وجهة نظر

اللاجئين لأسباب مناخية.. فراغ قانوني وحماية منقوصة

تنتج التغيرات المناخية المزيد من اللاجئين أكثر من الحروب، وذلك بالنظر إلى التزايد المقلق والمخيف لأعداد اللاجئين لأسباب بيئية ومناخية، وهو ما يجعل العديد من الباحثين والمهتمين بموضوع التغيرات المناخية يعتبرون أن القرن الحالي قرن الإكراه البيئي العالمي. تطرح التغيرات المناخية عددا من المشاكل والتحديات سواء أمام الدول أو المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، ومن بين أهم الاكراهات ما يرتبط بقصور مواكبة القانون لضحايا التغيرات المناخية، ونقصد بالضبط على هذا المستوى ” النازحون البيئيون”، وبالتالي يمكننا التساؤل عن إمكانات الحماية التي يوفرها القانون الدولي؟ .

صعوبة التعريف

حسب التقرير الصادر سنة 1985 لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة فالنازحون البيئيين هم “أولئك الذين يضطرون إلى مغادرة مكان حياتهم مؤقتا أو دائما بسبب مشكل بيئي (من أصل طبيعي أو بشري) عرض حياتهم للخطر أو أثر بشكل خطير على ظروفهم المعيشية “. في حين نجد قولا آخر يعتبر لاجئي المناخ جميع الأشخاص الذين يضطرون إلى مغادرة منازلهم أو مغادرة أراضيهم بسبب التدهور البيئي المرتبط بتغير المناخ.

وبالتالي يمكننا ملاحظات أن التعريفين يختلفين على مستوى التوصيف من حيث استعمال مصطلح النازح واللاجئ، على هذا المستوى يعتبر كريستيل كورنيل، أستاذ القانون العام أن عبارة “النازحون بيئيا”، التي تعني النزوح الداخلي والدولي، القسري والتطوعي، أكثر ملاءمة.

إذا فمفهوم اللاجئين البيئيين عرف وما زال يعرف نقاشا محتدما حول فلسفة المفهوم، أمام تجاهل القانون، وبالتالي على هذا المستوى لابد من الإشارة إلى عنصر الضرر البيئي كمفهوم ملتبس من حيث النظرة القانونية له، وما يطرحه من إشكالات فرعية مرتبطة بتدقيق مفاهيم الضرر البيئي والكارثة، وكذا إشكالات الإحصاءات المرتبطة بعدد اللاجئين البيئيين.

لذلك نجد أن مسألة تحديد هوية “اللاجئين البيئيين” تطرح إشكالات متعددة ومتشابكة. فمن جهة تعتبر وجهات النظر لهذه المسألة مختلفة من حيث الموقع بين المتخصصين البيئيين وبين المتخصصين في قضايا الهجرة، ما يعني مزيدا من الإشكالات من قبيل هل يجب أن نتحدث عن” المهاجرين ” أو” اللاجئين”أو ” النازحين “، أو الأشخاص عديمي الجنسية أو ببساطة” التنقل “أو” النزوح ؟

يجيب فرانك بييرمان محاولا الحسم في الماهية والتعريف ويعتبر لاجئي المناخ ” كل الأشخاص الذين غادروا على الفور أو هم على وشك مغادرة مكان حياتهم في المستقبل القريب بسبب تغيير مفاجئ أو تدريجي للبيئة الطبيعية، ناتج عن أحد التأثيرات الثلاثة الناجمة عن التغيرات المناخية التالية: عواقب ارتفاع مستوى سطح البحر، والظروف المناخية الشديدة (الأعاصير والعواصف) والجفاف وندرة المياه”.

محاولة فرانك بييرمان تعرضت للنقد على اعتبارها سلكت مسلكا مفاهيميا مفتوحا، مما جعلها تتلقى عددا من الملاحظات أهمها المبنية على أساس قانوني؛ حيث أنه من وجهة نظر قانونية نجد أن اتفاقية جنيف تعرف اللاجئ بأنه الشخص الذي يخشى”سبب الاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى مجموعة اجتماعية أو آرائه السياسية (…)”.

غياب الحماية القانونية الكافية

إن اتفاقية جنيف والنصوص المتخصصة المتعلقة بالأجانب واللاجئين لا توفر أي حماية لهذه الفئة التي اختلف في تسميتها كما رأينا سلفا. وبالعودة لاتفاقية جنيف بتاريخ 28 يوليو 1951 نجد أنها لا تشير لا من قريب و لا من بعيد إلى ضحايا الكوارث أو التدهور البيئي، كما نجد أن محاولات عدة فشلت أمام مجلس الدولة الفرنسي رغم استنادها إلى معيار”الانتماء إلى فئة اجتماعية”ضحية كارثة بيئية للحصول على وضع لاجئ معترف به من قبل أعضائها، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن ضحايا كارثة تشيرنوبيل النووية لم يشكلوا “مجموعة اجتماعية ” بالمعنى المقصود في اتفاقية جنيف. لم يعد من الممكن تعبئة مفهوم الاضطهاد المحوري في الاتفاقية، لأنه مرتبط ارتباطا وثيقا بمخاوف الاضطهاد الشخصي، مما يلغي الاضطهاد العام المتأصل في الكوارث والتدهور البيئي.

كما نجد أن ذات الاتفاقية واقعيا تذهب في اتجاه المقاربة الفردية على مستوى أسباب رحيل طالب اللجوء، على أساس تعرضه ومواجهته لاضطهاد شخصي كسبب رئيسي لمغادرته. وهو ما يتحول واقعيا إلى “رحلة” تشمل عبور حدود واحدة على الأقل. ومع ذلك، لا يسعى “اللاجئون البيئيون” في كثير من الأحيان إلى مغادرة دولتهم.

إلى جانب ما سبقت الإشارة إليه، يمكن النظر إلى القانون الدولي الإنساني، وبالضبط إلى القرار رقم 43/131 الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 ديسمبر 1988، فيما يتعلق بالمساعدة الإنسانية لضحايا الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ، والقرار رقم 45/100 الذي اعتمدته نفس الجمعية في 14 ديسمبر 1990 بخصوص نفس الموضوع. ومع ذلك، لا تزال هذه النصوص غير كافية فيما يتعلق بحماية هذه الفئة. كما نجد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، على سبيل المثال لا يقدمون أي ضمانات لهذه الفئة.

يبقى أمامنا النظر إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر المعتمدة في باريس في 17 يونيو 1994، هذه الأخيرة التي تشير إلى وجود صلة بين الضرر البيئي وآثاره المتعلقة بالهجرة، وعلى وجه التحديد الهجرة الدولية، غير أن غموض هذا الربط يسمح للدول بالتحجج ضد اعتماد إجراءات وتدابير محددة لحماية “اللاجئين البيئيين” كما أن هذه الاتفاقية لا تنشئ آليات حماية خاصة بهذه الفئة من “اللاجئين”.

مقترحات لحماية فئة اللاجئين لأسباب مناخية

يمكن اقتراح بعض الحلول التي يمكن من خلالها توفير الحماية للاجئين البيئيين، والتي من بينها تعديل القانون الدولي بشأن اللاجئين وعديمي الجنسية، أو تعديل اتفاقية الأمم المتحدة الإطار بشأن تغير المناخ لعام 1992. ويمكن أن يتم تعديل اتفاقية جنيف عبر بروتوكول إضافي أو تعديل المادة 1 و توسيعها على النحو التالي: اللاجئ …أو ضحية الظروف البيئية المتدهورة التي تهدد حياة الفرد أو صحته أو مصدر رزقه أو استخدامه للموارد الطبيعية..”، وهو المقترح الذي تقترحه جيسيكا كوببير الخبيرة في القانون الدولي. ويستند هذا التعديل بالمناسبة إلى كون مفهوم “اللاجئ” غير ثابت في اتفاقية جنيف التي تأذن للأطراف بتطويره، ومن جهة ثانية يسهل تنزيل هذا التعديل.

في حين يمكننا التفكير جماعة في التوجه نحو إطار قانوني جديد بعيدا عن المقترحين السالفين، إطار قانوني يضمن لهذه الفئة من “اللاجئين” حماية خاصة وواضحة، وقد تم التعبير عن هذا المطلب بوضوح في نداء ليموج بشأن اللاجئين الإيكولوجيين،الذي بدأ في يونيو 2005 عقب ندوة حول “اللاجئين الإيكولوجيين”، حيث دعا إلى الاعتراف والإعلان عن وضع دولي للاجئين البيئيين لضمان حماية كاملة لهذه الفئة من اللاجئين. وبناء عليه شكل منظموا المؤتمر لجنة للمتابعة أعلنت سنة 2008 مشروع اتفاقية تتعلق بالوضع الدولي للمشردين داخليا، ويصنف هذا المشروع الضحايا بأنهم “نازحون بيئيون”، كما تعرف المادة الثانية من هذا المشروع “الأشخاص المهجرين بيئيا”على أنهم “أفراد وعائلات وسكان يواجهون اضطرابا وحشيا أو خبيثا لبيئتهم مما يؤدي إلى إلحاق الضرر بظروف معيشتهم وإجبارهم على المغادرة – في حالة الاستعجال أو غيرها – أماكن حياتهم المعتادة مما يؤدي إلى إعادة توطينهم وإعادة تسكينهم “.

بدون التطرق مباشرة لمسألة المساحة الإقليمية التي يتحدث عليها “التشرد البيئي”، يتناول المشروع سلسلة كاملة من العناصر القانونية التي تشير إلى أن هذه المساحة يمكن أن تكون أيضا بين الدول. وبالتالي، تندرج تحت مبدأ المسؤولية المشتركة وهو موضوع بروتوكول محدد.

من المحتمل أن يتأثر عشرات الملايين من الناس بالهجرة القسرية المرتبطة بتغير المناخ في السنوات القادمة حسب عدد من الخبراء و الدراسات. ليتحولوا للاجئين بيئيين، وعليه من اللازم اليوم وأكثر من أي وقت مضى أن يتم التفكير في ضمان حماية قانونية لهذه الفئة، عبر إعادة النظر في الفراغ القانوني الذي يسود قضية حماية هؤلاء اللاجئين المستقبليين.

* دكتور في القانون العام 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *