وجهة نظر

في “الفنيمست” الإسلامي.. الحلقة الرابعة

تأملات في خطاب التمكين

لا أميل الى التصنيف السياسي للنسائية المغربية، الذي يشكل عنصر تضاد والذي ليس في مصلحة تطور هاته الدينامية المجتمعية ، فرغم ان وتيرة الصراع بين القطبين العلماني والإسلامي قلت بسبب ضعف الزاد الفكري للتيار الغربي وعدم قدرته على الاندماج ، وصياغة مشروع مجتمعي قريب من مطالب النساء بصفة عامة ، لذلك استطاعت النسائية الإسلامية ، ومن يدور في فلكها من الهيئات القريبة من مشروعها ، أو التي تتقاطع معها في مجموعة من الأهداف ، وخاصة المحافظة منها او التي تشتغل على قضايا التمكين والتنمية للمرأة بصفة عامة، أن تقدم نموذجا في الاعتدال والواقعية ، ويتم تصريفه ضمن هاته الخطة من حيث وضع الأهداف والقيام بالدراسات العلمية البحثية الواقعية .

لذلك نفكك خطاب التمكين من خلال عرض بعض النماذج والتي ماهي الا تنزيل لمخرجات وقناعات ودراسات ركزت على الجانب التقني والانمائي الذي من شأنه ان يعزز مكانة المرأة بصفة عامة ،وهذا الخطاب الواقعي جعل من النسائية الإسلامية تتميز بنوع من الجدية في الترافع ، والثقة الدولية التي ظهرت في دعم لهاته الخطة ، وتحول خطاب النسائية من دائرة المزايدة السياسية والأيديولوجية –خطة ادماج المرأة في التنمية –الى خطة واقعية مغربية بتمثلات إنمائية وقادرة على اقناع الجميع بانها لا تهدف الى حشد جماهيري بقدر ما ان أهدافها موضوعة من طرف خبراء في مجال التنمية والاجتماع .

وهذا التحول من خطاب الترويج الى خطاب التأسيس والبناء في حد ذاته ، عامل قوة في تيار التمكين الذي انتصر للمرأة باعتبار ان مدخل الانصاف والمساوة يبدأ من الانماء والتمكين سواء كان اقتصاديا او سياسيا.

* صادفت وثيقة مرجعية نشرها مركز الجزيرة للدراسات، وهوكتاب موثق لتاريخ الحركة النسائية أعدته الأستاذة جميلة المصلي ،والذي كتب عنه عبد الهادي التازي وقدمه ،حيث قال عنه :

“ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الباحثة في هذه الدراسة ما يلي، عرف المجتمع المغربي عبر تاريخه حضور المرأة وفعالياتها في مجال الحياة الأسرية والاجتماعية، وخلال فترات من هذا التاريخ برزت أسماء شخصيات نسائية في مجالات أخرى كالأدب والثقافة والتاريخ والعلوم الدينية والعمل الدبلوماسي ولم لانقول السياسة والريادة وغيرها من المجالات غير أن ظاهرة العمل النسائي المنظم الذي يستهدف النهوض بالمرأة والدفاع عن حقوقها لم تبدأ في البروز إلا في عهد الحماية الفرنسية والإسبانية للمغرب، ففي هذه الفترة تضافرت عدة عوامل أسهمت في نشأة الوعي النسائي، وتأسيس الطلائع الأولى في التنظيمات النسائية، وكان على رأس هذه العوامل تشجيع العاهل المغربي لزعماء الحركة الوطنية الذين كانوا يتنافسون على إنشاء المدارس الحرة لتعليم المرأة، وانخراط المرأة في مقاومة المستعمر، وانتشار أفكار رواد الحركة السلفية الإصلاحية الداعية إلى تحرير المرأة من مخلّفات عصور الانحطاط وحمايتها في نفس الآن من التيارات الفكرية ـ الوافدة ـ من الغرب- كان للتنظيمات النسائية خلال المرحلة الاستعمارية إسهام مقدّر في الدفاع عن حوزة البلاد ومناهضة المستعمر والعمل على تحسين أوضاع المرأة المغربية، خاصة في مجال الإسعاف ومحاربة الفقر ومحو الأمية، وعلماً أن إمكانيات هذه التنظيمات كانت محدودة جداً وقد كانت برامج وأنشـطة هذه التنظيمات تتضمن قضايا متصلة بمعاناة المرأة المغربية آنذاك، كما كانت جل مكونات الحركة النسائية في هذه المرحلة تنطلق في مبادراتها ومقترحاتها من المرجعية الإسلامية والقيم الأخلاقية والحضارية للمجتمع المغربي

-تعد الحركة النسائية المغربية من الظواهر الاجتماعية الحديثة التي ارتبط ظهورها وتطورها بالتطور العام الذي شهده المجتمع المغربي على عدة مستويات وبالتأثيرات والتفاعلات القوية التي خلفها انفتاح المغرب على محيطه الإقليمي والدولي ففي بداية نشأتها اصطبغت هذه الحركة بالطابع القومي الإسلامي الذي اصطبغت به الحركة الوطنية، وبعد بروز التيارات اليسارية في الوطن العربي في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، اتخذت أغلب مكونات الحركة النسائية المغربية وجهة يسارية ومنذ منتصف سبيعنات القرن الماضي ، أضحى تأثير الاهتمام الدولي بالمسألة النسائية قوياً جداً على الساحة المغربية، وكانت للاتفاقيات الدولية التي صدرت عن مؤسسات الأمم المتحدة المهتمة بموضوع المرأة أصداء وتأثيرات واضحة في برامج وتوجهات معظم التنظيمات النسائية المغربية، ومنذ بداية تسعينات القرن الماضي برز تيار جديد أصبح له حضور وازن في ساحة الفعل النسائي وهو التيار النسائي ذو التوجه الإسلامي، الذي يدعو إلى النهوض بالمرأة والأسرة وفق منظور شامل يعتز بالمرجعية الإسلامية والهوية الوطنية والخصوصية المغربية، وينفتح على المشترك الإنساني والكوني في الحضارات الأخرى ويتطلع إلى بناء نموذج نسائي جديد يتمسك بهويته وأصوله الحضارية ويساهم في نفس الوقت في بناء حضارة إنسانية راشدة -تحتاج تنظيمات الحركة النسائية المغربية بعد مرور عدة عقود على عملها في مجال المرأة إلى وقفات لمساءلة الذات والقيام بالنقد الذاتي، من أجل تقييم أدائها ومدى تحقيقها لأهدافها ومدى استجابة مقترحاتها ومطالبها لحاجات المرأة المغربية وتطلعاتها ذلك أن واقع فئات واسعة من النساء المغربيات مازال يشكو من انتشار الأمية والفقر وضعف الخدمات الصحية والإقصاء والتهميش وغيرها من الحاجات الأساسية، مما تبدو معه اهتمامات بعض التنظيمات النسائية بعيدة عن المطالب الحقيقية للمرأة المغربية ـ بعد دراسة اتجاهات الحركة النسائية بالمغرب، خاصة بعد صدور مدونة الأسرة التي حظيت بنوع من الإجماع لدى أغلب التنظيمات النسائية، وكذا التوافق حول بعض المقتضيات التنظيمية والتشريعية لرفع نسبة تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة بيّن للباحثة ضعف استثمار المساحات المشتركة بين تيارات العمل النسائي، وهي الرفع من القدرات النسائية والنضال من أجل تمكين فئات واسعة من النساء في القرى وأحواز المدن من الولوج إلى الخدمات الأساسية والاستفادة من التنمية.

التمكين وسؤال الرمزية

تميل بعض الدراسات التي حللت رموز النسائية الإسلامية بالمغرب حيث نجد احداهن –جيلي بروزان-في مقالة حول ثلاث شخصيات قيادية وهي: عزيزة البقالي (رئيس منظمة تجديد الوعي النسائي)، وبثينة القروري ( رئيس منتدى الزهراء)، وبسيمة الحقاوي (عضو الأمانة العامة لحــــــــــزب العدالة والتنمية).

حيث أشارت عزيزة البقالي أن الباحثة جيلي بروزان خلصت إلى أن “منظمة تجديد الوعي النسائي” عارضت خطة إدماج المرأة في التنمية بسبب مناقضتها للإسلام وللعادات المغربية، والصواب أن المنظمة لم ترفض الخطة كاملة، وإنما تعارض كونها إملاءً خارجيًا، وترفض مرجعيتها التي تقول بسمو المعاهدات الدولية عن المرجعية الوطنية، وهذا ما تختلف معه المنظمة اختلافًا جذريًا، حسب تعبير عزيزة البقالي.

وترفض، من جهة أخرى، عزيزة البقالي “الوصف التي سحبته الدراسة على نساء حركة التوحيد والإصلاح ، إذ أطلقت عليهم صفة النزعة المحافظة ، دون تحديد مدلولها ومضمونها وهوما قد يثير إشكالات والتباسات، لاسيما عند المتلقي الغربي الذي ترسبت لديه مفاهيم سلبية عن مفهوم المحافظة”.

كما اعتبرت أن المنظمة النسائية التي تترأسها تضم بعضًا من النساء غير المحجبات، تدليلاً على الانفتاح ، وعلى أن تنظيمهن لا يدين التحديث والتجديد.

في حين ردت بثينة القروري على الدراسة، مؤكدة على ضعف إلمام صاحبتها بطبيعة الأنشطة التي يباشرها منتدى الزهراء، موضحة أن المنتدى يضطلع بأنشطة ذات طابع حقوقي تتعلق بقضايا المرأة، ولا يحصر اهتماماته بالجانب الاجتماعي فقط، كما ورد ذلك في الدراسة.

وتضيف أن الانطباع الذي يمكن أن نلمسه من خلال الدراسة ، والذي يمكن أن يصور تجربة المنتدى كتجربة انغلاقية ومحافظة، هو انطباع خاطئ، مؤكدة على انفتاح المركز على جميع التجارب النسائية العالمية، وتضيف أن المنتدى يدافع عن الحقوق الأساسية للمرأة المتمثلة في الحرية والمساواة والتعليم ورفع التمثيلية في المؤسسات المنتخبة.

أما بسيمة الحقاوي (عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية) فانتقدت “المرجعية اللبيرالية والعلمانية” للدراسة، معتبرة أن التغيير يجب أن يتم من منطلق خصوصية المجتمع المغربي، وأن دور المرأة الناشطة في حزبها الإسلامي فاعل وليس رمزيًا، مؤكدة على أن حزب العدالة والتنمية، الذي تنتمي، يشتغل وفق قواعد الممارسة السياسية الجاري العمل بها في كل الأحزاب المغربية، وأن ليس هناك أي إقصاء لحضور المرأة.

وعن غياب الرمزية في النسائية الإسلامية يبقى راجع الى طبيعة تشكلها، حيث ان هناك قيادات نسائية لها أثر واضح في عملها ونضاليتها لكنها تبقى ضعيفة في بروزها الإعلامي، كما ان طغيان العمل المؤسساتي والجماعي جعل من هاته الرموز يبقى اثرهن نسبي ، لكن من زاوية الفعل يكون اثر المؤسسة اقوى من فعل الفرد ولو كان قياديا .

النسائية الإسلامية ومحاكاة الحداثة

بنفس الأدوات والاشكال والتقنيات تعمل النسائية الإسلامية في تناول القضايا والترافع بشأنها وهذه البيئات و التجارب الحداثية تخترق جميع حدود الجغرافيا والأمم، جميع حدود الطبقات والدول، وجميع حدود الأديان الأيديولوجيات…فأن تكون حداثيًا يعني، أن تكون جزءًا من عالم “،وخيرا فعلت حينما قدمت انمودجها دون ان تخرج على المألوف ، والا كانت ستكون معزولة وتشكل عزلة اجتماعية على النسق العام،ولذلك تشكلت على انساق جمعوية وتنظيمات قانونية في العديد من المناطق .

ويمكن اعتبار النسائية الإسلامية مقاومة للإغراء الذي تمارسه الحداثة، والعمل على إضفاء “الطابع الإسلامي” عليها. لهذا الارتداد ما يزكيه، خاصة مع ” تخلي ” الحداثة عن وعودها بالتقدم والتنمية ، لكن اذا استطاعت هاته الدينامية ان تخرج عن السياق الذي تحدث عنه جيل كيبل فيما يخص حركات العودة إلى الدين والتي تقدم نفسها بديلاً عن العلمانية التي هيمنت في العالم العربي، أي اللبيرالية والشيوعية والقومية .

فالنسائية الإسلامية بين منهج التقليد والمحاكاة ومنهج التميز والمواجهة ولذلك فهي مقلدة في طريقة الاشتغال وتناول القضايا وخاصة قضية الحداثة ، كما ذهب الى ذلك ماكس فيبر، حيث يعرف الفعل التقليدي بأنه الفعل الذي يحصل من تلقاء نفسه، وهو أيضًا الفعل الموجه إلى توقعات ترتكز على عادات قائمــة لا تصدر، لذلك، عن حساب عقلاني.

وقد تتسم بعض الردود الفعل أو حتى بعض التجارب بالعفوية والتلقائية، لكنها لا تخرج عن سياق قصور التحليل ، و لا نعمل سوى على الترجمة السلبية لخاصيات المجتمع الحديث، وتحديد التقليد بمجرد الوفاء للماضي يبقى ناقصًا، لأن التقليد لا يوجد إلا عندما نقبل الجدة تحت حجاب الوفاء للماضي.

وتبقى تجربة النسائية الإسلامية ، تجربة أغنت مشروع النسائية المغربية بصفة عامة ، وهذا التقاطب يشكل قوة مجتمعية للحركات النسائية المغربية وحتى العالمية، مما يفرض ان نعيد انتاج خطاب اصيل بمرجعية حضارية موجهة لما يوضع ويتم تقريره ونحن غير موجودين في مراكز القرار الدولي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *