وجهة نظر

المشروع الشخصي للتلميذ بين التنظير وصعوبات التنزيل

تعتبر المدرسة ذلك الفضاء الحاضن للأنشطة الصفية والمندمجة التي تنظم لفائدة التلميذ، بهدف اكتسابه المعارف وتطوير مكتسباته ومهاراته، وإقداره على اكتساب كفايات تعلمية تيسر له الاندماج في الحياة.

ولئن كان النموذج البيداغوجي التقليدي يشير بشكل غير صريح إلى المشروع الشخصي للتلميذ من خلال استمارة يوجهها الأستاذ عند بداية كل موسم دراسي لتلاميذه،يتمحور السؤال فيها حول طموحاتهم ورغباتهم المهنية في المستقبل،وبحكم بساطة الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي لم تفسح المناخ الكافي لنضج فكرة المشروع الشخصي للمتعلم، فإن النموذج البيداغوجي الحديث الذي رافق المنظور الجديد للمدرسة المغربية، التي تتأسس على قوام الإنصاف وتكافؤ الفرص والجودة للجميع والارتقاء بالفرد والمجتمع، قد نضج داخل سيرورة إصلاحية، امتدتمنذ صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين، من خلال الدعامة السادسة  التي تشير إلى كون التوجيه التربوي جزءا لا يتجزأ من سيرورة التربية والتكوين، وهو وظيفة للمواكبة وتيسير النضج والميول ومساعد على حسن اختيارات التلميذ التربوية والمهنية بما يتيح له من إمكانيات  للتوجيه وإعادة التوجيه في الوقت الذي تستدعي فيه الضرورة ذلك.

ومرورا بالبرنامج الاستعجالي الذي نص على تمكين التلميذ من كل وسائل التوجيه التي تتماشى مع ميولاته وتتيح له إمكانيات جيدة للانخراط السهل في عالم الشغل والانفتاح عليه، وعبر الخطابات الملكيةالتي كانت فيها الإشارة واضحة للمشروع الشخصي للمتعلم من خلال تركيزها على إرساء نظام فعال للتوجيه المدرسي والمهني، لما له من دور في مساعدة التلاميذ على الاندماج في المسارات الدراسية والاجتماعية والمهنية، وإعطاء الأفضلية للتخصصات التي توفر الشغل انسجاما مع ما يعرفه هذا الأخير من تغيرات وتقلبات. وانتهاء بالرؤية الاستراتيجية لإصلاح المنظومة التربوية: 2015/ 2030 التي تشير من خلال الرافعة 12 في المستلزم 83 إلى ضرورة مراجعة منظومة التوجيه المدرسي والمهني والجامعي على المدى القريب والمتوسط بالشكل الذي يجعله يضطلع بأدوار أخرى جديدة تمكنه من القيام بمهام الدعم البيداغوجي ومصاحبة المتعلمين في بلورة ومواكبة مشاريعهم الشخصية.

وتأسيسا على ما سبق، فإن فكرة المشروع الشخصي للتلميذ، جاءت نتيجة لتحولات كبرى عرفها المجتمع المغربي إسوة بما يعرفه العالم من تغيرات على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية،الأمر الذي فرض إعادة هيكلة المنظومة التربوية بالشكل الذي يجعل من الموارد البشرية عنصرا فاعلا في التنمية، ملبيا لكل حاجاتها وفق التخصصات الجديدةالتي أفرزتها المرحلة.

وتعتبر المدرسة، ذلك المكان الحاضن لمشروع التلميذ ورعايته تحت مظلة مشروع المؤسسة ومشروع القسم، وهي بذلك، فقد خول لها النموذج البيداغوجي الجديدالانتقال من مؤسسة تقليدية، تنفذ برامج مسطرة منزلة بشكل عمودي من الوزرة أو الأكاديمية أو المديرية، إلى مؤسسة تضطلع بأدوار جديدة، حيث أصبحت تؤدي دور المؤسسة المبتكرة، المنتجة لمشاريع تتماشى مع ما يتطلبه المحيط السوسيو مهني من متطلبات سواء على المستوى القريب أو المتوسط أو البعيد، كما انتقل دورها من دور تقليدي يعتمد على التلقين والشحن والتقويم الروتيني حول المكتسبات، إلى دور ووظيفة جديدة قوامها إيجاد حلول كفيلة بإكساب المتعلم منهجية تحصيل المعرفة وتعزيز مهاراته الحياتية لإعداده لعالم الشغل.

ولإرساء فكرة المشروع الشخصي للمتعلم، فقد عمدت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي على إصدار مجموعة من المذكرات التي تؤطر ذلك، منهاتلك المتعلقة بمشروع المؤسسة الذي يجب أن ينبثق من تشخيص دقيق لواقعها ومحيطها، وحاجيات المتعلمين، وتلك المتعلقة بالأستاذ الرئيس الذي ينبغي أن يقوم بأدوار حاسمة في إنجاح المشاريع الشخصية للتلاميذ من خلال مساعدتهم على بلورة المشاريع ومواكبتها وتغييرها عند الاقتضاء، وتغيير الدروس النمطية الرتيبة وتعزيزها بدروس أخرى تتماشى مع استكشاف المحيط والمهن والمقاولات، والبحث عن أشخاص مصادر للاسترشاد بهم وبتجاربهم ومديري بعض المقاولات والمؤسسات العمومية والخصوصية والمنتخبين، وتنظيم أنشطة مندمجة تجعل من المدرسة فضاء مستقبلا للتلاميذ، فرحا ومعتزا بهم، وتجعل من الحياة التي يحياها المتعلم داخل الفضاء المدرسي حياة لا تنآى عن الحياة العامة التي يحياها في المنزل والشارع والفضاءات العمومية .

ورغم كل ما يمكن أن يقال عن فكرة المشروع الشخصي للتلميذ في ظل النموذج البيداغوجي الجديد من أهمية على مستوى مسايرتهللتحولات التي يعرفها العالم على مختلف الأصعدة، فإن تنزيل الفكرة على مستوى الواقع يصطدم بمجموعة من الإكراهات نجملها في التساؤلات التالية:

  • ماذا أعدت الوزارة الوصية على القطاع من تكوينات لفائدة الأستاذ الرئيس حتى يضطلع بأدواره كاملة ويعرف ما له وما عليه؟
  • رغم كون المقرر الوزيري لتنظيم السنة الدراسية قد حث مدراء المؤسسات التعليمية على تخفيف الحصص الدراسية لفائدة الأستاذ الرئيس حتى يقوم بالدور كماتنص عليه المذكرة المنظمة، وفي ظل الخصاص إلى الموارد البشرية، فهل كل أستاذ رئيس يستفيد من هذا التخفيف، أم أن اسمه يبقى مدونا على الورق فقط؟
  • انسجاما مع شعار المدرسة الجديدة: مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص، هل تتوفر كل مدرسة في مختلف المجالات الجغرافية على صعيد المملكةعلى أستاذ رئيس؟
  • في ظل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي يجعل من التربية والتكوين قضية مجتمعية ومسؤولية جماعية، فهل جل المؤسسات-عمومية أوخصوصية-والمعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بالشأن التعليمي، تواكب مستجدات التربية والتعليم حتى تنخرط بفعالية في إنجاح فكرة المشروع الشخصي للمتعلم؟
  • نفس السؤال ينطبق على المجالس المنتخبة، ودورها في إنجاح مشاريع المؤسسة والمشاريع الشخصية للتلاميذ؟
  • انطلاقا من كون المشروع الشخصي للتلميذ يستمد قوته وواقعيته من المحيط السوسيو مهني للتلميذ، واعتبارا لكون المغرب يتجه بخطى ثابتة نحو إرساء جهوية متقدمة، فماذا أعدت المجالس المنتخبة على المستوى الجهوي والإقليمي والمحلي، من مشاريع ومخططات تنموية على المستوى القريب والمتوسط والبعيد، حتى يستطيع التلميذ داخل جهته أو إقليمه أو جماعته من اكتشافها واختيار ما ينسجم مع ميولاته وطموحاته واختياراته؟
  • ما الأنشطة الموازية التي تبرمج بالمؤسسة التعليمية التي توضح وتعزز المشروع الشخصي للتلميذ، من خرجات واستكشافات للمحيط والمهن واستضافات لبرامج تحسيسية وتوعوية حول محيط التلميذ والآفاق المستقبلية والواعدة في محيطه؟
  • ونحن نترقب صدور نموذج تنموي جديد يعطي للتنمية أبعادها التربوية أكثر، باعتبار تعليم الإنسان وتربيته هو المدخل لأي إصلاح حقيقي، وفي ظل ترقب لتقليص الفوارق المجالية بين جهات المملكة، فهل سيحقق هذا النموذج المرتقب مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع تلاميذ المغرب على حد سواء لإيجاد شغل ينسجم مع ميولاتهم ومؤهلاهم ومشاريعهم الشخصية، خصوصا إذا استحضرنا أن أهم وكبريات الشركات والمؤسسات الجامعيةتتمركز في قطب اقتصادي وتجاري محدد، بينما تعرف جهات أخرى هشاشة كبرى تجعل من فرص التلاميذ بهذه الجهات لاكتشاف مهن أو الحصول عليها ضئيلة مقارنة مع نظرائهم بجهات أخرى؟
  • هل الأسرة المغربية واعية كل الوعي بأدوارها كاملة كفاعل رئيسي في بلورة وإنجاح كل المخططات التربوية للمدرسة؟

تلك أسئلة تجعل من المشروع الشخصي للتلميذ رغم أهميته على المستوى النظري، يصطدمبصعوبات كبرى على مستوى البلورة والتنزيل، وتجعل بالتالي من شعار المدرسة المغربية الجديدة: مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص بعيد المنال، مما يدعو الجميع، وزارة وصية ومؤسسات شريكة ومنتخبين، إلى الانكباب أكثر على وضع جميع السبل والآليات الكفيلة بضمان نجاحه من تنسيق وإعداد برامج موحدة وبلورة مخططات تنموية وإتاحة الفرص للتلميذ للاستكشاف وتكوين.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *