وجهة نظر

رسالة إلى توفيق بوعشرين.. الحرية تليق بك

نظمت شبيبة أحد الأحزاب المغربية طيلة أسبوع (23 إلى 29 غشت) ملتقاها الوطني الذي دأبت على تنظيمه منذ سنوات، وظل يحظى بحضور مكثف للشباب وبمشاركة بعض رموز الفكر والكلام من داخل المغرب وخارجه، لدرجة لم تكن تترك مجالا للشك بأن الملتقى كانت تُستثمَرُ فيه الكثير من الأموال والمجهودات والوقت. وقد ظل الملتقى يلامس قمم “النجاح” – وما كان يعنيه ذلك من انتشار لأصدائه، وتغطية أحداثه، وخلق نقاش عمومي كان يمتد لأسابيع بعد انقضاء اشغال الملتقى – طيلة ترأس أمينه العام السابق للنسخة الأولى من حكومة الربيع المغربي (2012–2016).

نجاح الملتقى كمنتدى تواصلي، فكري وتشبيكي، كان مرجعه للسياق السياسي العام الذي أسست له وعود و نتائج دستور 2011، المدعوم إقليميا بتغيير واعد (نحو الديموقراطية) امتد من المشرق العربي إلى المغرب العربي. ذلك السياق الذي جعل الجميع يشعر بالدفء و الثقة في النفس عندما يتعلق الأمر، على الأقل،في الرغبة في إبداء وجهة النظر أو التعبير عن الرأي.

و من بين ثمرات تلك الحقبة (“الذهبية” على الأقل على مستوى الحريات) بروز ظاهرة الصحفي توفيق بوعشرين: لقد كان نجم المرحلة بامتياز، كان جزءًا من سَمت و أخلاقِ و أناقةِ و قهوة المغاربة…، بل لن أبالغ إذا قلتُ أنه كان فخراً للصحافة المغربية، و للغة العربية، و للرزانة، و للحصافة الفكرية..، دون الحديث على أنه كان مواطنا مساهما في الاقتصاد الوطني ويعيل أسراً لها امتدادات بشساعة وتشعب قبيلة من دوحة مقاولته الإعلامية “أخبار اليوم”. في الدول الغربية يمكن لكونك مواطنا دافعا للضراب و غير متملصٍ منها أن يشفع لك أمام القاضي إذا تعلق الأمر بجنح معينة، فما بالك إن كنت مُشَغِّلا أو مستثمراً. لقد كان توفيق ضيفاً محاضرا ً من عيار ثقيل، و لربما كان الدافع الرئيسي للعديد من الشباب بأن لا يتخلفوا عن الملتقى.

اليوم، بل حتى شهورا و لربما سنوات قبل اليوم، لم يعد أحداً يتذكر هذا السجين، لقد تم التنكر له و نسيانه بالكامل، كأنه لم يكن شيئاً مذكوراً. عزاؤه الوحيد اليوم هو نصيحة الشاعر له و لأمثاله: “و اعتصم بحبل الله معتصماً ** فإنه الركن إذا خانتك أركان”.

لقد اشتغل الناس عنه وعن محنته، وفي طليعتهم المناضلون و المدونون و قادة الحزب الذين تبنَّاهم و تبنَّونهُ، بأخبار الجائحة و خيارات الدخول المدرسي، وكثرة سوء أخلاق البعض، وقلة حيلة السواد الأعظم. لقد انشغلوا بالمتغير و المرحلي و الغير المهم عن القار و الدائم و الأساسي، و تكلفة هذا كله ستكون باهضة و ستصب في إطالة عمر الضياع و الخوف و عدم الثقة/اليقين… لغة المغاربة الشعبية – بخلاف أي ثقافة اجتماعية أخرى- تَعُجُّ بلغة السجن؛ فكثيرا ما يصيح أحدهم في وجه الآخر بعبارة “يا وجه الحبس”، أو “و الله تنضرب عليك عام ديال الحبس”، أو “والله تانْغَرَّق… في الحبس”.

ربما هذا القاموس هو الذي جعل المغاربة يتعايشون مع ظاهرة السجن و الحد من حرية التعبير. ومهما كان بالأمس، أو سيكون غداً، فالكل يعرف أن وجه الصحفي الإنساني و المواطن الصالح، توفيق بوعشرين، ليس وجه الحبس، و لا وجه النحس، و أن الحرية تليق به و بالعديد من أمثاله. فالأوطان تُبنى بقيم العدل و الحب و التعاون و التآخي، و هي ما أحوجها اليوم أكثر من الأمس إلى أبنائها الذين هم ضميرها وسواعدها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • رشيدة
    منذ 4 سنوات

    غريب امركم تدافعون عن مغتصب