منتدى العمق

كورونا والوعي الإجتماعي بالمغرب

عرف المغرب مع بداية العقد الثالث من القرن ٢١م، تحولات إجتماعية جمة، بفعل ما شهده من مستجدات الحركة الصحية، التي أصبحت تواجه وباء جديدا في تاريخ المغرب، و ذلك منذ منتصف شهر مارس الماضي، مما حال على البلاد أن تشهد عهدا جديدا في تاريخ الأوبئة، دفع الأمر بالدولة إلى إتخاذ تدابير وقائية لمواجهة و محاربة فيروس كورونا.

كل التساؤلات حول الموضوع يمكن إجمالها في النقط التالية:

– ما هي الأوبئة التي تقاس جائحتها بفيروس كورونا في تاريخ المغرب؟
– ما مدى وعي المجتمع المغربي بخطورة الوباء الفتاك؟ و كيف كانت ردت فعله؟
– هل إستطاع المغرب إقحام سيطرته على الفيروس؟ أم أنه أصبح عاجزا أمام ما تسجله عدد الحالات المصابة بالمرض.

تبقى كثرة التساؤلات عن العلاقة التي تربط بين وعي المجتمع المغربي، و الوباء المستجد – كوفيد ١٩-، مما يحيلنا على الاكتفاء بما هو أهم.

و سنحاول في هذا الموضوع التعرف على وضعية المجتمع في ظل هذه الجائحة، و التدابير الوقائية التي إتخذها من أجل الحماية من الإصابة، ثم تقسيم المجتمع إلى ثلاثة طبقات، مع توضيح كل منها كيف كانت ردود فعله و سرامة أو تهاون تجاه وباء كورونا، و أخيرا نخلص إلى إستنتاج يقربنا إلى صورة الواقع.

شهدت البلاد عبر مختلف الأزمنة و العصور، العديد من الأوبئة و المجاعات الفتاكة، كانت وبلا على الحياة الاجتماعية للمغرب. فلا نستغرب و تمسنا الدهشة مما يقع اليوم من تحولات إجتماعية، كون ذلك له إرتباط بالماضي، كما يقول المؤرخ عبد الله العروي في كتابه مفهوم التاريخ أن فهمنا للحاضر يبقى رهين بدراسة الماضي، و فهمنا للحاضر عن طريق الماضي، يدفعنا إلى الاستشراف بالمستقبل.

يمكننا الانطلاق من قول العروي و غيره لبناء موضوعنا المتعلق بوباء كورونا، الذي يمكن القول أنه ليس بالأول أو بالأخي، فالوباء له إرتباط بزمن الأوبئة الماضية.

فالمغرب شهد في القرون الوسطى و الحديثة مجاعات لسنوات متتالية أدت إلى ظهور العديد من الأوبئة نتج عنها موت العديد من الناس.

كما أنه لا يخفى على دارسي التاريخ أن المغرب عرف قرن شبيها بالقرن الذي تعيشه البلاد الأن، هو قرن جفت في بدايته المحاصيل و زاد غلاء المعيشة بسبب قلة الإنتاج، قرن عرف بقرن الطاعون الأسود، الذي فتك بالمجتمع المغربي، بالإضافة إلى باقي المجتمعات الأخرى، تتجلى خطورة هذا الوباء في قلت الوسائل الطبية من أدوية أجهزة، كون العالم كان لازال يشهد بدايته الأولى في التاريخ الحديث، و تبقى تلك التقنيات التقليدية في التطبيق غير كافية لمحاربة جائحة الطاعون، و يقول الافراني في هذا الصدد إن مدينة فاس لوحدها مات فيها الكثير من الناس، حتى أصبح الأحياء منهم غير قادرين على دفن موتاهم، و نفس الأمر يسري على باقي المدن المغربية الأخرى.

ظل الوباء يفتك بالمغاربة سنوات لا تطال إلى إن تم إكتشاف لقاح له عن طريق مختبرات أوروبية، و بعد قرن من الزمن ستعاد الكرة مرة أخرى، و هي ما يسميها الأستاذ محمد العمراني بالفترة التي شملت البلاد ثلاثة عقود من المصائب و المجاعات و الأوبئة التي جعلت الأوضاع غير مستقرة، و لا ننسى دور عبيد جيش البخاري في هذه الطارثة، امتدت من وفاة المولى إسماعيل العلوي سنة ١٧٢٧م، إلى حدود تولي السلطان سيدي محمد بن عبدالله سنة ١٧٥٧م، فترة لم يعرف فيها المغرب إستقرار على جل المستويات، و لكثرة المحن التي أصبح يعرفها سكان البلاد، حيث يقول الضعيف أن الرجل أصبح يراهن بزوجته أو إبنه من أجل سلة عنب.

و توالت قرون إلى أن دخل المغرب تحث نظام الحماية الفرنسية- الإسبانية مع بداية القرن العشرين، ليشهد مرة أخرى مع مطلع العقد الرابع من هذا القرن، وباء عرف بإسم التوفيس، الذي لولا وجود المستعمر لفعل بالناس ما فعل بهم الطاعون الأسود.

شهدت البلاد بعد خروج المستعمر تدشين عهد جديد، و بداية تحديث الإدارات العمومية، و تأطير مواطنين قادرين على تسيير شؤون دولتهم دون الاعتماد على الاجانب، و بدأ المغرب عهدا طبع إشعاع على مستوى الاجتماعي و الاقتصادي، و بناء الدولة الحديثة مع الملك محمد السادس.

لكن الحلم لم يكتمل للدولة، إذ، مع مطلع العقد الثالث من القرن ٢١م، ستشهد البلاد نكبة وبائية جديدة من العيار التقيل، و الذي لازال يعاصرنا لحد الأن، بعد ما مر ما يقرب ثلاثة أشهر عن دخوله إلى المغرب عن طريق الاجانب، و المغاربة المقيمين بالخارج.

وباء خافت منه عقول البشرية، و حير مختلف دول العالم، الذين بدورهم لم يستطيع إلى حد الأن إيجاد لقاح لعلاج فيروس كورونا، حيت أن أراء تختلف عن المسؤول في نشر هذا الوباء، إذ، هناك من يقول على أن أمريكا هي المسؤولة عن إنتشاره، و هناك من يرجح أن الصين المسؤولة بفعل المأكولات التي تقتاتها.

إننا هنا ليس بصدد فتح تحقيق لمعرفة من هو المسؤولة إنتشار فيروس كورونا، بقدر ما نحن أمام معالجة مسألة الوعي الإجتماعي عند المغاربة بخطورة الوباء.
الأمر الذي دفعنا إلى تقسيم المجتمع إلى ثلاثة فئات إجتماعية، حسب قيمة الوعي لدى كل فئة من الفئات.

– الفئة الأولى: معي بخطورة فيروس كورونا، و هي الفئة التي تجدها في غالب الأحيان مرت بوعكة صحية حالتهم على درس، مما دفعهم خوفا لإتخاذ الحيطة والحذر من إصابتهم بالفيروس، وحملوا أنفسهم باتخاذهم جل التدابير الوقائية من الفيروس، و منهم المثقفون الذين لهم وعي بما يقع في دول أخرى و يتتبعون التقارير الطبية منذ ظهور هذا الوباء. و منهم أيضا أصحاب الأموال الطائلة، فخوفا على أنفسهم، إكتنزوا كل حاجياتهم الضرورية، و إلتزامهم بقواعد الحجر الصحي، و مسألة حالة الطوارئ، خوفا على فقدان أموالهم.

الفئة الثانية: هي الفئة التي تعي خطورة الفيروس لكنها لا ترى سبيل عن العمل لكسب قوت يومه، رغم الدعم المالي الذي قدمته الدولة للعاملين الذين توقفوا عن عملهم بسبب جائحة كورونا، لكن مع كل هذا أخذت كل إحتياطاتها الاحترازية لحماية أنفسهم من المرض.

الفئة الثالثة: هي الفئة المتهورة، التي لا تعطي للأمر هما و لا قيمة، إذ، تقول أن حياتهم أمام الحجر الصحي لا تساوي إلى عذاب، لذلك لا يأخذوا التدابير الوقائية، و خرجوا إلى الشارع كأن الحياة طبيعية سالمة من دون وبل.

يبقى هذا التقسيم إفتراضي، فقط من أجل تحليل يفهم، إجمالا، تبقى الحياة الاجتماعية بين الوعي و اللاوعي حسب ثقافة أفراد المجتمع، مما يجعلنا القول أن الدولة لم تستطع التحكم و السيطرة على وباء كورونا، ليس لأنها لا تتوفر على وسائل طبية متطورة، بل قلة وعي المجتمع بخطورة الجائحة، و بفعل تدني الوعي الإجتماعي لازال الفيروس يعاصرنا إلى اليوم رغم ما قامت به الدولة من تدابير إلا أن تماطل البغض منا يذهب بنا جميعا إلى مصير واحد.

*  باحث في التاريخ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *