وجهة نظر

وضعية حقوق الطفل بالمغرب على ضوء التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الانسان

يندرج اصدار التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الانسان في إطار تفعيل الصلاحيات المسندة للمجلس طبقا للمادة 35 من القانون رقم 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الانسان.

ومنه فالمجلس يصدر تقرير سنوي عن حالة حقوق الانسان بالمغرب بعد اطلاع الملك عليه، وتوجيه نسخة منه الى كل من رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين.

ومنذ احداثه سنة 1990 أصدر المجلس ثمان تقارير سنوية ويعود اول تقرير الى سنة 2003 الى غاية سنة 2010 باصدار تقرير كل سنة، ثم تقرير سنة 2019، ويرجع هذا الانقطاع في اصدار التقارير السنوية الى التحولات الكبيرة التي عرفها المجلس خلال هذه الفترة على المستوى التنظيمي والهيكلي.

وتبرز اهمية هده التقارير السنوية التي تصدرها المؤسسات الوطنية لحقوق لقوق الانسان في كونها مشفوعة بنفس محايد عن التوجهات الحكومية، زيادة على كونها تعطي نظرة عامة وشاملة حول التطورات الحقوقية في البلد بمستوياتها الايجابية والسلبية. وبالتالي فهي تثمن المجهودات المحققة من جهة وتثير الانتباه الى الثغرات والتجاوزات من جهة اخرى.

ويتكون تقرير المجلس الوطني بحقوق الانسان لسنة 2019 من 82 صفحة، مفصلة على سبعة محاور اضافة الى محور خاص بالتوصيات.

ولعل أبرز ملاحظة شكلية حول التقرير تتمثل في هيمنة المحور الاول الخاص بحماية حقوق الانسان على أكثر من نصف التقرير، وذلك بالنظر لأهميته والإشكالات المتعددة التي يثيرها.

واقع حقوق الطفل من منظور التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق الانسان

استنادا الى الصلاحيات المخولة للمجلس في مجال حماية حقوق الانسان من خلال التصدي لجميع حالات انتهاك حقوق الانسان اما تلقائيا او بناءا على شكاية ممن يعنيهم الامر او بتوكيل منهم.

فالمجلس الوطني لحقوق الانسان توصل ب 88 شكاية سنة 2019 مقارنة ب 83 سنة 2018، وتهم هذه الشكايات فئة الاطفال في وضعية هشاشة، بالنظر الى الوضعية الصعبة التي تعيشها هذه الفئة من الاطفال خاصة على مستوى عدم الالتزام بحق الطفل في التربية والحماية من مختلف اشكال العنف وسوء المعاملة، علاوة على الحق في المحاكمة العادلة بما لا يتوافق مع مصلحة الطفل الفضلى.

غير ان المثير للانتباه في تقرير المجلس ان اولياء الامور هم من تكلفوا بتقديم هذه الشكايات بدل الاطفال أنفسهم وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى توفر بنية ملائمة ﻻستقبال تظلمات الاطفال وهو الامر الذي انتبه اليه المجلس وبادر الى اعداد فضاء خاص باستقبال الاطفال بتعاون مع منظمة اليونسيف. ومما لا شك فيه ان هذه العملية ستساهم في تعزيز ولوجية الاطفال للمؤسسة، وتعزيز دورها كفاعل في حماية حقوق الطفل ببلادنا.

كما ساهمت الية الرصد التي وضعها المجلس لتتبع محتويات وسائل الاعلام في التدخل الإستباقي وحماية الاطفال من اي انتهاكات محتملة وذلك بالتعاون مع مختلف المتدخلين.

وعلى مستوى النهوض بحقوق الانسان فالمجلس بدل مجهودات مهمة في سبيل الرقي بأوضاع حقوق الطفل في إطار الصلاحيات المسندة اليه بهذا الخصوص من خلال التفاعل مع النقاش الوطني بخصوص مشروع قانون رقم 58-19 الخاص بعهد حقوق الطفل في الاسلام، والعمل على بلورة راي استشاري حول مشروع القانون السالف الدكر.

كما حازت ظاهرة زواج القاصرات اهتمام المجلس بالنظر لانتهاكها الصارخ لحقوق الطفل، ولما تخلفه من اضرار جسيمة على الاطفال، حيث بادر المجلس لتنظيم حملات توعوية على مستوى لجانه الجهوية والتي شكلت فرصة سانحة للتحسيس بمخاطر الظاهرة والدعوة لتنسيق جهود الفاعلين المؤسساتيين والمدنيين لوضع حد لهذه الظاهرة.

وعلى مستوى دوره في دعم و تعزيز قدرات الفاعلين المعنيين بمجال حقوق الطفل فقد ثم تسجيل عدة انشطة ومبادرات لفائدة مختلف الفاعلين سواء بمواكبة الفاعلين المعنيين بمراكز حماية الطفولة تفعيلا لتوصيات المجلس المتضمنة في تقريره حول مراكز حماية الطفولة .

كما استفادت الهيئات الجمعوية المعنية بحقوق الطفل من دورات تكوينية حول منهجية اعداد التقارير الموازية امام لجنة حقوق الطفل بمناسبة تقديم التقرير الدوري الوطني للجنة الامم المتحدة لحقوق الطفل سنة 2020 .

تحديات ورهانات النهوض بحقوق الطفل بالمغرب

لاشك ان المغرب بدل جهودا مضنية لتحسين وضعية حقوق الطفل، خاصة ما يتعلق منها بالحق في الحياة و البقاء حيث سجل انخفاض مهم في معدل وفيات الأطفال فمن اصل 1000 مولود حي يموت 18 طفل قبل عامهم الاول منهم 14 يموتون في الشهر الاول حسب بيانات المسح الوطني حول السكان والصحة الاسرية لسنة 2018. الا ان العناية الصحية وسوء التغذية لاتزال دون المستوى المطلوب لتكريس حق الطفل في النمو المؤكد عليه في الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية.

وعلى مستوي الحق في التربية والتعليم فقد بلغت نسبة تعميم التعليم الابتدائي 99 بالمائة خلال الموسم الدراسي 2017/2018، في حين تقل النسبة في المستوى الاعدادي الثانوي مع تسجيل تفاوتات بين المجال الحضري والقروي، وبين الذكور والإنات. في مقابل تأخر كبير لتعميم التعليم الأولي، واستفحال ظاهرة الهدر المدرسي على الرغم من الآمال العريضة التي تحملها الرؤية الإستراتيجية للتعليم 2030 في هذا الصدد.

وعلى صعيد تكريس الحق في المشاركة فبالرغم من اهمية بعض التجارب الراهنة (برلمان الطفل، مجالس الاطفال بمراكز حماية الطفولة…) الا انها تبقى قاصرة عن الوفاء بكل المعايير المتعارف عليها دوليا.

الا ان اهمية هذه الجهود لا تخفي وجود عدة اشكالات لا تزال تعتري الانشغال العمومي بقضايا الطفل ولعل الارقام المسجلة بخصوص زواج الاطفال تطرح أكثر من تساؤل بخصوص عدم جدية هذا الانشغال بالرغم من كل التوصيات والدعوات الصادرة من مختلف المنظمات الدولية والوطنية للحد من هذه الظاهرة.

من جانب اخر فتواتر قضايا العنف والاعتداء الجنسي على الاطفال بشكل كبير يسائل بحدة الحق في الحماية من كل اشكال العنف والاستغلال بمختلف مستوياتها في ظل غياب منظومة وطنية وقائية وحمائية شاملة ومحددة الاهداف، وادوار مختلف الفاعلين.

زيادة على اهمية تشديد المقاربة الزجرية بخصوص هذه الجرائم التي تضرب براءة الطفل في مقتل.

ومما تقدم يجب الرهان على تعزيز حقوق الطفل وتعزيز منظومة الحماية الخاصة به من خلال عدة مستويات اساسية أولها المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل المتعلق بإجراء تقديم البلاغات، والذي يسمح بتقديم بلاغات ضد انتهاكات الدولة الطرف لأي حق من الحقوق المتضمنة في اتفاقية حقوق الطفل، والبروتوكولات الإختيارية الملحقة بها.

في سياق آخر ينبغي تعزيز التقائية السياسات العمومية ذات الصلة بحقوق الطفل (السياسة العمومية المندمجة للطفولة، الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الانسان…) وتقييم نجاعتها وفعاليتها، لتحديد اوجه القصور ومعالجتها.

كما تفرض الضرورة تنسيق جهود مختلف الفعاليات والمؤسسات الوطنية والمدنية المهتمة بحقوق الطفل في مختلف مستوياتها واهتماماتها بما يشكله ذلك من الية ضغط قوية وفعالة قادرة على الترافع بشكل اقوى على مختلف قضايا الطفل ببلادنا.

* باحث في مجال حقوق الطفل 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *