وجهة نظر

الخبير المالي إدريس الأندلسي يكتب: حلم إصلاح الصفقات العمومية “المارشي”

أصبح “المارشي” والمقصود به الصفقة العمومية من أهم محاور الصراع السياسي وخصوصا في مراحله الإنتخابية. قبل عقدين من الزمن كان ولوج المسؤولية السياسية المؤدية إلى اتخاذ القرار المالي محصورة في عدد من ذوي التكوين. ومع تفتح الكثير من الأحزاب على نخب جديدة تتميز بالقدرة على جلب الأصوات، دخلت هذه النخب ومعها رصيد من الممارسات التي تصعب مواجهتها من خلال “الديمقراطية الداخلية و ممارسة النقد الذاتي”. وأصبحت الكثير من الجماعات الترابية ذات قدرة كبيرة عل على إتخاذ قرارات في مجال التدبير العمومي ذات حمولية مالية مباشرة وغير مباشرة تقدر بالملايين من الدراهم. وتزايد حجم الصرف العمومي للتحدي عتبة 600 مليار درهم سنويا (مؤسسات عمومية وجماعات ترابية و ميزانية عامة).

ومنذ بداية عص الاستقلال حرصت الحكومات المتعاقبة على ضبط طرق الإنفاق العمومي عبر محاولات تحصين النظام القانوني الصفقات. وبالرغم من ذلك ظهرت العيوب و التجاوزات وكثر الحديث عن سوء التدبير و الرشوة والتعقيدات التي تستغل لفائدة من يستفيدون من أرباح الصفقات العمومية. وتراكمت آليات إصلاح نظام الصفقات العمومية خلال حكومة التناوب التوافقي مع التركيز على آليات لضمان الإنجاز الأحسن وقامت حكومة بن كيران بتخفيف عراقيل الملفات الإدارية للمقاولات المطلوبة للمساهمة في المناقصات وجاءت الحكومة الحالية بفكرة وضع معايير خاصة بأسعار مكونات الصفقات العمومية. وسيستمر الإصلاح الترقيعي لسنوات وسنوات وستستمر مظاهر سوء التدبير والرشوة والتعقيدات وذلك في غياب آليات حقيقية للتتبع والمحاسبة وتدقيق مصادر الاغتناء غير المشروع.

وحتى نعرف أن حجم الصفقات العمومية كبير جدا وله أثر كبير على عمل مؤسسات القطاع الخاص فإن الدولة بمختلف مكوناتها من إدارات عمومية ومؤسسات ومقاولات عمومية وجماعات ترابية تخصص سنويا مبالغ تفوق 200 مليار درهم في مجال الصفقات التي تهم ميزانية التجهيز والإستثمار بالإضافة إلى عشرات الملايير التى تهم بعض مكونات ميزانيات التسيير أو مايسمى الاستهلاك خارج مصاريف الموظفين والمستخدمين. وتعج تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للمالية المفتشية العامة للإدارة إلترابية بمئات التقارير التي تهم سوء تدبير الصفقات العمومية.

ولا يمكن لهذه التقارير أن تتجاوز حدود القوانين المنظمة لمؤسساساتها والذهاب بعيدا للبحث في قضايا تهم الرشوة ولا في تلك التي ينتج عنها إعتناء غير مشروع. ولهذا وجب طرح الأسئلة المشروعة حول التأخر غير المقبول للتصويت عل على مشروع القانون الخاص بالاغتناء غير المشروع.

إن إصلاح نظام الصفقات العمومية ليس قضية تقنيات قانونية ومساطر ولكنها بالأساس قضية تتبع للإنجاز ومراقبة للأسعار وتدقيق في نوعية الخدمة المقدمة للدولة ومن خلالها للمواطن. ولا يمكن أن ننتظر الكثير من مؤسسات الرقابة التي لا يمكنها أن تلج الكثير من المعلومات لضبط الغش والرشوة من خلال ما تقوم به المقاولات التي ترسو عليها المناقصات.

وبفعل عدم وضوح التعاملات المرتبطة الصفقات العمومية فإنه من الصعب الحصول عل على خدمات وسلع تتسم بالجودة واسعار تحترم قواعد المنافسة. ولكل هذا وجب فتح باب المحاسبة عل على مصراعيه وفتح باب الكفاءة و المهنية العالية بكل وعي وفتح باب ترشيد النفقات العمويية بعيدا عن المزايدات. وقد وعدت الحكومة بأن تقوم بإصلاح لمنظومة أسعار الصفقات العمومية لكي لا تشتري الدولة و مؤسساتها خدمات وسلع بأسعار تتجاوز بكثير سعر السوق. أما المستفيدين من ريع الصفقات، فلا سبيل لتغييبهم عن التدبير العمومي غير المراقبة والمحاسبة والمحكمة.

* خبير في المالية العامة والرئيس السابق لجمعية أعضاء المفتشية العامة للمالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *