وجهة نظر

عبد الله بوصوف يكتب: المغرب وتونس.. التاريخ المشترك والمصير المشترك

المملكة المغربية و الجمهورية التونسية…
التاريخ المشترك و المصير المشترك.. (التأثر والإعتزاز والأمل…)

قد يقودنا الحديث عن العلاقة بين المملكة المغربية و الجمهورية التونسية الى البحث في التاريخ المشترك والقواسم المشتركة كالدين و اللغة و العادات و غيرها ، والثرات الحضاري و المشترك الإنساني المتمثل في الامتداد الفكري و الثقافي و العلمي سواء من خلال جامعتيْ ” الزيتونة ” بمدينة تونس و ” القرويين ” بمدينة فاس ، أو القامتيّن الكَوْنيتيْن المَوْسُوعيتيْن ” بن خلدون ” و ” الحسن بن محمد الوزان ” ، أو من خلال مدونات ومذكرات الرحالات المغاربة الكبار كالشريف الادريسي و بن بطوطة و غيرهم من الحُجاج المغاربة..أو النضال المشترك من أجل الحرية و الاستقلال..

وهو ما يجعل من مساحة هذا التقديم تضيق أمام مساحات الذاكرة التاريخية و الإنسانية المشتركة القوية بين المغرب و تونس تمتد لقرون عديدة عرفت تداول دول مختلفة و سلاطين و ملوك ، و أحداث فارقة ميزت تلك المحطات التاريخية..وهو ما يجعل منها مِلْكا للذاكرة الجماعية و الثرات الإنساني تشهد عليها الكتب و الخطب و المخطوطات و الرسوم و الرسائل و المذكرات…منذ مئات السنين..

لكننا اليوم نُحبذ الحديث عن العلاقة التاريخية بين المملكة المغربية و الجمهورية التونسية من خلال استحضار لحظات تاريخية حديثة جسًدت امتدادا طبيعيا لتلك العلاقات المتجذرة في التاريخ و ربطتها بمحطات التاريخ المعاصر.. كالزيارات المتعددة لملوك المغرب ٫ المغفور له محمد الخامس و المرحوم الحسن الثاني طيب الله ثراه و ملفات مستقبل المغرب الكبير من خلال ” اتحاد المغرب العربي ” و التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و الهجرة و الإرهاب و المصير المشترك….

إذ لا يمكن للذاكرة الجماعية التونسية أن تنسى الدلالات التاريخية و الرسائل الإنسانية و السياسية لزيارة الدولة التي قام بها جلالة الملك محمد السادس تلبية لدعوة الرئيس التونسي المؤقت ” منصف المرزوقي ” في ماي 2014..

وهي زيارة تزامنت مع المرحلة الانتقالية التي كانت تعيشها تونس الشقيقة ، بعد أحداث الياسمين و طي مرحلة الرئيس السابق ” زين العابدين بنعلي ” و تبني دستور جديد و متقدم و تشكيل حكومة مؤقتة…

ففي الوقت الذي كانت تعيش فيه تونس أوضاعا اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة و ” وشبه عزلة ” سياسية و اقتصادية و أزمة مالية… نتيجة ازمة في القطاع السياحي و الخدمات و قلة الاستثمارات الأجنبية.. سيتوجه جلالة الملك محمد السادس الى تونس مرفوقا بأفراد أسرته الكريمة و بعشرات الوزراء و مثلهم من رجال الاعمال..حيث سيتم توقيع حوالي 23 اتفاقية و مذكرة تفاهم و برامج تنفيذية في مجالات متعددة نخص منها مجالات الاقتصاد و الطاقة و السياحة و الصحة و الأمن..

الذاكرة الجماعية التونسية ، لن تنس أيضا خطاب جلالة الملك أمام أعضاء المجلس الوطني التأسيسي التونسي بتاريخ 31ماي 2014..حيث خاطب جلالته تونس ” الجديدة ” و الطموحة لانتقال ديمقراطي ، وخاطب الشعب التونسي الشقيق المتشبث بالعيش الكريم و المعتز بانتماء الوطني..واصفا مشاعر جلالته الجياشة عند كل زيارة لتونس الخظراء بثلاثية ” التأثر و الإعتزاز و الأمل “…

و لم يكن إعلان جلالته عن مشاعره تجاه تونس من سبيل اللياقة الديبلوماسية أو للإستهلاك الإعلامي..بل ان في إقتفاء سطور الخُطب والرسائل الملكية طيلة العقديْن الأخيريْن الخاصة بتونس الشقيقة دليل على عراقة العلاقة و حجة على قوة روابط الاخوة و المصير المشترك …

كما أن قيام جلالة الملك محمد السادس بتمديد زيارته لتونس سنة 2014 من 3 أيام الى 10 أيام و بتجواله على الأقدام بدون حراسة مشددة في شارع بورقيبة المليء بالرمزية.. هو دليل قوي على صدق مشاعره و عربون قوي على عزمه بنقل التعاون و تجويد العلاقات بين البلدين الى درجات غير مسبوقة…

لقد شُوهِد جلالة الملك يتجول بين الناس بكل تلقائية و يأخد صور مع أفراد الشعب التونسي..لانه بالفعل كان في بلده الثاني..كما حملت تلك الصور الى العالم أن تونس الجديدة هي مكان آمن ، و بذلك فقد قدم جلالته خدمة كبيرة للاقتصاد التونسي و للسياحة التونسية معطيا بنفسه المثال بتجواله و بتمديد لمدة اقامته بتونس الشقيقة…وهو ما ترك الأثر البالغ في كل مكونات الشعب التونسي الشقيق..

فعندما نتحدث عن الذاكرة التاريخية و الإنسانية المشتركة بين المغرب و تونس ، فان ذلك يقودنا حتما الى المصير المشترك و التحديات المشتركة…و يدفعنا الى التفكير في آليات و برامج استراتيجية مشتركة لتحقيق شروط العدالة الاجتماعية و التكامل الاقتصادي والدفع بعمليات المسار الديمقراطي.. في إطار من الثقة و الحوار و حسن الجوار و الاحترام المتبادل للخصوصيات الوطنية….

* عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *