وجهة نظر

في ديداكتيك الاستماع والتحدث

الاستماع والتحدث مكون جديد من مكونات درس اللغة العربية في تعليمنا الابتدائي إلى جانب مكوني القراءة والكتابة.

لماذا الاستماع والتحدث؟ وماهي العناصر والشروط المطلوبة في تدريسه؟ وماهي مراحله أو، كيف يتم تدبيره ديداكتيكيا؟

يشمل مكون الاستماع والتحدث السنوات الثلاث الأولى من التعليم الابتدائي. وقد جاء في إطار انفتاح المنظومة التربوية المغربية على تجارب مهمة جدا ومتطورة في مجال ديداكتيك اللغات الحيَّة بهدف ضمان جودة تعليم اللغة وتعلمها. وينطلق من منظور تربوي جديد مستمد من الوظيفة التواصلية للغة من جهة، ومن المقاربة التي تنحو منحى الحركة والفعل من جهة ثانية. ويقول بأسبقية الشفوي على الكتابي. ويعتمد على مبدأ التدرج في اكتساب اللغة عبر مكونات الاستماع والتحدث والقراءة والكتابة.

ويؤكد المختصون في التربية والتعليم أن أنشطة الاستماع والتحدث تبنى على ثلاثة مبادئ كبرى:

أولا: الانفتاح على الممارسات الاجتماعية والثقافية خارج المدرسة.

ثانيا: مراعاة السياق السوسيوثقافي للتلميذ بغاية رد الاعتبار لثقافته الخاصَّة وتثمينها، واجتناب اعتماد وضعيات تواصلية بعيدة عن الواقع الخص بالتلميذ.

ثالثا: جعل التلميذ، كمستعمل متعلم، معنيا والاجتهاد في توريطه في الممارسات البيداغوجية المرتبطة بالتَّعَلُّمات. وبذلك يتجاوز موقف متابعة الفعل التربوي إلى الفعل، وإلى موقف الفاعِل في التعلمات.

وبالعودة إلى التجربة المغربية يمكننا تلخيص أهداف مكون الاستماع والتحدث في هدف جوهري عام وهو تعلم اللغة واكتسابها. وسوف نتوقف عند السنة الثالثة ابتدائي باعتبارها تشكل المرحلة الأخيرة التي تتوج هذا السلك. ونود، قبل ذلك، التذكير بكفاياتها التي حدَّدها المنهاج الدراسي للتعليم الابتدائي في أن « يكون المتعلم(ة)[…] قادرا على حل وضعيات مشكلة و / أو إنجاز مهمات مركبة من خلال فهم نصوص مسموعة تتراوح كلماتها بين 180 و260 كلمة، وفهم نصوص مقروءة تتراوح كلماتها بين 180 و250 كلمة، وإنتاج نصوص شفهية وكتابية قصيرة وبسيطة يغلب عليها طابع السرد والإخبار والوصف والتوجيه وذلك بتوظيف رصيده المعرفي والمعجمي والقيمي، وما اكتسبه من بنيات لغوية بطريقة مستضمرة” . وهنا تتداخل كفايات الاستماع والتحدث مع القراءة والكتابة ككفايات متكاملة متداخلة تشكل الكفايات النهائية لهذا المستوى. ورغم ورود كفايات خاصة بالاستماع والتحدث، فلا بأس بالإشارة إلى ماورد في دليل الأستاذ الخاص بالسنة الثالثة من التعليم الابتدائي، والذي يبين أن ” مكون الاستماع والتحدث[يركز] على تمكين المتعلمين والمتعلمات من اكتساب رصيد لغوي شفهي يوظِّفونه في حياتهم المدرسية وحياتهم العامة، حيث يتدرَّبون على الاستعمال الوظيفي للرصيد المعجمي وللأساليب والتراكيب والظواهر اللغوية المروجة، وعلى التواصل الشفهي عبر مقامات ومواقف تواصلية دالة؛ وذلك بغرض إنماء كفاياتهم اللغوية والتواصلية انطلاقا من مواضيع مجالات البرنامج الدراسي”. وإذا كانت الكفايات تشكل الهدف العام للمقرر ككل فإن أهداف الاستماع والتحدث خاصة بهذا المكون فقط، وتكمله وتنسجم معه. ويمكن تقسيط هذه الأهداف إلى أهداف جزئية كالتالي:

الاستماع الجيد للنص الشفهي
فهمه فهما إجماليا ثم تفصيليا
فهم المعنيَيْن الصَّريح والضِّمني
فهم الحوار فهما متلائما مع المقام و/ أو السياق
إعادة إنتاج المسموع بلغة عربية فصحى
ربط المسموع بمكتسبات التلميذ وتجاربه الشخصية (مصفاة الذات)
التَّحَاور بلغة عربية فصحى
التعبير الشفوي عن الحاجات الذاتيَّة كالمشاعر والأفكار وغيرها
اكتساب آداب التواصل والحوار
المناقشة والتعبير عن الموقف
وصف الشفوي للمنظور(المشاهد) والمحسوس(المشاعر)

شروط الإنجاز:

شروط إنجاز الحكاية:

يشترط في الحكاية شروط وصفات متنوعة بعضها يتعلق بالانسجام مع مجال الوحدة التي ترد فيها هذه الحكاية (أية حكاية)، إضافة إلى صفات تتعلق بمجال القيم، وشروط تتعلق بالحكاية في ذاتها من حيث اللغة والبناء بصفة عامة.

شروط إنجاز الوضعية التواصلية:

ويشترط فيها ألا تكون ذات طابع تجريدي عام، بل يجب أن تكون حسية قابلة للإدراك، ومرفقة بصور تشخيصية. وعليها أن ترتبط هي الأخرى بمجال الوحدة، وأن تكون قابلة لفعل التشخيص والمحاكاة (المسرحة).

شروط النص السماعي:

كالارتباط الوثيق بالمجال، وأن تكون هادفة وذات رسالة تربوية ملائمة للمرحلة العمريَّة، وقصيرة تتراوح بين 150 كلمة، و200 كلمة.

وعلى مستوى التدبير خُصِّصَت للحكاية وللوضعية التواصلية عشرة حصص تميزت بالتدرج انطلاقا من استهداف التوقع أو أفق الانتظار والتسميع، يليها تعرف مكونات الحكاية، ثم تعرف البنية، ليتم الانتقال إلى الوضعية التواصلية عبر الملاحظة والتسميع، ثم التشخيص، والمحاكاة بالعودة إلى الحكاية واستثمار المعجم واللغة، ثم التشخيص، واستثمار القيم لينتهي التدبير بالإنتاج على أن تخصص الحصتان الأخيرتان للتقويم، وتقديم النص السماعي الذي أنتج التلميذ/ التلاميذ.

والحقيقة أن هذا الانفتاح على التواصل، وعلى المقاربة البيداغوجيا ذات المنحى الفعلي محمود ومهم جدا، ويتطلب شروطا أخرى مادية ولوجستيَّة، وأخرى متعلقة بزمن الحصة وغيرها مما ييسر تحقيق أهداف مكون الاستماع والتحديث كالموارد الرقمية، والتخفيف من عدد التلاميذ في الفصل الواحد، أو على الأقل تفييئهم وتفويجهم خلال حصة الاستماع والتحدث وفي زمن كاف لمشاركة جميع التلاميذ واحدا واحدا، أي إيلاء إيقاع التعلمنات عناية خاصة، و عدم لاكتفاء بمشاركات المجتهدين والمتميزين، دون غيرها. فالفروقات الفردية، وتعثر البعض لا يبرر إهمالهم وتركهم في الهامش كأنهم متفرجون سلبيون تماما كحكاية الأطرش في الزفة.

ويجب توفير المعينات السمعية البصرية، واعتماد صور ذات جودة، ومرتبطة بمحيط الطفل. ومن الضروري أن نتخذ مواقف بناءة بتشجيع الطفل المغربي وخاصة طفل العالم القروي والأحياء الهامشية على الكلام والتحدث، وتصحيح النطق باللغة العربية الفصحى الذي تلح عليها التوجيهات الرسمية. ونحن نفهم الفصحى هنا بنوع من المرونة ونراها أقرب للغة العربية الوسطى، مع التسامح في استعمال بعض الكلمات من اللغة الدارجة، أو من اللغة الأمازيغية، أو من اللهجة المحلية أو غيرها حتى لا يشعر الطفل بالتفاوت بين محيطه ومدرسته، ويتعلم اللغة العربية بسلاسة ويسر، ويكتسب سجلها اللغوي بالتدريج..

ونحن نؤمن بتحويل درس الاستماع والتحدث إلى لحظة اجتماعية مميزة، فنجعل منها لحظة فرح فرجوي تعاوني وجماعي شيق، وجذَّاب، ومشرق تماما كلحظات مجالس الحكاية قديما عند العرب، أو لحظات حكي الجَدَّات الممتع والعجيب والتربوي. وهو أمر سيخفف من الضغط ومن تلك الهالة الرسمية للمدرسة والقسم، وسيحقق الأهداف الجوهرية: الاستماع، التحدث، القراءة، الكتابة، وبجودة عالية.

لابد من فتح المجال للحوار رغم الثغرات والتعثرات. ولابد من الصبر الجميل على هذه الثغرات. علينا أن نفسح المجال للطفل كي يبدي وجهة نظره في بنية المحكي، وفي لغته، وفي قيمه. ولابد أن يعبر عن نظرته الذاتية هو لا نظرة زملائه ومعلميه ليبني شخصيته ونظرته للمحيط والعالم، ويقارن عالم الحكاية المثالي الحالم العجائبي الغرائبي بعالم الواقع، والمحيط لنجد أنفسنا في مجال التنسيب وتشييد الحقائق، لأننا نتخذ الحكاية وسيلة وذريعة لتعلم اللغة في مظهريها الشفوي والكتابي، ولا نتعامل معها كأنها غاية في حد ذاتها.

وخلاصة القول إن مكون الاستماع والتحدث مكون جوهري وفاعل جدا في اكتساب اللغة العربية، وفي ودينامية التعلم، وفي تكوين شخصية الطفل المغربي في نشاط التعبير والتواصل الشفوي بصفة خاصة، ولبلوغ هذه الغاية المركزيَّة في تعليمنا، لابد من توفير الشروط والإمكانيات والدعامات التربوية لتيسير تحقيق الكفايات والأهداف المهمة جدا التي يستهدفها هذا المكون.

1. Didactique du Français 1° et 2° Année de l’enseignement primaire. Vidé1. https://www.youtube.com/watch?v=v6jGDMnAEcY

2. مستجدات المنهاج الدراسي للتعليم الابتدائي، برسم السنة الدراسية 2020، 2021.مديرية المناهج، يوليو 2020. ينظر الرابط التالي: https://www.men.gov.ma/Ar/Documents/NCurrPrim29072020.pdf

3. المفيد في اللغة العربية، السنة الثالثة من التعليم الابتدائي، دليل الأستاذ والأستاذة، مصطفى عسو، عبد المالك ابن زاكور، أحمد الفلالي، محمد وراش،2019، 2020. 

4. Approche actionnelle.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *