وجهة نظر

الحراك المالي بين الثورة والانقلاب

تشهد دولة مالي حراكا شعبيا يقوده الشباب المالي بمختلف مشاربه منذ الخامس (5) من يونيو 2020 وبناء على تراكمات الحراك السياسي الذي قادته المعارضة السياسية التي فضلت الاحتكام الى الشارع خاصة بعد تجديد انتخاب الرئيس المسقط لولاية ثانية وبعد تزوير الانتخابات التشريعية الاخيرة وسط تعتيم اعلامي وتجاهل اعلامي من قبل انصار الديموقراطية والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية .

ومع ذلك فقد تمكن هذا الحراك من تحقيق مكاسب مهمة من بينها اسقاط الحكومة وحل المحكمة الدستورية ومراجعة قراراتها غير المشروعة القاضية بابطال 30 مقعدا فاز اصحابها في الانتخابات البرلمانية الاخيرة .

وهو حراك ضخم تمثل تظاهرات مليونية عشية مل جمعة كان ينظمها الشباب من كل الطيف المالي بقيادة الامام محمد كيتا الذي كان يرأس المجلس الاسلامي الاعلى وبانخراط لتحالف واسع من المعارضين الديموقراطيين والوطنيين والاسلاميين المعتدلين والصوفيين النافذين واحزاب ديموقراطية ومنها حركة امل مالي وجبهة حماية الديموقراطي وعدد من الجمعيات المدني بما فيها الجمعيات ذات التوجه الاسلامي.

وعندما اوشك الحراك على اسقاط الرئيس تدخل الجيش في اللحظة الاخيرة لاكمال الخطوة المتبقية واظهار الانحياز الى الشعب خلافا لقراراته السابقة التي تشبت فيها الجيش بالشرعية الدستورية والبقاء على الحياد اتجاه جميع الاطراف وذلك على غرار ما تم في عدد من دول الربيع العربي قبل ان يتحول الامر في اتجاه يبقي المبادرة في يد الدولة .

لذلك ما جرى في مالي يعد في الجوهر ثورة على النظام المستبد و واسقاطا للحكومة المرتبطة بالاستعمار وليس انقلابا عسكريا.

ومن هذا المنطلق يظل الحذر من تكرار السيناريوهات السابقة المتعلقة باظهار الانحياز الى الحراك الشعبي ثم الالتفاف عليه واردا، كما حصل في ليبيا واليمن ومصر واخرها في السودان الذي عمل بعض قادة الجيش على التمويه على الحراك الى ان اتيحت الفرصة ثم قام باستدارة كاملة لاسقاط الحراك بعد ان تخلص من راس النظام ومن وجناحه المدني فقط .

لقد استفاد الحراك من الفرصة المهمة التي وفرها انشغال معسكر الثورة المضادة بما يجري في الخليج والشام بعد الهرولة الاماراتية للتطبيع مع الكيان الصهيوني وانغماس فرنسا المستعمرة في تداعيات التفجيرات اللبنانية، وما يعقبها من اعادة النأعيل السياسي لما بعد نظام المحاصصة الطائفية التي يثور عليها اللبنانيون والتأهيل الاقتصادي ومستلزمات اعادة الاعمار ومخططات الاقلاع الاقتصادي وحصة فرنسا في ذلك.

كما استفاد الخراك المالي ايضا من انشغال امريكا باستحقاقاتها الداخلية ومن انشغال العالم بالموجة الثانية من الجائحة وما نجم عنها من صراع وتسابق حول صفقات اللقاح بين امريكا وروسيا والصين.

لكن السؤال هو هل يستمر الحراك المالي في الاستفادة من مثل هاته الفرص وهل يستفيظ من التناقضات الناجمة عن صراع النفوذ واعادة رسم الاخلاف والمحاور في السياسة الدولية عامة وفي هذه السياسة اتجاه افريقيا الني تتميز بخضور متزايد للصين وروسيا وتركيا على خساب القوى الاستعمارية القديمة والمتراجعة وعلى راسها فرنسا .

ويبقى الدرس الاهم بالنسبة للحراك المالي هو الاستفادة من مآلات الحراك الذي يتصدر بعض قادة الجيش واجهاته وحلقاته الانتقالية.

فالجيوش مهما تكن اراداتهم اتجاه الاصلاح تظل محدودة الهامش اتجاه الارادة الدولية المناهضة لتحرر الشعوب من الهيمنة الامبريالية وقدرتها على الممانعة اتجاه شروط واملاءات الخارج تبقى غير كافية خاصة فيما يتعلق بالسيادة على الموارد والثورات، مما يتعين مراعاة ذلك سواء في الرهان عليهم او في حجم تصدرهم وانحيازهم الى الارادة الشعبية.

لذلك فانه ليس من الملائم بالنسبة لظاعمي الديموقراطية في مالي ان يتسرعوا في الحكم على الخطوة العسكرية رغم ادانتها من الامارات وفرنسا زعيمتي الثورة المضادة ورغم سعي فرنسا الى الايهام بان تركيا وراء هذا التحرك.

وليس ملائما ايضا من الناحية المبدئية الرهان على تغيير يقوده العسكريون الذين يفترض ان لا يخرجوا من الثكنات الا للتوجه الى الحدود اذا داهمتها الاخطار.

كما ان الظرس النستفاد الى غاية الان من مجمل التحركات التي يقودها ضباط في الجيش وليس كل الجيوش هو أن الامر لم يكن سوى احتيال استراتيجي على الارادة الشعبية باهداف مزدوجة اقلها هو السعي الى تحييد اصحاب المواقف المبدئية ضد الانقلابات وضد التغيير العنيف لمنع دعمهم للحراك الشعبي، وكذا بهدف شيطنة الحراك من القوى الشعبية التي يجري تجييشها ضد تركيا وقطر من بقايا اليسار والاستئصاليين المستعدين لاهداء الثورات الى القوى المعادية للشعوب اذا كانت في غير صالحهم. اما اقصى هذه الاهداف هو استعادة المبادرة لفائدة النظام القديم او لفائدة القوى المهيمنة على مفاصل الدولة حتى ان تطل الامر استبدال بعض الاشخاص او الهيئات المتصدرة للواجهات الامامية او المدنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *