وجهة نظر

عطلة البرلمان.. من يعطل قاعدة الأجر مقابل العمل؟

في خرجة غير محسوبة لـلأستاذ أحمد الشقيري الديني، احد قيادات حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والاصلاح، حول نازلة البلوكاج الحكومي، أي العطالة التشريعية للجهاز التشريعي، المسمى بـ “البرلمان” أو “دار لمان”، كما اعتاد ان يسميه المتظاهرين في الشوارع، وهل يجوز ان تكون مدفوعة الأجر؟! أو يجب أن تخصم فيها أجور البرلمانيين الضخمة؟!.. عملا بقاعدة رئيس الحكومة الأجر مقابل العمل، والتي طبقها تطبيقا حرفيا على مذهب الإمام ابن حزم الظاهري، على عموم الموظفين الذين يضربون عن العمل احتجاجا على أوضاعهم المادية والمعنوية، واستخدم في ذلك ذريعة التبرير الديني، مستشهدا بقوله تعالى:”والسماء رفعها ووضع الميزان” وحسب فهمه الفريد، فللميزان له كفتان؛ إذا وضعنا في إحداهما العمل كان الأجر، وإذا غاب العمل بغض النظر عن سياقاته ومناطاته الاحتجاجية غاب الأجر، وهذا التأويل البعيد وإن كان يخرم قاعدة الاحتجاج، ويضعف العمل النقابي، ويجرده من أهم وسيلة له، وألا وهي وسيلة الإضراب، ويقدم خدمة للباطرونة لتمارس استغلالها البشع للطبقة العاملة وعموم الموظفين، فقد تم تمريره والسكوت عنه والتواطئ عليه حتى من طرف النقابات الأكثر تمثيلية كما يقال!..

لكن هذه القاعدة التي استنبطها رئيس حكومتنا الموقرة، اليوم أمام نازلة البلوكاج الحكومي وعطالة البرلمان تمرغ في الوحل، حسب اجتهاد الاستاذ أحمد الشقيري الديني وغيره، وتسحب منها مفاعلها وتبطل دلالاتها، ولا يتم تطبيقها على البرلمانيين، نواب الأمة كما يقال في نشرات الأخبار!.. والتسويغ هذه المرة كذلك هو تسويغ ديني، يستند عل منظوق الآية الكريمة:” ولاتزر وازرة وزر أخرى” يقول فيها في تدوينة على الفيسبوك: “النواب لم يضربوا عن العمل حتى نحملهم تبعات الأجر مقابل العمل..!أنا على سبيل المثال أستاذ، فإذا قام الطلبة بإضراب وقاطعوا الدراسة لمدة قد تطول أو تقصر، فحينها لا أعمل، لكنني أتقاضى الأجر كاملا لأنني لم أضرب عن العمل بل غيري من منعني، فلا تزر وازرة وزر أخرى، فكذلك النواب البرلمانيون هم ليسوا مسؤولين عن عطالة المؤسسة التشريعية لثلاثة أشهر، بل المسؤول هم الذين يعرقلون تشكيل الحكومة، ولا يبعد أن يكون أولئك الذين يزايدون على باقي الفرق البرلمانية بإرجاع أجور ثلاثة أشهر هم أنفسهم وراء “البلوكاج”، كما دلت على ذلك مؤامرة الثامن من أكتوبر التي “فرشها” شباط، ويضحكون على الشعب بإرجاع رواتبهم لتبييض مناصب احتلوها بغير وجه حق..!).

هذا قياس فاضح فهل هناك في العالم كله برلمانيين غير مسؤولين، وهم يمثلون سلطة دستورية في البلاد؟! أم هو الجهل المؤسس؟! اسمع على أذنك يا مونتسكيو ماذا يقول الأستاذ خريج (مدرسة فقه التبرير المقاصدي)! .. فالبرلمانيين أفرادا وفرقا بلا استثناءات مخلة، من المفترض أنهم هم من يشكلون الأغلبية الحكومية، هكذا يجري في كل الدول الديمقراطية، ومن المفترض أيضا أن يكونوا راشدين قي قراراتهم، ومن المفترض كذلك أن يمثلوا أحزابا تتمتع باستقلاليتها وإرادتها الحرة، أما أن يكونوا اشخاص هلاميين – سفهاء بالتعبير القرآني- في دولة تسلطية وهجينة، ليس لهم من أمرهم شيئا، سواء تجمعوا او تفرقوا، عقدوا جلساتهم أم عطلوها، وفوقهم وفوق أحزابهم إرادة عليا “تبلوكيهم” -إن صح التعبير- وتفرض عليهم أجنذتها في تقريب البعيد وإبعاد القريب، وجعل الـ (39) الأخنوشية أكبر من الـ (129) البنكيرانية، ورفع سكان القاع الانتخابي إلى أعلى عليين، ورأسمالهم من أصوات الناخبين لا يتجاوز الـ (19)، ليتولون ثالثة سلطة دستورية في البلاد! فمثل هؤلاء فيجب ان تتوقف عنهم رواتبهم ولا كرامة، لأنهم غير راشدين وغير مسؤولين.. فنازلة البلوكاج الحكومي والعطلة البرلمانية، تتطلب فقها منصفا ومتزنا، يفرق بين المفترقات، ويجمع بين المجتمعات، ولا يمارس التلفيق وتبرير.. فأعضاء البرلمان بكافة ألوانهم الحزبية لا شيء يفرقهم في مواقفهم من البلوكاج الحكومي والعطلة البرلمانية، سوى أن بعضهم ضالع في المؤامرة، لأنه صنع ليمارس البلطجة السياسية، واليوم يريد تبييض جرائمه بهذه الخرجة الفاقدة للمصداقية، كما جاء في كلامكم تماما، والبعض الأخر ضالع في التبرير والإذعان.. وهذا ما تسكتون عنه تقية وخيفة!!! الكل مسؤولون إلا أن بعضهم متورط بالفعل، والأخر متورط بالترك والانتظار “انتظار اخنوش” حتى يهديه الله!!! وعدم القدرة على اتخاذ قرار تلريخي جريء أو موقف شجاع ونبيل، وكلاهما في “الهوى سوا” يعبر عن موقف “السفاهة” بالتعبير القرآني، ينتظر سلطة الوصايا ترسل الإشارات الايجابية!!!.. ودعم البلوكاج أو تبريره يتطلب الخصم من الأجر، ويتبث مسؤولية البرلمانيين عن ذلك عن سبق إصرار وترصد، وأما “السفاهة” –أي غياب الرشد وانتظار سلطة الوصايا فيتطلب وقف الأجرة بالمرة، لأن السفيه محجور عليه!

فمعلوم أن البرلمانيين يعيشون عطلة غير مستساغة وغير مبررة، فاقت أربعة أشهر لا يمارسون أي عمل، وتقتضي قاعدة رئيس الحكومة الفقهوية على الأقل، أن تخصم منهم أجرة الشهور التي لم يعملوا فيها، فهذا هو أضعف الايمان، ولا يمكن لهذه القاعدة أن تخضع لمنطق الانتقائية، وإلا اتسمت بالحيف والتحيز والكيل بمكاييل متعددة، وأصبح المنطق هو: إذا توقف العامل الضعيف عن العمل احتجاجا خصم أجره، وإذا توقف البرلماني القوي عن العمل بلوكاجا بالدعم أو التبرير لم يخصم من عمله!!!.. وإن كنا لا نعتبر عمل البرلماني عملا أو وظيفة، وإنما أمانة ومسؤولية، لا تقتضي أجرة وتعويضا ضخمين، وإنما تقتضي تعويضا رمزيا فقط، وأن الأجرة والتعويض الذي يتقاداهما البرلماني هما في التحقيق يدخلان في ما يسمى بـ”اقتصاد الريع”، ويراد بهما رشوته مقابل سكوته وتواطئه وهلاميته!..

الأستاذ أحمد الشقيري الديني لا يسعفه هذا المنطق، لأنه يتبع منطقا أخر يدعي الاصلاح بدعم خديعة الاستقرار، ويعتبر أي نقد للمخزن السياسي هو إشعال لنار الفتنة، لذلك فهو يتبع مثل هذه القياسات الناقصة، ولاشك أنه يجد في الوسط الإسلامي والسياسي من يقتنع بها، ولذلك فهو في زحمة هذا البلوكاج الفاضح لفساد نسقنا السياسي من ألفه إلى يائه، يبحث عن أخف الضررين، تبرير الذات، وشيطنة الأخرين، مسقطا وزر المسؤولية عن كاهل برلمانيي حزبه موظفا قوله تعالى:” ولا تزر وازرة وزر اخرى” ، متناسيا أن المشاركة في أي جريمة سياسية لا يكون فقط بالفعل ولكن يكون كذلك بالصمت والتواطئ والانتظار .. ولله في خلقه شؤون!..