وجهة نظر

اعتراض على الشيخ أحمد الريسوني

سأل ملحدٌ عالماً عن ترخيص “شرعي” لإلحاده. أجل، قد يبدو هذا سخيفاً جداً… لكن هذا ما حصل مع الصحفي مصطفى الحسناوي الذي سبق أن أعلن إلحاده، في حوار له مع الشيخ أحمد الريسوني قبل أيام.

أقول للشيخ الريسوني: إن كل ما تحدثتم فيه حول ما أسميتموه الشك الافتراضي والشك المنهجي وما إلى ذلك مما ذَكَر لكم سائلُكُم ليس سوى محاولةٍ للالتفاف على إعلانِ إلحاده بواضح العبارة التي لا تحتمل إلا الخروج من الدين بيقين.

سائلكم سيدي قال في شريط مصوّر :

(انتقلتُ من الإيمان إلى اللائيمان) بالجزم.
(أصبحتُ أشك في القرآن كله) بالجزم كذلك.

واستهزأ بمن يرفع يديه إلى السماء بالدعاء باعتبار أن الأرض -وهي كروية الشكل- لا تقبل أن يكون الناس كلُّهم تحتَ، والسماءُ فوق.

هذه هي الصورة الحقيقية والنازلة كما هي، ولا علاقة لها بحديث النفس والخَطَرات السيئة، ولا بوسوسات الشيطان أو الوسواس القهري… ولا بالشكوك الافتراضية للوصول إلى عين اليقين. هذا كله مجانب لحالة الحسناوي.

الحالة حالة الخروج من الإيمان إلى اللائيمان كما قال. أي إلى الكفر البواح… وهو يستدل بكذا ويبرهن على ذلك بكذا… وكلها مجرد ترهات كان في غِنىً عنها.
هذه هي الصورة التي يُفترضُ أنه دعاك لمحاورتك بخصوصها. لقد وضع لك أرضيةً مغشوشةً للنقاش ليصل إلى حكم يستثمره في النيل ممن أطلق عليه الحكم الشرعي بعد التصور الواقعي الصحيح؛ والحكم على الشيء فرعٌ عن تصوُّره، كما هو مبيّن في علم الأصول.

وأما الاستشهاد بالآية الكريمة:

(فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ۚ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ من المُمْتَرينَ) فهو استشهاد في غير محلّ النزاع.
ولنضَعْ المسألة في إطارها الصحيح.

إنّ ما ذُكِر من افتراض شكّ النبي صلى الله عليه وعلى آله ليس من قبيل شك الحسناوي البتة.

فالنبي صلى الله عليه وعلى آله لم يشكَّ في ما أُنزل إليه ولم يسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبله.

(عن قتادة: قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا أشك ولا أسأل.) (تفسير الطبري)

وقد أورد ابن جرير الطبري في تفسيره غيرَ قليل من أقوال الصحابة الموافقة لحديث قتادة رضي الله عنهم جميعاً. وعلق رحمه الله على ذلك بقوله الحاسم :
(قد بيّنا في غير موضع من كتابنا هذا ، استجازة العرب قول القائل منهم لمملوكه: ” إن كنت مملوكي فانته إلى أمري” والعبد المأمور بذلك لا يشكُّ سيدُه القائل له ذلك أنه عبده. كذلك قول الرجل منهم لابنه: ” إن كنت ابني فبرَّني” ، وهو لا يشك في ابنه أنه ابنه، وأنّ ذلك من كلامهم صحيح مستفيض فيهم، وذكرنا ذلك بشواهده، وأنّ منه قول الله: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، [سورة المائدة: 116] ، وقد علم جل ثناؤه أن عيسى لم يقل ذلك. (35) وهذا من ذلك، لم يكن صلى الله عليه وسلم شاكًّا في حقيقة خبر الله وصحته، والله تعالى ذكره بذلك من أمره كان عالمًا، ولكنه جل ثناؤه خاطبه خطاب قومه بعضهم بعضًا، إذْ كان القرآن بلسانهم نـزل.)

قلتُ: من هنا يتبيّن جَلِيّاً أن استعمال هذه الآية من طرَف الشيخ لم يكنْ موَفّقاً على الإطلاق. ومن هنا أيضاً أقول للحسناوي ليس لك في هذه الآية مَعَضٌّ ولا مُسْتَمْسَكٌ. وأنا واثقٌ من أنّ الشيخ الريسوني لو طُرِحَت عليه المسألة كما هي: (انتقلتُ من الإيمان إلى اللائيمان) بعد تفكير أزيد من سنة ونصف أو كما قال….لكان الجوابُ غيرَ الجواب.

فاللهم يامقلِّبَ القلوب ثبِّتْ قلوبَنا على دينِك.

* رئيس الجمعية المغربية للسلام والبلاغ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *