
– ضرورة احداث مؤسسات جامعية خاصة بمهن التربية والتكوين يلتحق بها الطالب مباشرة بعد نجاحه في الباكالوريا وتحقق الكفايات المطلوبة في الجامعة.
– وأخيرا ضرورة اعتماد المواءمة بين التكوين النظري والتطبيقي العملي، وزيارة الورشات ومؤسسات التكوين المهني ابتداء من العام الخامس من التعليم الابتدائي.

إن الإصلاح التربوي الحقيقي ليس اصلاحا على مستوى البيداغوجيات أو طرق التدريس، بقدر ما هو إصلاح خارجي يقتضي تغيير الخطة والاستراتيجية التي تشتغل بها الوزارة حاليا، والتي تركز على حشو رؤوس المتعلمين بالمادة المعرفية دون فهمها و اختبارها، وهذاعيب بيداغوجي حقيقي إن لم أقل مرض بيداغوجي لا يستقيم ونسق الاصلاحات التربوية عبر العالم، كما يقول بذلك الدكتور الخمّار العلمي.

ليس الاصلاح أو التغيير هو ابدال نص بنص أو مفهوم بمفهوم آخر، بقدر ما هو عمل من أجل التقدم وتحقيق النجاحات وتجاوز الاكراهات التي تعانيها بلادنا في تحصيل مواطن واع و مثقف يسهل عليه الاندماج المهني و تحقيق الانتاجية، إذ الفرد الأمي في أمة يعطل مسار تنميتها لجيل أو أكثر لما له من تأثير على الأجيال التي تعايشه، ما لم تحقق نوعا من النجاح و الاصلاح الذاتي الفعّال.

يبقى علينا أن نفتح نقاشا علميا دقيقا نتفحص خلاله الحقائق و نعالجها بروية و عقلانية بعيدا عن المزايدات السياسوية التي تقوض الاصلاحات أينما حلت وكانت، و أن نولي الأهمية القصوى للورشيين التربويين القويين ببلادنا:

– ورش التعليم الأولي و ضرورة تعميمه عبر ربوع المملكة.
– ورش محو الأمية التي لا يمكن التغاضي عنها مع ادماج للجانب التقني التكنولوجي في العملية و تمكين المستفيديين من التكنولوجيا كمدخل حقيقي للتعلم و الاندماج المهني و الوظيفي.

سيبقى رهان اصلاح المدرس العمومية من بين الرهانات القوية ببلادنا التي سالت في سبيل تحقيق هذا الرهان المداد الكثير و سيسيل في سبيل تحقيق هذه الغاية لأن المدرسة هي مشتل المواطن الصالح ومغرس الانسان الفاعل عبر العالم، ونحن في هذا الوطن الكريم سنظل على الدرب لغاية تحقيق تكافؤ الفرص وتعليم نزيه وذو جودة بعيدا عن الطبقية التي تنخر جسد الأمة منذ القدم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *