المغرب العميق، مجتمع

9 سنوات على فاجعة “تيشكا” .. ضحايا بدون حقوق وأرامل ويتامى يناشدون الملك

لازال الجميع يتذكر فاجعة حافلة “تيشكا” التي راح ضحيتها 42 شخصا، بعد انقلاب حافلة لنقل المسافرين بين زاكورة ومراكش. اليوم تكون قد مضت عليها، 9 سنوات، في حين لازالت معاناة عدد من الناجين وعائلات الضحايا، مستمرة، ولسان حالهم يقول: “حقوقنا دفنت كما دفن الضحايا”.

42 قتيلا و24 جريحا، كانت هي حصيلة حادث انقلاب حافلة للركاب قادمة من زاكورة يوم الثلاثاء 4 شتنبر 2012، بعد سقوطها في منحدر، على مستوى الجماعة القروية زرقطن التابعة لقيادة توامة (إقليم الحوز) على الطريق الوطنية رقم 9 الرابطة بين زاكورة ومراكش.

“تيشكا الغول”

لم يعد بمقدور زهرة بلمغراوي، وهي والدة رشيد التيكي (21 سنة)، أحد ضحايا الفاجعة، المرور بمنعرجات “تيشكا” التي سلبت منها ابنها الوحيد، فهذه الطريق التي تنعتها بـ”الغول” تذكرها دائما بابنها رشيد الذي فقدته وهو في ريعان شبابه ولم يمر وقت طويل على حصوله على شهادة الإجازة وكان مقبلا على اجتياز الامتحان الشفوي للتوظيف بإحدى الجماعات الترابية بزاكورة.

وبنبرة حزينة تخنقها دموع أم مكلومة اقْتُطِعَ جزء من كبدها، تقول زهرة، في حديث مع “العمق”: “ابني رشيد كان العين لي كنشوف بها، كان هو الوحيد لي عندي و4 بنات”، مضيفة أن حياتها انقلبت رأسا على عقب بعد وفاته، وأصبحت تخاف من أن يتكرر نفس السيناريو مع بناتها عندما يقصدن مراكش للدراسة.

لا نطالب بصدقة

زهرة وكباقي عائلات ضحايا هذه الفاجعة لم يتوصلوا لحد الآن بأي تعويضات، رغم مرور 9 سنوات على الفاجعة، وتضيف قائلة: “وخا يعطيوني لي يعطيوني مغاديش يردو ليا ولدي”، مشيرة إلى أن ما ستحصل عليه من تعويضات، لن يخفف عليها الآلام والأمراض التي أصيبت بها بعد فقدانها لابنها.

وشددت زهرة بلمغراوي، على أنها لا تطالب بصدقة، وإنما بحق ابنها، متسائلة: “إن كان للحافلة تأمين فمن حقنا أن نحصل على تعويضات”، مشيرة إلى أنها تقصد المحامي، ويخبرها دائما بأن ابنها مجرد طالب، وبأنه لن يستفيد من أي تعويض، مستغربة من كلامه، والذي وصفته بـ”الإهانة”.

أرامل ويتامى

وبدورها، تحكي الزهيري صباح، وهي أرملة فقدت زوجها إبراهيم الغزواني في حادثة “تيشكا”، وترك لها 4 أطفال، كانت أعمارهم آنذاك (في 2012)، 4 أشهر، وسنة ونصف، و6 سنوات، وأكبرهم يبلغ 7 سنوات، (تحكي) كيف تحولت حياتها إلى مأساة بعد هذه الفاجعة.

“عشت أزمة نفسية ومادية كبيرة، كنت أفكر في أبنائي، مأكلهم ومشربهم وكسوتهم، بعد وفاة معيلنا الوحيد”، تقول أرملة إبراهيم الغزواني، في حديث مع الجريدة، مضيفة أنها لم تجد عملا في زاكورة من أجل توفير ضروريات الحياة لأبنائها، فقررت السفر إلى الدار البيضاء.

9 سنوات لم نستفد من أي شيء”، عبارة ترددها أغلب عائلات ضحايا فاجعة “تيشكا”، ومعهم صباح التي أكدت لـ”العمق”، أنها منذ أن سلمت هذا الملف لأحد المحامين، منذ 9 سنوات، لم تر منه شيئا، مضيفة أنها تطالب فقط بحقها وحق أبنائها الأربعة. كما ناشدت المسؤولين قائلة: “لم نستفد من شيء، ومن لديه 4 أطفال بحاجة لأجر شهري وليس فقط تعويضات”.

ومن جهتها، قالت كلثوم العشير، المنحدرة من جماعة بني زولي، بزاكورة، إن زوجها كان من ضحايا فاجعة “تيشكا” وخلف وراءه طفلين، كانا آنذاك يبلغان من العمر 4 سنوات، و4 أشهر، مشيرة إلى أن كلفت محاميا بقضيته للحصول على تعويضات من شركة النقل، لكن بدون نتيجة.

“الملف دُفن”

قصة أحمد المدني، شقيق محمد المدني الذي توفي هو الآخر في هذه الحادثة، لا تختلف كثيرا عن قصص ومعاناة باقي عائلات الضحايا، ويقول في حديث مع “العمق”، إن معاناته بدأت مع إجراءات تسلم جثة شقيقه لنقلها إلى زاكورة، والتي لم يتسلمها إلا بشق الأنفس.

ولم تقف معاناة أحمد المدني عند هذا الحد، فقد أشار إلى أن رحلة البحث عن حقوق شقيقه، ولّدت لديه قناعة بأن “الملف قد تم دفنه”، مضيفا أن الوعود التي قدمت لهم بأن الملف لن يكلف الكثير من الوقت ولا يحتاج لمحامٍ، وسيتم تعويض جميع الضحايا لأن الملك تدخل شخصيا في الملف، قد تبخرت.

بعد أن سئم المدني من زيارة مكاتب عدد من المحاميين علّهم يساعدونه في استرجاع حقوق شقيقه المتوفي، قصد الشركة مالكة “حافلة الموت” لعقد صلح معها وتعويضه، غير أن مسؤولي الشركة أخبروه بأن “الحافلة كانت تقل عددا غير مسموح به من الركاب، وبالتالي يجب أولا تحديد الركاب الذي يجب تعويضهم وهل هم جرحى أم متوفين”، وهو ما اعتبره أحمد تهربا من المسؤولية.

مناشدات للملك

لزبير مسرور، شاب في العشرينيات من عمره، من جماعة بني زولي بزاكورة، كان أحد الناجين من هذه الفاجعة هو ووالدته أمينة اليعقوبي، فقد أصيبا بجروح وكسور، ومشاكل نفسية تلازمهما لحد الآن، ويقول في حديث مع الجريدة، إن “الضحايا الحقيقيين في هذه الفاجعة هم من ظلوا على قيد الحياة ولازالوا يتعذبون ويتألمون في صمت”.

الزبير الذي ترك مقاعد الدراسة، بعد هذه الفاجعة، زاد قائلا: “نريد فقط أن تنصفنا العدالة، وتقوم بتعويض عائلات الضحايا خصوصا وأن بينهم أيتام وأرامل لا حول لهم ولا قوة”، مضيفا أنه رغم توصلهم بالرسالة الملكية التي خففت من ألامهم، ومنحتهم راحة نفسية، إلا أن هذا الملف يحتاج إلى متابعة من المسؤولين على أعلى مستوى حتى يتم إنصاف جميع الضحايا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *