خارج الحدود

أين تبون؟ تساؤلات بالجزائر عن مصير الرئيس .. ومستشاره يعمق الغموض

لا زال الغموض يلف مصير الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بعد مرور شهر كامل على تاريخ إعلان الرئاسة الجزائرية نقله إلى ألمانيا لإجراء “فحوصات طبية معمقة بناء على توصية الطاقم الطبي”.

ورغم تأكيد مسؤولين كبار في الدولة، على رأسهم رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل، على أن الحالة الصحية للرئيس تبون في تحسن كبير، وأن عودته للجزائر قريبة، إلا أن التساؤلات تتزايد بالجزائر عن مصير الرئيس، في ظل غياب المعلومات الرسمية.

وكان آخر بيان للرئاسة الجزائرية بخصوص صحة الرئيس تبون، قد قال إن “الفريق الطبي المرافق يؤكد أن رئيس الجمهورية أنه أنهى بروتوكول العلاج الموصي به، ويتلقى حاليا الفحوصات الطبية لما بعد البروتوكول”.

وخلال الفترة الماضية، نشرت الرئاسة العديد من البيانات التي تشير إلى تلقى الرئيس برقيات رسمية من رؤساء كبار الدول الذين تمنوا الشفاء العاجل له.

ومن بين أبرز البرقيات التي حملت دلالات على تماثل الرئيس للشفاء، تلك التي أرسلتها المستشارة الألمانية أنغلينا ميركل والتي اعتبرتها الرئاسة والصحافة المحلية مؤشرا على تماثل الرئيس للشفاء في ألمانيا.

وبينما تبدو السلطة متفائلة لتحسن حالة الرئيس الجزائري الصحية، وتتوقع عودته قريبا، بدأ الشارع يطرح تساؤلات بشأن “استمرار غياب تيون”، وأصبحت القضية مثارا للشائعات.

ويعتبر المحللون أن طريقة تعامل الإعلام المؤسساتي مع الحالة الصحية للرئيس، كانت سببا أساسيا في فتح الأبواب لانتشار الشائعات، حيث استغلت بعض المواقع الناطقة باللغة الفرنسية تلك الحالة لنشر تقارير وصفت محليا بـ”الأخبار الكاذبة والمضللة” والتي تريد ضرب استقرار البلاد وزرع البلبلة عبر استغلال مرض الرئيس.

وقد تحدث رئيس مجلس الأمة صراحة عن في تلك النقطة، مشيرا إلى أن “هناك أناس في الخارج يحملون بوقا ضد الجزائر ويستغلون فرصة مرض الرئيس في الترويج لمعلومات مغلوطة”، قائلا”: “إننا بالفعل في حرب إعلامية، وأن قوة الجيش الوطني الشعبي تكمن في المحافظة على أمن واستقرار الوطن”.

وتعرض الرئيس تبون لوعكة صحية بتاريخ 24 أكتوبر 2020، حيث أعلنت الرئاسة أنه يخضع لفترة من الحجر الطوعي لمدة 5 أيام، قبل أن تفاجئ الرأي العام ببيان جديد أشارت فيه إلى نقل الرئيس إلى المستشفى العسكري بعين النعجة بالعاصمة.

وعلى إثر ذلك تم نقله على جناح السرعة إلى أحد أكبر المستشفيات العسكرية في ألمانيا في إطار ما وصفه بيان الرئاسة “إجراء فحوصات طبية معمقة”، فيما لم تعلن الرئاسة رسميا عن إصابة الرئيس بفيروس كورونا إلا يوم 3 نوفمبر، أي بعد أسبوع من سفره إلى ألمانيا.

المادة 102

لكن أكثر الأسئلة إثارة للجدل هي تلك التي تتعلق بالقراءة الدستورية للحالة الصحية للرئيس، ومدى تشابه الوضع الحالي من الناحية القانونية بالفترة الأخيرة التي حكم فيها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة للجزائر والتي انتهت بتطبيق المادة 102 من الدستور بالنظر لحالته الصحية.

ولحد الساعة لا توجد دعوات حقيقة في الجزائر تطالب بتطبيق تلك المادة، حيث يسود المشهد الجزائري نقاش إعلامي في ظل صمت المجلس الدستوري، وقد صادق هذا الأخير على نتائج الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد إلا أن العمل به لا يزال غير ساري المفعول وهو مرهون منذ شهر بتوقيع الرئيس لينشر لاحقا في الجريدة الرسمية.

ويصف الخبير الدستوري عامر رخيلة الوضع من الناحية القانونية بـ”التقاعس في تطبيق الدستور”، وقال في تصريح لقناة “سكاي نيوز عربية” الإماراتية: “لا يمكن بأي حال من الأحوال الانطلاق في احتساب فترة الـ45 يوما التي ينص عليها الدستور من دون اجتماع المجلس الدستوري.

وأشار رخيلة إلى أن تواجد الرئيس لمدة شهر في ألمانيا للعلاج يحتم على المجلس الدستوري الاجتماع العاجل للفصل في الحالة القانوني نظرا لأن الأمر يتعلق بأهم منصب في الدولة والذي بسببه توقفت الحياة الدستورية والسياسية في البلاد والاستمرار في تجاهل المجلس للأمر يعد حسب الخبير وضعا غير دستوري.

وتسير الجزائر اليوم وفق دستور 2016، وهو أمر يفرض دخول البلاد في مرحلتين، الأولى في تطبيق المادة 102 عبر إعلان مرحلة انتقالية مدتها 45 يوما تستند لخبرة طبية، وفي حال تثوب استمرار عجز الرئيس عن أداء مهامه يتم استدعاء الهيئة الناخبة في فترة لا تتعدى 90 يوما.

وأكد رخيلة أنه خلافا للمواد القانونين فإنه لا يوجد تحديد فترة زمنية لتوقيع الرئيس على الدستور إلا أن التقاليد المعمول بها في الجزائر فإن الأمر لا يتجاوز الأسبوع عقب مصادقة المجلس.

ويقود المحامي والناشط بالحراك عبد الرحمن صالح حملة بشبكة التواصل الاجتماعي لتطبيق المادة 102 من الدستور، التي تنص على أنه “إذا استحال على رئيس الجمهورية ممارسة مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع”.

كما تنص على أنه “يعلن البرلمان في جلسة مشتركة لغرفتيه ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي أعضائه، ويُكلّف بتولي رئاسة الدولة بالنيابة لمدة أقصاها 45 يوما رئيس مجلس الأمة. وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء 45 يوما، يُعلن شغور منصب رئاسة الجمهورية بالاستقالة وجوبا. وفي حالة استقالة الرئيس أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، ويثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية”.

وجاء في المادة أيضاء: “وتُبلغ فورا شهادة التصريح بالشغور النهائي إلى البرلمان الذي يجتمع وجوبا، ويتولى رئيس مجلس الأمة (الغرفة البرلمانية الثانية) مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية. ولا يحق لرئيس الدولة المعيّن بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية”.

تصريحات مستشار تبون

غير أن أبرز مستشاري الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أضاف مزيدا من الغموض حول حالته الصحية،  في وقت تتعالى فيه أصوات في البلاد مطالبة بتطبيق النص الدستوري الذي يتحدث عن عزل الرئيس في حالة عجزه عن تسيير الحكم، بسبب غيابه الطويل عن الشأن العام.

ونشرت صحيفة “الوطن” الفرنكفونية، أمس الأحد، خبرا قصيرا منسوبا لعبد الحفيظ علاهم، مستشار الرئيس المكلف بالشؤون الخارجية، مفاده أنه لم يدل بأي تصريح لقناة “روسيا اليوم” بخصوص موضوع علاج الرئيس في الخارج، مبرزا أنه يمتنع عن الخوض في هذه القضية لأن ذلك من اختصاص قسم الإعلام في الرئاسة، بحسبه.

وكان موقع القناة الروسية قد نقل في 24 من الشهر الحالي عن علاهم أن الرئيس تبون “يستجيب للعلاج بشكل إيجابي». كما نقل عنه أنه “في اتصال مع ابن الرئيس (موجود معه في ألمانيا)، الذي أكد استجابته للخطة العلاجية، وهو في تحسن مستمر”، كما أكد أنه “متفائل جدا بشأن صحة والده”.

وتم تداول هذا التصريح بشكل واسع، وكان بمثابة رد غير مباشر عن أخبار نشرتها مواقع إخبارية أجنبية بخصوص “احتمال وفاة الرئيس الجزائري، بعد مضاعفات تعرض لها”.

ونقلت “الوطن” في المقال نفسه عن “مصادر موثوقة” بأن الرئيس “يكون قد تعافى بشكل كامل من المرض، ويكون قد مدّد إقامته بألمانيا لتحسين لياقته، وسيعود إلى البلاد في غضون أيام قليلة”. وتركت صياغة هذه التفاصيل الخبرية الانطباع بأن مصدرها المستشار علاهم.

ويحيل الغياب الطويل، نسبيا، للرئيس تبون إلى تجربة سيئة عاشها الجزائريون مع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي توقف نشاطه لمدة ست سنوات كاملة، من 27 أبريل (نيسان) 2013 إلى يوم استقالته تحت ضغط الحراك الشعبي.

* المصدر: سكاي نيوز عربية/ الشرق الأوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *