وجهة نظر

قراءة أولية في العملية الانتخابية التشريعية 7 أكتوبر

لقد عملت الديانات السماوية قديما على مقاربة و تحديد المكونات النفسية للإنسان. كما حاولت أنماط التفكير البشري تدريجيا : خرافة، فنا، فلسفة، علوما طبيعية و إنسانية، القيام بتشخيص دقيق، شامل و معمق للبنية النفسية الاجتماعية المعقدة لهذا الكائن المركب.
و إذا كانت القضايا السياسية تعتمد، في الغالب، على مقاربات سياسوية، قانونية، حقوقية، إيديولوجية، إعلامية، فإن المقاربات السيكولوجية و السوسيولوجية و الأنتروبولوجية و الجغرافية و البيداغوجية و حتى البيئية و غيرها… ينذر استحضارها إن لم نقل ينعدم حضورها بالمرة.
و بالنظر إلى طبيعة الحيثيات و الظروف و السلوكات و المعطيات و المشاعر و العجائب و الطرائف و الأفكار و التداعيات التي رافقت هذه العملية منذ بدايتها إلى نهايتها؛
و بالنظر إلى أهمية تلك المقاربات الأخيرة في رصد و تشخيص و تحليل و استشراف و تقييم هذه العملية، فإننا سنحاول إلقاء الضوء عليها انطلاقا فقط من زاوية واحدة “نفسية اجتماعية”، غير مدعين الإلمام العلمي الدقيق بهذا الحدث الهام، الحاسم و الراهن لمستقبل الوطن و المواطنين المغاربة لمدة خمس سنوات على الأقل؛ داعين الباحثين و المفكرين و مراكز الأبحاث و الدراسات الرسمية و الجامعية و المدنية القيام، بجدية و كثافة و اهتمام، في الانكباب على هذا العمل.
من تلك المنطلقات يمكن القول بأن هناك:
من يحبك فعلا و من يكرهك فعلا
من يجاملك فعلا و من ينافقك فعلا
من يغبطك فعلا و من يحسدك فعلا
من ينبهر بك فعلا و من يسخر منك فعلا
من يحقد عليك فعلا و من يسامحك فعلا
من يأبه لك و يهتم بك فعلا و من لا يبالي بك أصلا
من يقترب منك و يمدحك مصلحة و يولي ظهره عنك فورا
من يقدم لك الولاء دهرا و يتنكر لك حينا
بل من ينقلب عليك180° بمحرد كلمة أو هفوة أو خطأ غير مقصود صادر عنك فيصيرك من ملاك طاهر إلى شيطان رجيم…
ربما هذه المشاعر و السلوكات المتناقضة المرافقة لهذا الكائن الإنساني عموما و للكائن المغربي العربي الإسلامي خصوصا، يمكن إسقاطها، و بشكل موضوعي كبير و نسبي طبعا، على تعامله مع العملية الانتخابية التشريعية الأخيرة، و التي وقفت على بعض نماذجها من أقارب و أصدقاء و معارف و مناضلين، إلى جانب بعض الاستطلاعات الصحفية:
– فهناك من شارك في الحملة الانتخابية مع حزب ما و عمل مراقبا في مكتب انتخابي عن حزب آخر و صوت لحزب ثالث (انتفاعي).
– و هناك من لم يسجل اسمه في اللوائح الانتخابية أصلا (مقاطع)، و تبنى المشاركة في الانتخابات قولا (منافق)، و قام بحملة انتخابية فعلا (مهرج/ بوحاطي).
– و هناك من طالب بالنقود جهرا (وقح)، أو بتقديم خدمة شخصية سرا (انتهازي)، أو احتجاج على عدم إنجاز مشاريع محلية من اختصاص المجالس الجماعية (جاهل).
– و هناك من صوت خفية على لائحة محلية لحزب ما و لائحة وطنية لحزب آخر (حساسبي/فهايمي)، أو لغير أحزاب اليسار (مؤدلج)، مقابل التصويت للعدالة و التنمية رغم البهدلة و الإجهاز على حقوقه و مكتسباته (مازوشي)… و هلم سكيزوفرينيا و عبثية كافكاوية كاموية وجودية… !!!؟؟؟…
لعل تلك السلوكات و الأفكار التي عبرت عنها شريحة واسعة أو ضيقة من “المواطنين” ليست وليدة اللحظة الانتخابية الأخيرة، بل هي تراكمات كرونولوجية ترسخت عبر محطات و أحداث سياسية و اجتماعية، و في مقدمتها انعدام الثقة و تمييع المشهد السياسي. بل هي نتيجة مباشرة لنفس سلوكات و مواقف الأحزاب و مرشحيها:
– فمنهم من وزع المال بغير حساب لشراء الذمم و الضمائر، بل و حتى الجعة و الخمور (كبار المفسدين). و منهم من اكتفى بالإطعام و الولائم (متوسط المفسدين) أو تقديم الوعود الكاذبة (صغار المفسدين).
– و منهم من اشتغل “على بكري” خلال الولاية الحكومية السابقة و قبلها بكثير، و ذلك إما من خلال تقديم خدمات اجتماعية و مادية (قفة رمضان، أضحية العيد، الأدوات المدرسية…)، سواء عبر أذرعها الجمعوية أو مؤسساتها الدينية الدعوية (تديين السياسة و تسييس الدين، استغلال الوجدان الروحي و البناء الذهني الهش).
– و هناك من استعان بالمهرجانات الفلكلورية و الوجوه الفنية، بل و النجوم النسوية و صاحبات السوابق الجنسية (تحريك المكبوتات الحسية و النفسية اللاواعية).
و الخلاصة : ممارسة الأحزاب و مرشحيها لأنواع مختلفة من السادية. تعددت الآليات الفاسدة و الوسائل المشينة بحيث يتم اعتماد المنهجية المكيافيلية لا المنهجية الديموقراطية و النتيجة واحدة.