وجهة نظر

واجبات وحقوق الصحافة والصحفيين في مغرب بداية القرن الماضي

يبدو أن محمد بن الحسن الحجوى الثعالبي (1874 ـ 1956) أحد رواد الفكر الإصلاحي، كان من القلائل – ان لم يكن الوحيد – الذى انتبه مبكرا لأهمية الصحافة وذلك في مخطوط كتبه في بداية القرن العشرين بعنوان ” واجب الصحافة” تحدث فيه عما وصفه بواجبات الصحافة والصحفيين وحقوقهما.

فخلال هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المغرب، قليلة هي كتابات المفكرين المغاربة الأوائل، حول الصحافة وأدوارها، على خلاف ما درجوا على تأليفه في قضايا الفقه والحديث والسيرة والتصوف والأدب واللغة والتاريخ والرحلات والاقتصاد والعلوم والموسيقى.

واجبات الصحافة و الصحافيين ثقيلة

بيد أن الحجوي الذي جايل خمس ملوك ( الحسن الأول وعبد العزيز وعبد الحفيظ ومولاي يوسف ومحمد الخامس )، كان يرى أنه إن كان للصحافة والصحفيين حقوق، فإنه يقع على عاتقهم واجبات التي وصفها بأنها ” أهم وظائف الحياة”.

أما ما على الصحافة أو الصحافيين – يقول الحجوي- فهي واجبات ثقيلة يجب عليه ( الصحفي ) معرفتها أولا تم أداؤها ثانيا وعلى القراء مثل ذلك، وإذا عرفنا ما هو القصد الأهم من ابتكار الصحافة في بلاد يراد الدخول بها في ميدان الرقي والاصلاح سهل علينا معرفة تلك الواجبات.

وفي معرضه مقاربته لتاريخ السلطة الرابعة، ذكر الحجوي ” إن ابتكار الصحافة يعزى للصين، قبل مئات من السنين” قبل أن يستدرك بالقول ” ولكن الذى اعتنى به (ابتكار الصحافة) واتقنه هم أهل أوربا حين شرعوا في حياتهم الجديدة”.

توصيل أفكار الأمة لتعلم حقائق الأحوال

ويرى الحجوي أن ” القصد منه ( ابتكار الصحافة) إيصال أفكار العامة للخاصة، والعكس فأفكار العامة توصل للخاصة، يعنى أفكار الأمة، لتتجنب الغلط في سيرها وتكون على بينة من أمرها. وأفكار الخاصة توصل للعامة، لتعلم حقائق الأحوال، ويزول سوء الفهم كذلك، أفكار الخاصة من أهل العلم وأصحاب الفنون توصل للعامة، لتتربى فيها ملكة العلم والأدب ويذهب الجهل شيئا فشيئا، وتكتسب الفضائل وتتجنب الرذائل ” يوضح الحجوي الذى امتهن التدريس في بداية مشواره، وكان مندوبا لوزارة المعارف لمدة عشرين سنة، وبعدها وزيرا للعدل.

وعبر الحجوي عن قناعته التامة بالأدوار الهامة التي يمكن أن تضطلع بها الصحافة التي ” هي بمنزلة مدارس متنقلة، تصحب الانسان حيثما كان، على اختلاف أنواعها، فالصحف والمجلات العلمية الأدبية أمرها ظاهر معلوم، من حيث كونها يراد بها التعليم والتهذيب، وكذلك بقية أنواع الصحف، فالصحف التجارية مثلا – يوضح الحجوي – تعلم التجار علوم التجارة وفنونها، لتترقى مهنتهم والصحف الفلاحية والصناعية كذلك وهكذا سائر الصحف”.

ويندرج مخطوط الحجوي الثعالبي حول واجب الصحافة والذى يبدو أنه كتب قبل فرض الحماية على المغرب عام 1912، ضمن اجتهاداته الفكرية من أجل ادراج البلاد في سيرورة التكور الذى كانت تشهده أوروبا خلال تلك الفترة.وتجدر الإشارة الى أن ” الطاعون” الصادرة عام 1906 بفاس، كانت أول صحيفة مخطوطة باللغة العربية يعرفها المغرب.

الصحافي مصلح مهذب

وإذا كان الصحافي يريد نجاح مهمته – يقول الحجوي الثعالبي- ” فيجب عليه أن يعلم انه مصلح مهذب، فيعمل بمقتضى وظيفته، فيكون دائما متتبعا لمواضع الضعف، من مدارك الأمة، ينبهها اليها، ويعالج داء الجهل، بمراهم العلم الصحيح، الخالي من كل تدجيل وخرافة، سواء في العلوم القديمة أو الحديثة”.

ويلح على ضرورة تسلح الصحفي بثقافة عامة، والارتقاء عن الجدال العقيم، والاشارة الى مصاره، والعمل على الارتقاء بمستوى الأمة والتقيد بالاستقلالية.

وأكد في هذا السياق، أنه يتعين على الصحفي أن ” يكون دائما يأتي القراء بطرائف العلم الصحيح، المؤيد بالبراهين المتينة، ويدرب أمته على الاستدلال والاستنتاج، ويتجنب الخلافات البيزنطية والمناقشات الطائفية، ويشتغل بما يغنى، ويترك كل ما يولد بين الأمة لغطا او اختلافا او شططا. واذا جاءته مقالة من عالم في موضوع علمي او ادبي، نسبها اليه وتجنب كل تداخل يدخل جريدته في مأزق المنازعات أو التحزب لمذهب دون الآخر”.

الصحفي ينشر ما يرقي أفكار الأمة

وكأن الحجوى يشير الى ما يعرف اليوم بأخلاقيات مهنة الصحافة، حينما يقول ” وليكن همه ( أي الصحافي) دائما، السعي في نشر ما يرقي أفكار الأمة الى العلوم الحالية، وفهم الحقيقة منها ،وإذا وقع في مناظرة فليتجنب الشخصيات كليا، وينظر للقول مجردا عن مشخصات القائل”.

كما حذر من ” تكثير والاوصاف عند ذكر الأشخاص، فأهل العلم لهم غيرة على ألقابهم التي حازوها بكرم. فإذا وصف بما من لا يستحقها، أو حرم منها من يستحقها، كان ذلك مفسدا للأخلاق والبغضاء، فمن الذى ينصف هيهات. فالأولى لمن يريد النجاح أن يتباعد عن ذلك كل ما في إمكانه”

ودعا الحجوي الذى له أزيد من 100 مؤلفا قارب فيها مختلف ضروب العلم والمعرفة، الصحافي الى الابتعاد عن التملق والمدح مشددا في هذا الصدد على ضرورة ” تجنب كثرة التمدح بغير موجب، فإن ذلك يعد تملقا، وبالأحرى والأولى التباعد عن اللمز والطنز وكل جملة أو كلمة، تشعر بأدنى شيء مثل ذلك ما يقتل الجرائد ويفسد المبادئ”

والحق الأعظم على الصحافي – يضيف الحجوي – يكون دائما، بجانب الحق الصريح، لا يؤيد باطلا ولا يموه بما يظهر حقا، وليكن دائم التحقيق والتمحيص للحقائق، ببراهينها الناصعة حتى لا يقع في أحبولة المغالطين والدجالين بالسم الناقع، الذى يقتل الجرائد والمجلات”.

للجرائد على الأمة حقوق اعانتها ماديا وأدبيا

ولم يكتف هذا الفقيه والعالم، بالحديث فقط عن واجبات الصحافة والصحافي، بل تطرق الى حقوق الصحافة الواجبة على الأمة أي الدولة بالمفهوم الحديث، حيث يقول في هذا الصدد، ” فأما الحقوق التي للجرائد على الأمة، فهو اعانتها ماديا وأدبيا بقدر ما تستحق ، كالاشتراك فيها، ومؤازرتها بالمقالات العلمية والأدبية والاقتصادية والاجتماعية، بل والفكاهية، ليقع الاقبال عليها، واسداء النصح لها، واغضاء الطرف عن هفواتها، وتنبيهها الى غلطاتها برفق ولين، ليكون أقرب للقبول”.

إن هذا المخطوط المحفوظ بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، بالعاصمة الرباط، حدد واجبات وحقوق الصحافة والصحافيين بحمولته الفكرية، كان سابقا عن ظروف وأحوال الزمان الذي كتب فيه، مما يجعله ذو قيمة نوعية، تقتضى من الباحثين والمهتمين بتاريخ الصحافة وآداب المهنة، الانكباب على البحث على القضايا الفكرية التي كانت محل انشغال في هذه الحقبة و التي كانت مصدر الهام لهذا المفكر الإصلاحي وما يستحق الإشارة اليه في هذا المجال، أن محمد الحجوي الثعالبي كان منتصرا لفكرة تعليم الفتيات، وإصلاح التعليم، خاصة خلال الفترة التي مضاها على رأس وزارة المعارف، ولقد ضمن اجتهاداته في أشهر كتبه بعنوان ” الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *