ملف

“مملكة التناقضات.. المغرب في مئة سؤال”: لماذا يحرص المغرب على تقديم نفسه كقوة صوفية؟ (ح 44)

الصوفيون بالمغرب

تنشر جريدة “العمق”، على حلقات، ترجمة حصرية لكتاب “مملكة التناقضات .. المغرب في مئة سؤال”* الذي قام بتأليفه المؤرخ الفرنسي الشهير بيير فيرمورين.

ويتكون الكتاب من مقدمة، بالإضافة إلى ثمانية أقسام؛ الأول تحت عنوان: “التاريخ .. مملكة ذات شرعية” ويشمل 14 فصلا، والثاني تحت عنوان: “الجغرافيا .. صلة الوصل بين فضائين كبيرين” ويشمل 8 فصول.

أما القسم الثالث فهو تحت عنوان: “المجتمع .. رصيد من التراكمات”، ويشمل 15 فصلا، في حين تمت عنونة القسم الرابع بـ “الديانة .. قوة إسلامية واعية بدورها”، ويشمل 10 فصول، أما القسم الخامس فقد جاء تحت عنوان: “السياسة .. تحت قيادة أمير المؤمنين”، ويشمل 15 فصلا.

القسم السادس، والمكون من 12 فصلا فقد جاء تحت عنوان: “الاقتصاد .. من الحمار إلى القطار فائق السرعة”، في حين اهتم القسم السابع المكون من 12 فصلا أيضا بالثقافة، بينما تم تخصيص القسم الثامن والأخير لمسألة العلاقة الدولية للمغرب، حيث “كل شيء من أجل الصحراء”.

وتكمن أهمية الكتابة في أنه يقدم نظرة حول المغرب بعيون مؤرخ فرنسي، حاول قدر الإمكان، أن يكون محايدا في قراءته لتاريخ المغرب، كما أن الكتاب سيكون وثيقة مهمة للباحثين المغاربة وغيرهم من أجل معرفة الشيء الكثير عن المغرب، الذي قال المؤلف إنه “مملكة التناقضات”.

الحلقة 44: لماذا يحرص المغرب على تقديم نفسه كقوة صوفية؟

إلى جانب العرش صاحب النسب الشريف، تعتبر الصوفية الركيزة الثانية التاريخية للإسلام في المغرب. ليس من الضروري العودة إلى تاريخ حافل منذ القرون الوسطى لرصد هذه الحقيقة، لكن نسيج المغرب ما قبل الاستعمار يقرّب ويباعد باستمرار بين القبائل والزوايا والمخزن وقد وقفت هذه الكتلة المتضامنة في وجه الأيبيريين والعثمانيين، قبل أن تنهزم أمام الفرنسيون، ولكن بتوقيع أول معاهدة للحماية مع فرنسا، فاجأ المخزن الآخرين فقررت القبائل ممارسة المقاومة قبل أن تنهزم. لم تكرر الزوايا في المغرب مغامراتها الحربية الجزائرية ربما لأنها اقتنعت أنها معركة خاسرة ولكن بعضها ظلت وفية للسلطان بينما قدم أخرى خدمات نفيسة للمستعمر الفرنسي.

بالنسبة للقصر، كانت الحماية فرصة جيدة للغاية للتخلص من التهديد الذي تشكله القبائل والزوايا. تكلف الجيش الاستعماري بالقبائل، وترك الأمر للقصر للالتفاف على الزوايا وترويضها بعد أن عهدت الحماية بإدارة الشؤون الدينية إلى السلطان وحده وقد منح ظهير صدر عام 1934 تعيين شيوخ الزوايا إلى السلطان وكانت ممارساتها غير التقليدية ممنوعة في الفضاء العام.

ثم في عام 1953، عندما ساعد عدة مئات من زعماء القبائل المغاربة وعدد قليل من شيوخ الزوايا المشروع الفرنسي لعزل السلطان مولاي يوسف، لم يبق هناك أي حل وسط ما عدا عودته من المنفى، انتصر محمد الخامس على أعداء وخصوم أسلافه: كانت الزوايا بين يديه يفعل بها ما يشاء أو يدمرها تدميرا.

في العقود التالية، حاول المغرب، بتوجيه من أمير المؤمنين وثانياً من العلماء والشرفاء، تحقيق رغبة التيار السلفي: القضاء على نفوذ الزوايا مما خلق فراغاً كبيراً في المجتمع من الناحية الروحية. لم تنجح عملية القضاء على الزوايا فحسب بل إن الإسلاميين ملأوا الفراغ ابتداء من سنوات السبعينيات وقد انتظمت أول جماعة معارضة إسلامية “العدل والإحسان”، في شكل زاوية جديدة تحت زعامة شيخها عبد السلام ياسين منذ السبعينيات.

وأخيراً، وبعد أربعين عاماً من الانهيار عمل جهاز المخزن على إعادة تأهيل بعض الزوايا الصوفية من أجل خلق التوازن مع الإسلاميين الذين نما نفوذهم في أحياء الطبقة العاملة في المدن. فمن ناحية، إنها مسألة خلق نار مضادة في الفضاءات والشرائح التي يكون فيها الإسلاميون ضعفاء مثل القرى وضمن النخب الاجتماعية، ومن جهة أخرى منح جرعة روحانية متجددة لمجتمع يفتقر إليها منذ الهجمة السلفية المتشددة.

حاول المخزن إعادة الروح إلى التصوف المغربي عبر العناية بالأضرحة والأولياء وتمويل المدارس القرآنية القروية، كما أسس في شمال المغرب زاوية ضخمة لها امتدادات دولية هي الزاوية البودشيشية وساعد على تأسيس شبكات الامتداد للزوايا المغربية في الخارج وخاصة في بلدان الساحل الإفريقي …

من ناحية أخرى حرص على أن يبث حياة جديدة في المهرجانات والمواسم مثل مهرجان كناوة في الصويرة أو موسم عيساوة في مكناس وخلق القصر مهرجان الموسيقى الروحية في فاس لتشجيع التصوف وتم تقديمه كمكون أصيل وتاريخي من مكونات الرأسمال الثقافي والحضاري المغربي وأنه من عناصر الروحانية في المملكة. ولكن هذا البناء يبدو مزيفا ومصطنعا وهذه العملية فاشلة لأن العواقب السوسيولوجية لازالت لم تبرز بشكل بارز ولأن العدوى السلفية والهجرة القروية قد غيرا بشكل عميق كل الممارسات القديمة.

ترجمة: العمق المغربي

يتبع …

تنويه: ما يرد في هذه السلسلة هو وجهة نظر الكاتب وليس تعبيرا عن رأي جريدة “العمق المغربي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *