وجهة نظر

دوافع الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء

في خطوة حاسمة قررت الولايات المتحدة الأميركية الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الجنوبية. غير أن تزامن الإعلان عن هذا القرار من طرف الرئيس ترامب مع قرار إعادة إحياء العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وتل أبيت جعل أطرافا متباينة الأهداف تختزل القرار الأمريكي في صفقة مغربية مع إسرائيل للتأثير على الإدارة الأمريكية. والهدف من ترويج هذه الأطروحة الاختزالية هو الإساءة لصورة المغرب وقضيته، أو جعل المغاربة يعتقدون أن الوساطة الإسرائيلية هي التي دفعت الإدارة الامريكية إلى اتخاذ هذا القرار. والواقع أن دعم اللوبي اليهودي للمغرب مهما كانت قوته، يظل غير قادر لوحده على دفع واشطن لاتخاذ قرار جيوستراتيجي من هذا الحجم رغم ماسينجم عنه من تأثير سلبي على علاقة واشنطن مع الجزائر وباقي خصوم الوحدة الترابية للمغرب. لذا فالقرار الأمريكي لا يمكن استيعابه بمعزل عن تاريخ السياسة الأمريكية في المنطقة وتحولاتها خلال العقود الأخيرة.

تحالف تاريخي مغربي أمريكي

تضمنت تدوينة الرئيس ترامب المعلنة عن الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء إشارة تاريخية ذات أهمية بالغة تتمثل في كون المغرب ” اعترف بالولايات المتحدة في عام 1777. لذلك من المناسب الاعتراف بسيادته على الصحراء”. وفعلا فالتاريخ يشهد أن السلطان سيدي محمد بن عبد الله أصدر في تلك السنة منشورا من مدينة مكناس يتعلق بالسماح لعدة دول بممارسة نشاطاتها التجارية مع المغرب، وكانت من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية. وقد اعتـُبـِرت المبادرة المغربية اعترافا بسيادة أمريكا واستقلالها. وتوطدت العلاقات بين الإمبراطورية الشريفة والدولة الوليدة في 1787 عندما صادق الكونغرس الأمريكي على معاهدة السلام والصداقة بين البلدين. وهو التحالف الذي ترسخ بداية القرن العشرين، إذ لا يخفى على أحد مساهمة عشرات الالاف من الجنود المغاربة خلال الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء في الحرب على النازية وكذا الرعاية التي خص بها السلطان محمد الخامس المغاربة اليهود رغم ضغوط النازيين خاصة خلال حكومة فيشي.

بعد ذلك، وطيلة الحرب الباردة نجح المغرب في لعب دور محوري كحليف استراتيجي للمعسكر الرأسمالي، وهو ما جر عليه غضب الاتحاد السوفياتي وحلفائه الذين ساندوا جبهة البوليساريو لتفتيت المغرب. وبنهاية الحرب الباردة، انخفضت المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية نسبيًا. ومع ذلك، سرعان ما نجح المغرب في استعادة مكانته كحليف رئيسي للولايات المتحدة مما جعله يحظى بحصة كبيرة من الدعم، ومرد ذلك لعدة أسباب أهمها التطور السياسي والديموقراطي ونجاح المغرب في تحجيم وترويض التيار الاسلاموي ثم الانفتاح الاقتصادي الذي تجلى على الخصوص في اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة سنة 2004.

وقد أدى التصاعد القوي للإسلاميين المتطرفين في شمال إفريقيا خلال العقدين الأخيرين وما نجم عن ذلك من اضطرابات بمعظم دول المنطقة، إلى تعزيز الأهمية الاستراتيجية للمغرب في نظر الأمريكيين والأوروبيين، حيث يُنظر إليه اليوم على أنه حصن ضد التطرف والإرهاب بفضل استقراره الداخلي وموقعه الجغرافي ونجاعة استراتيجيته المتعددة الأبعاد في الحرب على الارهاب. ورغم ذلك، فإن الإدارة الأمريكية لم تعترف بسيادة المغرب على الصحراء لتشبثها بمصالحها مع الجزائر المحتضنة للانفصاليين والمتطلعة للحصور على واجهة في المحيط الأطلسي. فما الذي جعل الأمريكان يتخذون قرار الاعتراف في هذه الظرفية؟

الأمن والاقتصاد أولوية الأولويات الأمريكية

إن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة هو تعزيز التعاون العسكري والاقتصادي بارتباط مع تحقيق الأمن. في هذا السياق، يشكل استمرار الصراع في الصحراء عائقا أمام تحقيق السياسة الإقليمية الأمريكية. ولهذا أكد بوش في نونمبر 2003 على حاجة الجزائر والمغرب لإيجاد “طرق إبداعية وعملية لحل خلافاتهما”.

ومعلوم أن استمرار القوى الغربية في استغلال ملف الصحراء لخلق توازن وهمي من خلال إرضاء جنرالات الجزائر فيه إضعاف للمغرب البلد الحليف وتقوية للحركات المتطرفة. ولا تخفى على الأمريكيين والأوربيين النتائج المحتملة لهذا المنحى. فالتاريخ شاهد على التبعات الخطيرة لتغول الحركات المتطرفة على المنطقة ككل وعلى أوروبا التي وجدت نفسها عدة مرات في مواجهة أمواج من المهاجرين، الأمر الذي جعل ملف الأمن والهجرة بعلاقة مع التطرف يتربع على رأس أولويات السياسيين الأمريكان والأروبيين خلال العقد الأخير.

لذا فالاضطرابات المتزايدة في منطقة الساحل التي تعاني من الإرهاب والفقر وضعف الكثافة السكانية، والتي تكتسي أهمية استراتيجية بالغة للإدارة الامريكية على الصعيد الأمني والاقتصادي باعتبارها نقطة اتصال بين شمال أفريقيا وأفريقيا السوداء، يحتم على أمريكا مراجعة حساباتها خاصة بعد انهيار داعش وسعيها إلى تعويض خسائرها من خلال تكثيف حضورها في الصحراء الكبرى والساحل. كما أنه لم يعد يخفى على أحد تورط عناصر الانفصاليين في الشبكات الإرهابية التي تنشط بالمنطقة. إذ في سنة2010 أصدر المركز الأوروبي للاستخبارات الاستراتيجية والأمن تقريرا بعنوان »جبهة البوليساريو وتطور الإرهاب في الساحل « أكد العلاقة المتزايدة بين تدهور جبهة البوليساريو وتطور الإرهاب في منطقة الساحل، وهو الأمر الذي أكده تورط عمر سيد أحمد ولد حمه الملقب “عمر الصحراوي” في خطف ثلاثة إسبان في موريتانيا عام 2009 ، وكذا تورط لحبيب ولد علي ولد سعيد ولد يماني، المعروف باسم عدنان أبو وليد الصحراوي عضو البوليساريو وزعيم تنظيم الدولة الإسلامية بمنطقة الساحل في عملية إختطاف عاملي إغاثة إسبانيين بالإضافة لشابة إيطالية ، في 22 أكتوبر 2011. كذلك في 4 أكتوبر 2017 تعرضت دورية مشتركة تضم 11 جنديا من القوات الخاصة الأمريكية و30 جنديا نيجريا لهجوم شنه إرهابيون بزعامة الصحراوي بالقرب من الحدود مع مالي. و يوم 17 نونبر2020 أكد المدير العام للسياسة الخارجية والأمنية بوزارة الخارجية الإسبانية فيديل سينداغورتا خلال المنتدى المنظم من قبل معهد إلكانو حول الإرهاب العالمي أن هذه المنطقة أصبحت أرضًا خصبة للجهاد الإسلامي. بعد ذلك، يوم الجمعة 20 نونبر الفارط لم يتردد الوزير الأول الفرنسي الأسبق إيمانويل فالس، خلال استضافته ببرنامج تليفزيوني على إحدى القنوات الاسبانية في التأكيد على تورط جبهة البوليساريو الانفصالية «في تهريب الأسلحة، والاتجار في البشر، والمخدرات، ما يجعلها مصدر تهديد حقيقي للأمن في منطقة الساحل” داعيا إلى « إلى ضرورة تعزيز التعاون مع المغرب على وجه الخصوص، لمواجهة التحديات، التي تعرفها المنطقة، وخطر التطرف على الخصوص”. إذن فالدول الغربية تعي جيدا بأن الشبكات الإرهابية العابرة للحدود تنتعش في مناطق توجد فيها دول ضعيفة أو المجالات التي تغيب فيها سلطة الدولة كما هو حال أفغانستان وباكستان وسوريا، وتقسيم المغرب معناه تقديم هدية مجانية للإرهاب العالمي.

انهيار أطروحة الانفصال وواقعية مقترح الحكم الذاتي

في سنة 2006 كتب الأمين العام للأمم المتحدة السابق السيد خافيير بيريز دي كوييار مايلي: “لم أكن أبدًا مقتنعًا بأن الاستقلال يعد بمستقبل أفضل لسكان الصحراء الغربية. فعددهم أقل من 150000، وباستثناء الفوسفات، فإن الأرض فقيرة ولا تقدم سوى احتمالات ضئيلة للبقاء كدولة منفصلة. ومثل هذه القيادة السياسية )البوليساريو (ليست مثيرة للإعجاب وفي بعض الحالات ليست صحراوية الأصل. لذا فحل معقول تكون بموجبه الصحراء الغربية كمنطقة حكم ذاتي تحت سيادة الدولة المغربية سينقذ العديد من الأرواح وقدرًا كبيرًا من المال”. سنة بعد ذلك، وبتاريخ 11 أبريل 2007 طرح المغرب مبادرة الحكم الذاتي كحل للنزاع الذي دام لعقود مقدما جميعا الضمانات لحماية حقوق الساكنة المحلية، حيث جاء في نص الخطة:” تكفل المملكة المغربية، من خلال هذه المبادرة، لكافة الصحراويين، سواء الموجودين في الداخل أو في الخارج، مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو إقصاء”. وفي السنة الموالية، سيؤكد السيد بيتر فان فالسوم الممثل السابق للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بقضية الصحراء في نهاية مهمته في أبريل 2008 أن خيار الاستقلال الذي تطالب به البوليساريو “خيار غير واقعي”، وإن خيار استفتاء تقرير المصير الذي طـُرح سابقا “أمر تجاوزه الزمن”. ليعبر بعد ذلك بأيام ممثل الولايات المتحدة بمجلس الأمن عن نفس الموقف حيث صرح لعدد من المراسلين بأن ” الطريقة الواقعية للمضي قدما هي متابعة التفاوض والوصول إلى حل ينتج عنه حكم ذاتي حقيقي تحت السيادة المغربية”. وكتأكيد لالتزام المغرب وحسن نيته، أطلق الملك محمد السادس في شهر نونبر 2015برنامج تنمية الأقاليم الجنوبية بميزانية إجمالية تبلغ 77 مليار درهم، ليتم الرفع من ميزانيته لتصل حاليا 85مليار درهم لتمويل 700مشروع، حيث ينتظر إتمام كافة المشاريع في موعدها المقرر عام2021 كما صرح بذلك رئيس جهة العيون الساقية الحمراء.

من هذا المنطلق، فإن واقعية وجدية المقترح المغربي وانخراط المغرب في تنمية الصحراء وإجماع المغاربة على عدم التفريط في الوحدة الترابية، إضافة إلى التطورات الأمنية بالمنطقة كانت كلها عوامل مساهمة في تقوية موقف الدبلوماسية المغربية وحلفائها مما عجل باتخاذ البيت الأبيض لموقفه الداعم ” لمقترح المغرب الجاد والموثوق والواقعي للحكم الذاتي باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع على أراضي الصحراء” كما جاء في مرسوم ترامب، وهو الدعم الذي يتجلى في تصريح السفير الأمريكي بالرباط عن قرب الإعلان عن قرارات هامة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة والمملكة المغربية تتضمن سلسلة من المشاريع الاستثمارية بالأقاليم الجنوبية بملايير الدولارات والتي من شأنها توطيد دور المملكة باعتبارها رائدة في المجال الاقتصادي على الصعيد الإقليمي وتحقيق منافع ملموسة لساكنة الصحراء.

وخلاصة القول، إن العوامل التاريخية والسياسية والأمنية تمنح المغرب مكانة خاصة وأولوية في الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. هذه المعطيات إلى جانب انهيار أطروحة الانفصال مقابل جدية وواقعية المقترح المغربي المتعلق بمنح الحكم الذاتي للصحراء الذي نجحت الدبلوماسية المغربية في تسويقه وانخراط المغرب فعليا في مشاريع تنموية عملاقة بالصحراء عجلت باتخاذ الولايات المتحدة لقرار تاريخي سيكون له بالتأكيد تأثير على مواقف باقي القوى المتحكمة في العلاقات الدولية، كما ستكون له نتائج جد هامة بالنسبة لساكنة الصحراء خاصة ولشعوب المنطقة ككل، خصوصا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي كمدخل لمحاصرة الحركات المتطرفة.

* أحمد الحمومي / كاتب ومحلل سياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *