وجهة نظر

من الإسلاموفوبيا إلى المسلموفوبيا.. المسلمون الغربيون وضرورة تكييف الخطاب (1/2)

تشخيص أولي

معاداة المسلمين في الغرب ليست وليدة الأمس القريب فجذورها تمتد إلى ما قبل الحروب الصليبية مرورا بمحاكم التفتيش إلى العنصرية والمعاداة التي نعيشها اليوم، لست بصدد الحديث عن الماضي الذي أتركه للمختصين، لكن سأتحدث عن الحاضر المعيش من خلال تجربتي الشخصية كمسلم مخضرم يعيش في الغرب منذ أكثر من ثلاثين سنة، وكفاعل سياسي وجمعوي وخاصة كمنتخب محلي لمدة تناهز 12 سنة منها 6 سنوات كنائب عمدة في مدينة بجنوب باريس.

خطاب الرئيس الفرنسي /ماكرون حول ‘الانفصالية الإسلاموية” ، محاكمة المتورطين في قضية شارلي إيبدو والأحداث الإرهابية الفظيعة التي تلتها ، كلها قامت بتأجيج خطاب متحامل على الإسلام والمسلمين، وحُلّت عُقَد ألسنة المتهافتين المبغضين للمسلمين ولتجليات حضورهم داخل المجتمعات الأوروبية ، وبدا واضحا خطاب الكراهية وطغت كلمات الصدام والتصدي على مفردات الحوار والتعايش.

خطاب ماكرون اعتبرته ورغم ما جاء فيه من كلمات غير مقبولة كحديثه عن أزمة الإسلام “متوازنا” لا سيما إذا قارناه بالخطاب المتداول في المحطات الإخبارية الفرنسية الخاصة الثلاث وخاصة منها تلك التي تحقق الذروة في عدد مشاهديها باستدعائها لمُمَرِّري الخطاب العنصري اليميني بطريقة هادئة.

جذور الإرهاب الفكرية وأسبابه الاجتماعية وتداعياته السلبية يعرفها الغرب حق المعرفة لكنه يتغاضى عنها ويتحاشى ذكرها، لأنه لا يريد أن يعالج أسباب الداء ويريد فقط علاج المرض، فاستقراء التجارب الماضية توضح جليا أن الدواء المقترح غير ناجع.

لقد اختلط الحابل بالنابل عندما اختار بعض السياسيين الغربيين مؤخرا ولأسباب سياسوية وربما بإيعاز من بعض الأنظمة العربية وضع قفة سموها “الإسلام السياسي” وضعوا فيها كل من دافع عن الإسلام والمسلمين، فكل مسلم قام للمجابهة والمنافحة اعتبر من “الإخوان المسلمين” ولو لم يكن ملتزما دينيا، وقد رأيت حوارا تلفزيا مضحكا يتهم فيه أحد الساسة الفرنسيين فتاة حداثية في فكرها وكلامها ولباسها بالانتماء إلى الإخوان لمجرد أنها دافعت تحدثت عن الإسلاموفوبيا ، أما غير المسلمين فيصنفون فيما يسمى ب”اليساريين الإسلامويين” .

هذه الكلمة اصطنعت في الأصل وروجت من مناصري الصهيونية العالمية وعلى رأسهم الفيلسوف الفرنسي بيير أندري تاكَييف الذي أشاع الكلمة لمناهضة مناصري الانتفاضة الثانية في السنوات الأولى من هذا القرن وكتاباته المؤيدة لليمينيين الجدد وللصهيونية العالمية ولإسرائيل واضحة من خلال كتاباته في موقع ‘دروز انفو’ والذي يقر فيها أن دفاعه المستميت عن إسرائيل خلق له متاعب كثيرة وتلقى بسببه العديد من الضربات

يد الصهيونية العالمية الخفية تظهر أيضا في تمويل المحاكمات التي توبع فيها موقع ريبوست لايك ( ‘الرد العلماني ‘) المعادي للمسلمين ، حيث نجد موقع “ليكال بروجكت الأمريكي التابع للوبي الصهيوني منتدى الشرق الأوسط يفتخر بمساهمته في حرية التعبير ومساندته للموقع الفرنسي.

عندما بدأت البحث في هذا الموضوع ، لم أكن أعتقد أن بحثي عن اليمين المتطرف والعداء للإسلام والمسلمين في فرنسا سيوصلني إلى أياد صهيونية خفية تجر خيوط اللعبة في الخفاء، لكنها لم تكن مفاجئة بحكم مواقف أغلب المفكرين المتصهينين الداعمة لليمين المتطرف العلماني هنا في فرنسا، مما يظهر جليا التحالف المصلحي بين الطرفين.

واجبات المسلمين تجاه أوطانهم في الغرب

قبل الحديث عن السبل التي لزم على المسلمين الذين يعيشون في الغرب اتباعها لمواجهة التطرف العلماني والكراهية التي يتعرضون إليها لابد من وضع معالم على الطريق ، فقبل الحديث عن الحقوق لابد من الحديث عن الواجبات.

أولا، من البديهي الآن أن أغلبية المسلمين المقيمين في الغرب أصبحوا جزءا منه بحكم مبدأ المواطنة لكن ورغم حملهم لجنسيات بلدان إقامتهم، يعاني الكثير منهم نوعا من انفصام الشخصية فتراهم يزكون من حيث لا يشعرون مقولات اليمين المتطرف، بتموقعهم في خانة ‘الآخر’ مقابل خانة ‘المواطن’ التي تشمل الجميع، وكأنهم يحملون فقط جواز سفر “أجنبي”.

ثانيا، على المسلمين عامة وعلى الإسلاميين والمنتمين إلى الحركات والاتجاهات الإسلامية خاصة نفي الاتهامات الباطلة الموجهة إليهم وتوضيح مواقفهم وإلا اعتبر سكوتهم إقرارا مبطنا مما ينسب إليهم، أما قولهم مواقفنا واضحة من الإرهاب وحرية التعبير وحرية المعتقد وغيرها من المواضيع الحساسة فلم يعد كاف البتة.

فلا يمكن مثلا الحديث عن عمل إرهابي واعتباره حدثا هامشيا حين يعتبره المواطن الآخر ضربا في الأمن الوطني للبلد، وكما ننتقد على الغرب ازدواجية المعايير في التعامل والخطاب ، يجب ألا تكون عندنا -نحن المسلمين- ازدواجية في التقييم والخطاب والتعبير، خاصة ونحن في الموقع الأضعف وهي حقيقة شئنا أم أبينا.

للتوضيح أكثر، أسرد هنا بعض المواضيع التي تمثل إشكالا أصبح من الضروري على قادة وزعماء ومفكري ما يمكن أن أسميه “المسلمين الغربيين” توضيح المواقف فيها والتصريح بذلك كلما سنحت الفرصة:

1- الولاء للوطن قبل الولاء للانتماء الديني، حيث إشكالية سمة المسلمين بمثابة طابور خامس لإقامة دولة الخلافة.

2- نبذ العنف بكل أشكاله وعدم اللجوء على الوسائل غير القانونية لتحقيق المآرب السياسية حيث إشكالية التعاطف مع الإرهابيين وتبرير أفعالهم،

3- الاعتراف بوجود تيارات فكرية متطرفة إسلامية، تغذي خطاب الكراهية والعداء ولا تحترم القانون .

4- عدم وجود أية خطة للتسلل إلى مواقع القرار هدفها تقويض الدولة من الداخل وتطبيق الشريعة.

5- إبراز التحالف الموضوعي بين الإرهاب والتطرف اليميني .

6- نبذ نظرية المؤامرة التي تفسر كل الأحداث الإرهابية وكأنها أعمال مخابراتية.

7- العمل العلني الواضح في إطار قوانين البلد واحترام مشاعر الأغلبية غير المسلمة.

8- توضيح استقلالية القرار وقطع الارتباطات السياسية الخارجية ذات الصبغة التنظيمية .

9- الانخراط والاختلاط بالآخرين والمشاركة الفعالة في العملية الديمقراطية والتدافع بالتي أحسن

10- نبذ الانعزالية التي تجعل بعض المسلمين فئة منعزلة عن باقي المواطنين

11- صياغة فقه إسلامي يهتم بالواقع ويراعي الزمان والمكان ، ويقدم المصلحة والحاجيات والضرورات بمذهب مقاصدي.

12- القيام بالتواصل للتبليغ ولإسماع صوت الاعتدال والوسطية وشرح المواقف.

13-تكييف الخطاب واعتبار الموروث الثقافي والتاريخي والاهتمام بالدور الإعلامي.

* عمر المرابط

مهندس خبير في التحول الرقمي
باحث  في الشؤون السياسية
نائب عمدة مدينة أتيس-مونس الفرنسية سابقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *