وجهة نظر

كيف تنبأت بمصافحة سعد الدين العثماني للمجرم العنصري؟!

ما هو حكم التطبيع مع الكيان الصهيوني؟ وماهي علاقة سعد الدين العثماني بعملية التطبيع؟ هل هو خائن أم مستغفل؟ أين يكمن خلل تدبير قيادة حزب العدالة والتنمية لملف التطبيع وعلاقتهم بقرار التوقيع على التطبيع؟

مصافحة مجرمي الكيان الصهيوني جريمة، كما التطبيع جريمة وإبادة حضارية. التطبيع محرم تحريما قطعيا، لا خلاف فيه، بإجماع العلماء المعتبرين. والعثماني نفسه صاحب المقال المشهور “التطبيع إبادة حضارية” يرى في القضية نفس الحكم، قبل أن يفتن؛ هي عقيدة الحزب والحركات اﻻسﻻمية جميعها، وعقيدة حركة التوحيد والاصلاح منذ زمان، على رأسهم الشيخ أحمد الريسوني رئيس اﻻتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يرى في القضية أنها “ليست قضية يقال فيها بالرأي الشرعي أو الفقهي وإنما هي داخلة في كليات الشريعة ومحكماتها وقطعياتها ونصوصها المتواترة التي ﻻ يخالفها وﻻ ينازع فيها إﻻ المتلاعبون بالدين”.

لم يكن اﻷخ سعد الدين العثماني بأدنى شك خائنا أبدا ولا يمكن التشكيك في نيته، بجريمة وخيانة توقيعه على التطبيع، وأنا أعرفه – حفظه الله من شر ما يحاك به- معرفة حقيقية، وعن قرب، ولعقود من الزمن، لا يمكن أن يكون لحظة التوقيع راضيا بالخيانة الني أوقعوه فيها، بحيلة الصهاينة وخبثهم، وﻻ راضيا بتوقيعه، وﻻ راضيا حتى بجلوسه إلى جانب المجرمين؛ لكنه المسكين استُغبي وانخدع، وليس به شيء من كل ذلك؛ كما انخدع جل القيادة الوطنية بشيوخها وشبيبتها، لسوء تدبير ملف القضية من أول بلاغ الديوان الملكي إلى جريمة التوقيع على اتفاقيات التطبيع.

كشف سقوط العثماني وإخوانه في فخ التطبيع، بما ﻻ يدع مجاﻻ للشك، عن فراغ التدبير اﻻستراتيجي، وعن قصر النظر في تدبير الملفات الشائكة والممارسة السياسية بصفة عامة؛ واﻷحداث الدالة على الفراغ كثيرة ومتكررة.

لقد راسلت مرة اﻷمانة العامة مباشرة، بشأن هذا الفراغ من التفكير اﻻستراتيجي، منبها إلى ضرورة إعمال نهج التواصل والتدبير اﻻستراتيجي، وفق القواعد العلمية المعروفة في علم العلاقات العامة؛ كما نبهتهم مرارا من خلال كتاباتي بمناسبات أزمات عديدة، إلى أن حلت بالمغاربة مصيبة التطبيع، وهي آخر مسمار في نعش مصداقية حزب العدالة والتنمية.

راحوا باﻻنخداع يخدع بعضهم بعضا، منذ بدأت بوادر التطبيع ببلاغ الديوان الملكي، ينشرون الخطابات الوهمية، وصاروا يطبلون لفهمهم الخاص للبلاغ ويؤولونه تأويلا إيجابيا مبالغا فيه، وبما يفيد استحالة تطبيع المغرب مع الكيان العنصري.

مثال ذلك اﻻنخداع، أحد اﻹخوة، من أحبتي الشباب، الذي أكن له التقدير واﻻحترام؛ ناقشته في رسالة إليكترونية خاصة، وحاولت أن أقنعه بأن ما ساروا فيه سيفضي إلى الوقوع في التطبيع الكامل وإلى مصافحة العثماني للصهاينة رغما عنه، عكس كل ما يدعونه ويروجون له من غيررشد ولا وعي.

لست مطلعا على الغيب؛ لكني ربطت بعض اﻷشياء ببعضها، وفهمت من تحليل مفردات البلاغ وسيميائياتها، ومن طريقة تعامل العثماني معه، وتتبعي للمقالات الصحفية الأجنبية وتصريحات الاسرائليين ووزير الخارجية المغربية، أنه أي العثماتي، سينزلق حتما، من حيث ﻻ يدري وﻻ يريد، إلى مصافحة ألد أعدائه. ورسالتي هي كالتالي بعد السلام:

“سي (فﻻن) أراك في تدويناتك، ومنها اﻷخيرة، تسلك مسلك تبرير التطبيع. بتأويل بﻻغ الديوان الملكي، كما فعلتم في بلاغات هيئاتكم الوطنية (الشبيبة والحزب) وكما يفعل العثماني في تصريحاته، لكنه (أكيد) سيضطر مستقبلا إلى مصافحة اﻻسرائليين.. عكس تأويلكم، إن البلاغ واضح وصريح في التعبير عن تطوير العلاقات مع اﻻسرائليين وتطوير التطبيع ليشمل مختلف المجاﻻت (علاقات ديبلوماسية كاملة).. فإما أن تقبلوا تطبيع الملك بدون مراوغات وإما أن ترفضوه بدون مراوغات وتسموا اﻷشياء بمسمياتها..

أفيقوا من الصدمة. وتحية خالصة” انتهت رسالي.

أجابني بسداجة الشباب البريء بأنه يجد “صعوبة في وصف الملك بالمطبع ﻷنه ليس كذلك… وأنه ﻻ يمكن إسقاط ما تقوم به دويلات وأنظمة تحكم بمنطق العصابات على ما يقوم به المغرب”.

لم يستبعد الشاب التطبيع إﻻ ﻷنه ركب موجة القيادة التي تتغنى بظاهر مرجعية بلاغ الديوان الملكي دون سبر أغواره التطبيعية.

كانت هذه الرسالة ليلة 20 دجنبر وقبل علمي بإعلان اﻻستعدادات لزيارة الوفد للرباط. ويوم 23 دجتبر صدم الشاب صدمة شديدة هزت كيانه، وتحول غضبا إلى أشد خصوم اﻷمانة العامة، ونسي أنهم جزء من اللعبة من أولها إلى آخرها، ولم يعلم، هو وغيره من القياديين الغاضبين صبيحة التوقيع والمطالبين باستقالة العثماني، أن المواقف تبنى بالعقل وبعد النظر الهادئ وﻻ تعجن وتخلط بالعواطف الجياشة.

ويبقى الذي عجزتُ عن فهمه، إلى حد اﻵن، هو كيف استُغفلت القيادات، بشيوخها وشبابها، إلى أن اصطدموا وصُدمنا جميعا بواقع مرير، في صورة نادرة ومخزية من المواقف والمشاعر المؤلمة؟! هل وقع عليهم سحر كهنة بني إسرائيل؟! (سحر اليهود في اعتقاد المغاربة أخطر من سحر المسلمين!).

لقد وقع ما وقع، واجب سعد الدين ومن معه هو أن يعتذر ويرجع إلى الصواب.

ليس مشكلا كبيرا أن يقع اﻻخوان في الخطأ “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون”؛ ولكن الخطر أن تأخذهم العزة باﻹثم؛ فيبرروا ما ﻻ يبرر، ويتلاعبوا بقواعد اﻻجتهاد، وقواعد الموازنة بين المصالح والمفاسد؛ حيث إن من التلاعب استعمالُها في أمر سبقت فيه كلمة القضاء والقدر؛ والأمر حينئذ إنما ينفع فيه الاجتهاد في أخذ العبر والدروس. لا تبرير السيئات وتزيينها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *