أما بعد .. همسة في أذن عقلاء حركة حماس

لطالما كان المغرب والمغاربة من كبار الداعمين لجهود المقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودائما ما كانت المواقف الرسمية للمغرب مشرفة ومدافعة عن حق الشعب الفلسطيني في العيش الكريم، بل حتى في أصعب اللحظات وأكثر الأوقات التي تكالبت دول تسمى “شقيقة” على الشعب الفلسطيني، حافظ المغرب على مواقفه الداعية إلى وقف التقتيل والقتل، وحقن الدماء وحفظ الأرواح، وحل النزاع على طاولة الحوار.
الأكثر من ذلك، كانت مواقف المغاربة بمختلف إيديولوجياتهم ومرجعياتهم مناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني مناهضة للعدوان الإسرائيلي، ولم يختلف المغاربة في موقفهم من فلسطين سوى اختلاف زاوية نظرهم للقضية، منهم من رآها قضية شرعية ودينية، ومنهم من جعل منها قضية وطنية، وآخرون قضية إنسانية، لم يكن في تاريخ المغرب من أعلن يوما مناصرته للاحتلال الإسرائيلي أو عداءه للشعب الفلسطيني، وحتى مناصري التطبيع اشتغلوا على الدوام في السرية في الخفاء خوفا من غضب المغاربة.
وفي أوج الأزمة الإقليمية وما عرفته الدول العربية من تأثر بتبعات الأزمة الاقتصادية العالمية، بعدها الزلزال السياسي للربيع العربي، واصل المغاربة جهودهم الداعمة للشعب الفلسطيني، ومن أبرزها مؤتمرات وملتقيات الحركة الإسلامية التي كانت تجمع الدعم والمال وترحله إلى فلسطين، ومازالت مواقع التواصل الاجتماعي شاهدة على مزادات جمعت فيها أموال بالملايين من أجل فلسطين أغلبها تم تسليمه لحركة حماس، ولم نسمع يوما أن الدولة المغربية تدخلت لمنع نشاط من هذا النوع أو اعتقال شخص بتهمة جمع المال لفلسطين، وإن كانت القوانين المغربية مساعدة على منع كل هذه الأنشطة والزج بأصحابها في الزنازين، ولكن إرادة المغرب كانت دائما تصبو إلى دعم فلسطين ولو بالقليل إن لم يتيسر دعمها بالكثير.
بالمقابل، لم يصدر عن حركة حماس ولا مرة واحدة موقفا مدافعا عن حق المغرب في الحفاظ على وحدته الترابية، أو في التخلص من الاستعمار الاسباني لعدد من أراضيه التي مازالت تحت الاستعمار، لا تلميحا ولا تصريحا، وفضلت الحركة دائما أن تكون براغماتية في تعاملها مع بعض الأشقاء دون آخرين برفعها شعار “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”.
بل إن الأسوأ في مواقف حماس التي لا تتأخر في التفاعل وإصدار البيانات والبلاغات، أنها لم يسبق لها، إن لم تخني الذاكرة، الترحيب أو الإشادة بالجهود العظيمة التي تقوم بها مؤسسة بيت مال القدس في تمويل مشاريع وحفظ معالم داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي المؤسسة التي يأتيها تمويل وتبرعات مهمة من جيوب المغاربة باختيارهم وإرادتهم.
مناسبة هذا الحديث هو الهجوم المفاجئ لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية المعروفة اختصارا بـ”حماس” على المغرب ومحاولتها تقزيم هجومها في شخص حزب العدالة والتنمية، في خلط كبير بين الحزب والدولة وبين الحكومة المكونة من 6 أحزاب وبين المغرب، وفي محاولة لإسقاط المنطق الذي تحكم به حماس غزة وفتح الضفة على نظام الحكم في المغرب، أو ربما بسبب جهل قادة الحركة بطبيعة النظام المغربي وهياكل الدولة ومؤسساتها.
الأكثر من ذلك، ركزت “حماس” في بيانها على الاتفاق الثلاثي وتجاهلت الاتصالات الملكية برئيس السلطة الفلسطينية وبلاغات الديوان الملكي التي أكدت في كل مرة على عدم قبول المغرب بأن تكون القضية الفلسطينية قضية مساومة أو مقايضة من أجل تحقيق مصالح للمغرب، وتجاهلت الحركة وضع بلاغ الديوان الملكي عقب الاتصال الأول بأبي مازن قضية فلسطين وقضية الصحراء المغربية في مرتبة ومنزلة واحدة، بل الأكثر من ذلك اختارت الحركة ألا تلتفت لتأكيد الملك محمد السادس على حق الشعب الفلسطيني وحفظ المعالم الإسلامية في القدس الشريف أثناء الاتصال الذي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو، ورمت بكل ذلك وراء ظهرها لتهاجم توقيع المغرب على الاتفاق الثلاثي.
يبدو أن حركة حماس إما تتصرف بتهور ودون قراءة مآلات مواقفها مغمضة عينيها عن الماضي الحافل بالمواقف الإيجابية للمغرب والمستقبل الذي يعد بوفاء المغاربة شعبا ودولة للقدس والمسجد الأقصى، أو ربما تحركها جهة تريد الزج بالمغرب في الزاوية وإرباك تحركاته الأخيرة وحشره في خانة لا تليق به وبمقامه رغبة منها في تقليص وتيرة انجازاته الدبلوماسية في قضيته الوطنية.
مطلوب من حركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية الشقيقة، مقاومة كانت أو مهادنة، أن تفصح عن موقفها ورؤيتها للقضية الوطنية المغربية، وأن تكون بجانب المغرب في وحدته الوطنية وإن كان وقوفها لا يزيد ولا ينقص في مسار الدفاع عن مغربية الصحراء، وإن اختارت خيار غلظة الحديث فالأولى بها أن تكشف عن مواقفها من كل الدول التي تطبع وتواصل علاقتها مع إسرائيل منذ سنوات ويصرح قادتها بأن العلاقة لم تنقطع يوما، مثل تركيا وغيرها.
ختاما، كانت ومازالت حركة حماس الفلسطينية حركة مقاومة وممانعة تحمل مشعل الدفاع عن فلسطين وتحفظ جزءً من شرف الأمة الإسلامية في خسائرها المتتالية أمام إسرائيل، ولكن هذا لا يعطيها الحق في التطاول على الشعوب الشقيقة، والكيل بالمكيالين وخلق عداوات غير ذات نفع، وبشكل خاص عندما يتعلق الأمر بشعب ودولة كانا ومازالا من أكبر المدافعين عن فلسطين والقدس والأقصى منذ عهد صلاح الدين إلى اليوم، ويكفي حماس أن تتذكر موقف المغرب من القرار الأمريكي الذي أراد أن يدينها أواخر 2018، وكيف صوت المغرب ضده في الجمعية العامة للأمم المتحدة رغم ما واجهه من ضغوطات أمريكية.
اترك تعليقاً