مجتمع

مذنبة أم ضحية؟.. جدل قانوني وأخلاقي حول التشهير بـ”مولات الخمار” ومتابعتها قضائيا

الجرائم الإلكترونية التشهير بالناس

أثارت قضية ما بات يُعرف إعلاميا بـ”مولات الخمار”، جدلا قانونيا وأخلاقيا كبيرا بالمغرب، وذلك بعد أمرت النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بمدينة تطوان، بمتابعة شابة ظهرت على شريط فيديو ذو محتوى جنسي، في حالة اعتقال، وسط مطالب حقوقية بإطلاق سراحها ومتابعة مسرب الفيديو بتهمة التشهير والمس بالحياة الخاصة للأفراد.

يأتي ذلك بعدما عرف تطبيق التراسل الفوري “واتساب” إلى جانب بعض المواقع الإباحية، تداولا واسعا لشريط فيديو تم تسريبه مؤخراً، تظهر فيه شابة ترتدي “الخمار” رفقة شخص آخر داخل شقة في وضعية مخلة بالحياء، قبل أن تقوم مصالح الأمن بتوقيفها، ويقرر وكيل الملك بتطوان متابعتها في حالة اعتقال ضمن تهم “الإخلال العلني بالحياء العامة” و”الفساد”.

وفي الوقت الذي هاجم فيه البعض، الشابة “صاحبة الخمار” بسبب الوضع الذي ظهرت فيه باعتبارها “تمارس الفساد” وما يستوجب ذلك من متابعة قضائية، رأت أصوات حقوقية وقانونية أن الفتاة هي ضحية تشهير متعمد، وأن المذنب الحقيقي هو من صور وسرَّب الفيديو من أجل فضح الشابة وهي أم لطفلين يبلغان 9 و10 سنوات، حسب ما صرحت به والدتها.

ودعت فعاليات حقوقية إلى إطلاق سراح الفتاة المذكورة، ومتابعتها في حالة سراح في أفق تبرئتها، مشددين على ضرورة متابعة مسرب الفيديو باعتباره متورطا في جرائم إلكترونية يعاقب عليها القانون، وبالنظر إلى أن التشهير بالحياة الخاصة للأفراد يستوجب ردا صارما من السلطات الأمنية والقضائية لوضع حد لتفشي هذه الظاهرة في المجتمع.

وتساءل نشطاء حقوقيون عن أسباب متابعة الفتاة في حين لا زال من سربه وصوره حرا طليقا، مشددين على أن القانون يجب أن يحمي الشابة المذكورة التي تم التشهير بها عوض اعتقالها ولومها وتذمير حياتها كأم، لأن هدف القانون هو حماية الضحية وليس المجرم، معتبرين أن الجريمة في ملف “مولات الخمار” هو تسريب الفيديو.

وفي هذا الصدد، أعلن مهندس المعلوميات المغربي أمين رغيب، قيامه بحملة إلكترونية لحذف جميع مقاطع الفيديو التي تظهر فيها الشابة المذكورة في وضع غير أخلاقي، من المواقع الإباحية ومن كل مواقع الشبكة العنكبوتية، وذلك صونا لكرامتها ورفضا لعملية التشهير بها أمام الرأي العام.

مسرب الفيديو.. “المجرم الحقيقي”

المحامي والحقوقي إسحاق شارية، أوضح أنه ضد مسألة اعتقال الفتاة، نظرا لقدم الفعل أولا، ثم عدم وجود خطورة الأفعال في هذا الملف ثانيا، مشيرا إلى أن القضية تعرف وجود أيادي خفية ساهمت في هذا التشهير بهذه الفتاة، حيث كان من الأجدر متابعتها في حالة سراح خاصة باعتبارها أما لطفلين.

وقال شارية في تصريح لجريدة “العمق”، إنه من الناحية القانونية، فإن شريط الفيديو المتداول يكشف جريمة فساد تستوجب العقاب للذين تورطوا فيه، لكن المجرم الحقيقي في هذا الفعل والذي يجب الضرب عليه بيد من حديد، هو الذي سرب الفيديو ونشره، حسب قوله.

واعتبر أن هذه الفتاة تبقى ضحية لعملية تسريب الفيديو والخوض في حياتها الخاصة ضمن مسألة قامت بها عن قناعة باعتبارها راشدة وبالغة، مشددا على أنه لا يمكن متابعتها وحدها، بل يجب متابعة من سرب الفيديو، “خاصة وأننا لا نعرف هل الشخص الذي ظهر معها هو الذي سرب الفيديو، أم تعرض هاتفه للسرقة، أم شيء آخر”.

ويرى المحامي ذاته أن مثل هذه الملفات تبقى “جرائم بسيطة لأناس راشدين، لكن للأسف القانون الجنائي لم يتغير بخصوص العلاقات بين الراشدين، وكان على الوزير الرميد حذف الفصل المتعلق بتجريم العلاقات الرضائية حين كان وزيرا للعدل”.

وتابع قوله: “ولكن والحال أن القانون الجنائي يعاقب بالحبس على الفساد، فلا يمكن منع وكيل الملك من متابعتها، ولكن كان عليه أن يُفعل المسطرة بحقها في حالة سراح، وعلينا كنخب أن نساهم من مواقعنا في التصدي لظاهرة التشهير الإلكتروني للمواطنين، نظرا لتداعياتها المدمرة لحياة الناس”.

من جانبه، اعتبر عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن الفتاة هي ضحية ومتابعتها قضائيا ستكون لها تداعيات سلبية على حياتها الشخصية ومحيطها الأسري، مشددا على أن المبدأ الحقوقي والإنساني واضح وهو احترام خصوصيتها، وإن كانت تدخل تحت طائلة القانون بخصوص الفعل المرتكب.

ويرى الخضري أن الذي سرب الفيديو تعمد التشهير بالفتاة، مضيفا: “ربما قد تكون الشابة تحت طائلة الابتزاز أو الانتقام من طرف مصور ومسرب الفيديو، لكننا لا نملك المعطيات حول ذلك، غير أن الرأي العام المغربي للأسف لا يكترث لهذه الأبعاد ويوجه اللوم للفتاة، كما أن القضاء يساهم في تأزيم وضعيتها”.

وأوضح أنه من الناحية الحقوقية، “نعتبر التشهير بها وفضحها عملا مشينا وغير أخلاقي وأكثر بشاعة من الفعل الذي قامت به، وهو فعل يدخل ضمن خصوصياتها في إطار الحريات الفردية، والذي لم تقم به على أي حال أمام الرأي العام بل في مكان خاص، كما أن الفعل المرتكب، وفق المعطيات المتداولة، يعود لـ4 سنوات خلت”.

وتابع الحقوقي الخضري قوله: “الإشكال المطروح هو أننا لا نولي أي أهمية للتسجيل المرئي ونتعامل معه باستخفاف وجهل تام بالعواقب، كما أنه لا توجد في المغرب قوانين زجرية بما يكفي لترصد المجرمين الذين يفضحون خصوصيات الناس من خلال هذه الجرائم الإلكترونية”، حسب قوله.

بدورها، اعتبرت فيدرالية رابطة حقوق النساء وشبكة نساء متضامنات بجهة طنجة تطوان الحسيمة، في بلاغ مشترك، أن تحريك المتابعة القضائية دون استحضار الملابسات المرتبطة بالأفعال التي وقعت الفتاة ضحيتها، يجعلها تتنكر للآليات القانونية والدستورية التي وضعت لحماية المرأة والطفل معا من العنف ومن المس بكرامتهما.

وقالت الهيئتان في البلاغ الذي اطلعت عليه جريدة “العمق”، إن الشابة المذكورة هي “ضحية الاستغلال والتشهير دون احترام لا للقيم الإنسانية ولا للقانون، وهو مساس بحقوق النساء و العنف ضد النساء الممنهج ضدهن و استباحة الجسد النسائي”.

وأشار البلاغ إلى أن الفتاة “كانت ضحية لاستدراج مصورها الذي استعمل الاحتيال والخداع في استغلال سافر لحالة الضعف والحاجة والهشاشة التي توجد عليها، بما أفقدها إرادتها وحريتها أمام مستغلها جنسيا ليستعمل وسائل التواصل المعلوماتي، وما ترتب عن ذلك من هدر لكرامتها الإنسانية وإهانة ومس بخصوصيتها”.

واستنكر البلاغ بشدة “هذه الأفعال التي نجم عنها تداعيات خطيرة تتمثل في هدر للكرامة وانتهاك حياتها الخاصة من تشهير وتضييق”، داعيا الجهات المسؤولية إلى فتح تحقيق بشكل مستعجل ونزيه حول حيثيات الفيديو المصور وإعمال القانون والعدل حول التشهير ومتابعة كل المتورطين فيه ومساءلة كل من كان وراءه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *