المغرب العميق

أرفود.. حينما “تقتل” السياسة مشروعا استثماريا برعاية بن لادن

للسياسة فوائد كثيرة، ولكنها في بعض الأحيان تتحول إلى أحد أهم الأمور التي تتسبب في كثير من الخلافات، بين الأفراد، وقد تتطور إلى خلافات أسرية وقبلية، ناهيك عن الاختلافات التي تنشب بين الأحزاب السياسية، غير أن الخطير هو عندما تتحول إلى سبب في “قتل” فرص الاستثمار التي يمكن أن تعود بالنفع على الساكنة … والمثال من مدينة أرفود بإقليم الرشيدية.

بعد نشر جريدة “العمق” لخبر تشريد 120 عاملا وعاملة بأرفود، كان الخبر عاديا. فهذا الأمر يحصُل كثيرا في عدد من المناطق، ولكن عندما عادت الجريدة إلى البحث في تفاصيل وخبايا الموضوع اكتشفت أن السبب الرئيسي في تشريد تلك العائلات ووقف مشروع استثماري، كان سيغير وجهة المنطقة الاقتصادية ويخلُق عددا كبيرا من فرص الشغل، لم يكن بسبب صعوبات مالية أو عوائق موضوعية حالت دون استكماله، ولكن السبب هو “السياسة”.

السياسة تفسد الاستثمار

لم يكن المستثمر التونسي “ماهر الرويسي” يفكر يوما، أن حلمه بأن يفتح مشروعا استثماريا بالمغرب، من أجل استغلال تجربته في بيع وشراء التمور وما يرتبط بهذا المنتوج، أنه قد يتحول إلى كابوس حقيقي بسبب لقاء تواصلي حزبي عادٍ بمدينة أرفود، فقد كان “الرويسي” حديث العهد بالمدينة، وكان قد دخل في اتفاق مع أحد وجهاء المنطقة ويدعى “ع بح”، يقضي بأن يوفر التونسي المال بينما يوفر شريكه المغربي الظروف المواتية لجني التمور وإعادة تلفيفها وبيعها في الأسواق، وهو ما سيمكن الطرفين من جني الأرباح معا، وتحقيق فرص شغل مهمة للساكنة المحلية.

استطاع التونسي ماهر الرويسي، بحسب ما حكاه لجريدة “العمق”، أن يقنع المستثمر السعودي الشهير بن لادن بدعم المشروع الفتي، وهو ما تأتى له، حيث اتفق الطرفان على العمل من أجل توفير 1000 طن من التمور، مقابل أن يضع بن لادن 3 مليارات و37 مليون سنتيم، رهن إشارة المتدخلين في المشروع، حيث سلم مبلغا قدره 600 مليون سنتيم للمستثمر التونسي من أجل إطلاق المشروع الذي استمرت دراسة إنجازه زهاء 10 أشهر، وهو ما كان، حيث استمر العمل بيُسر لمدة أربعة أشهر قبل أن ينقلب كل شيء، بعدما وضعت الانتخابات أوزارها.

كانت الحملة الانتخابية للاستحقاقات التشريعية برسم 2016، تسير بهدوء، إذ تعمل كل الأحزاب على تنظيم لقاءات تواصلية لمرشحيها أمام الناخبين من أجل محاولة إقناعهم بالتصويت لفائدة مرشح الحزب. لم تكن أرفود بدعا من الأمر، فقد كان حزب الاستقلال الذي يدعمه الشريك المغربي، ينظم هو الآخر لقاء تواصليا من أجل دعم أحد المقربين من الشريك المغربي، حيث تم تنظيم اللقاء بأحد الفنادق التي تملكها عائلة المرشح، وأثناء اللقاء قام “ع بح” بتقديم المستثمر التونسي كأحد المدعّمين للمرشح المذكور، وهو ما جعل المستثمر ينتفض في وجه “ع.بح”، مؤكدا في كلمة له خلال اللقاء التواصلي أن حضوره ليس دعما لأي كان وهو بعيد عن الصراعات السياسية.

“الرويسي” قال في تصريح للجريدة إن التوضيح الذي تقدم به خلال اللقاء التواصلي، لم يرق لـ “ع.بح” وقام بطرده من الفندق الذي يسكنه والذي يعود إلى عائلة شريكه المغربي، بعد أربعة أيام من اللقاء التواصلي الذي حضره، حيث كان الاتفاق بين الطرفين قبل تنفيذ الاتفاق بشأن مشروع التمور هو أن يوفر الشريك المغربي السكن والمأكل والتنقل، وهو الأمر الذي أخلفه “ع بح”، بعد واقعة اللقاء التواصلي لحزب الاستقلال، الذي تحول من لقاء تواصلي إلى فراق وانقطاع للتواصل بين الشريكين، وكان من نتيجة ذلك تشريد عائلات وتوقيف مشروع كانت المنطقة في أمس الحاجة إليه للخروج من أزمة البطالة لعدد كبير من أبناء المنطقة.

بداية مثالية

قبل الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر، سار الاتفاق بين الطرفين على ما يرام، حيث تم وضع كل ما يلزم من أجل إنجاح المشروع، بدءً بتوقيع العقود بين الطرفين، وتجهيز مخْزن التبريد، وتوفير اليد العاملة التي كانت تتراوح بين 100 و120 عاملا وعاملة، غير أنه بعد اللقاء الحزبي التواصلي، بدأ كل شيء يأخذ مجرى آخر، فالشّريك المغربي لم يتقبل أن يكون رد التونسي عليه بتلك القوة والحسم. وبالرغم من أن لقاءات الصلح التي تم عقدها بين الطرفين ورجوع المياه إلى مجاريها بعض الوقت، إلا أن الخلاف عاد ليطفوا على السطح من جديد، وذلك في روبورتاج تلفزي، لإحدى القنوات العمومية، لم ينشر، حيث تحدث “ع بح” باسم المستثمر، وهو الأمر الذي لم يستسغه الرويسي ليبدأ الاختلاف مجددا.

“الرويسي”، قال في حديثه لجريدة “العمق”، إن الخلاف بعدها مع شريكه المغربي تطور إلى حد طرده من مكان العمل، وتغيير أقفال المخزن، ومنعه رفقة العمّال من إخراج التمور “الذي قدمنا له ثمنه، وكل هذا مرفوقا بالوثائق، بعد ما جاء “ع بح” بمفوض قضائي، الذي قال بأنه لا يمكنني أن أظل على رأس تسيير الشركة نظرا لكوني، ليس لي الحق إلا في 20% من الأرباح”، وكل هذا، يضيف “الرويسي”، كان ذريعة لتوفير التمور من طرف “ع بح” لشركة معروفة بالمغرب، الأمر الذي نفاه “ع بح” في اتصال سابق بجريدة العمق، حيث قال إن إغلاق المخزن، كان من أجل إعادة عدّ التمور المتواجدة بالمخزن، وأن “الرويسي” لم يقدم لنا ثمن التمر المتواجد، وأضاف أن كل الاتهامات سالفة الذكر التي اتهمه بها “الرويسي” خالية من الصحة.

وفي السياق ذاته، أوضح “الرويسي” للجريد، أن “السيد “ع بح” لم يكتف بكل ما فعله بنا، بل بدأ بتشويه سمعتنا لدى جميع أبناء الساكنة، وذلك بخلق الأكاذيب”، الأمر الذي نفاه “ع بح” في اتصال هاتفي مع جريدة “العمق”، فيما أضاف “الرويسي”، أن “ع بح” أراد توريطنا مع الشرطة، حيث أوقفنا شرطي مرة ونحن نسير في الشارع الرئيسي لأرفود، وقال بأن السيارة مسروقة، وصاحبُها وضع شكاية لدى السلطات، وبعدما اتجهنا لمخفر الشرطة، تفاجأنا بعدم وجود أي شكاية، ولما سُئل الشرطي عن من أخبره بتوقيف السيارة، قال لرئيسه بأنه جاءه هاتف فقام بتوقيفها، حيث أوقفنا بسيارة عادية، الأمر الذي نفاه “ع بح” في الاتصال ذاته، وقال بأن الأمر لا يستحق الحديث عنه أصلا.

مشروع طموح برعاية بن لادن

تعد تونس من بين أبرز الدول التي يُشهد لها في إنتاج وتعليب التمور، وقد عمل المستثمر “الرويسي” على القيام بدراسة امتدت زهاء سنة من البحث والدراسة، بمنطقة تافيلالت أرفود، التي تعد من الواحات الأكثر إنتاجا للتمور وأجودها بالمغرب، حيث عمد إلى الاتفاق مع شركة “GIE” ذات النفع الاقتصادي العام، حيث اتفق الطرفان على عقد شراكة بين المجموعة ذات النفع الاقتصادي ضفة زيز في شخص رئيسها، وشركة admbel sarl، الممثلة في شخص مسيرها القانوني، واتفقا على مجموعة من البنود نورد منها؛ تثمين شركة أدمبيل (الطرف الثاني في الاتفاق) للتمور عبر الإشراف على عملية التلفيف والتخزين، واقتناء كافة منتوج الطرف الأول “GIE” من التمر، وتوفير وحدة التبريد والتعليب المتواجدة بجماعة “عرب الصباح غريس” التابعة له وبكل مصاريف التخزين وتوفير الموارد البشرية اللازمة لذلك، وكذا توفير منتوج أعضاء الـ “GIE” من التمور حيث يتم تحديد سياسة التسعير ومعايير الجودة من طرف لجنة مكونة من رئيس المجموعة، ورئيس لجنة التسويق ومدير الوحدة وممثل الطرف الثاني، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم التباين مع ثمن السوق وقبول الطرف الثاني لجودة التمور، وبيع جميع منتوج المجموعة من التمور للطرف الثاني.

وعُدّ العقد الذي تم إبرامه مع المستثمر السعودي بن لادن، كأول عقد من نوعه في المغرب، في مجال إنتاج وتعليب التمور، والذي قدر بـ 3 مليارات و37 مليون درهم، حيث تم الاتفاق على منح بن لادن ما مجموعه 1000 طن من التمور، إذ قدم بن لادن 600 مليون للرويسي كدفعة أولى، من أجل بداية المشروع. وأبرز الرويسي في اتصاله بـ “العمق” أنه سلم ما قدره 50 مليون سنتيم لـ “ع بح”، لأجل تقديم قيمتها كتمر، “إلا أنه ولحد الساعة لم يقدم لنا شيء، وأنه قام، باقتراض 66 مليون باسم “GIE”، لذات الأمر أي تسليمها لنا كتمور كما نص الاتفاق، إلا أنه لم يقدم لنا إلا ما قيمته 18 مليون سنتيم”.

وأضاف الرويسي، أن “ع بح” ، وضع “GIE”، في وضع محرج، بعدما اقترض من البنك 400 مليون سنتيم، من أجل دفع أجرة العمال العمال، الأمر الذي لم يفعله، ونحن من تكلف بدفع أجورهم جميعا، وجلب صناديق وآلات من أجل العمل بها، إلا أنه لم يفعل شيء من كل هذا، وفي رده قال “ع بح” لجريدة “العمق” إنه لم يتسلم من “الرويسي” أي شيء، ولم يعلق عن القرض الذي اقترضه، واعتبر الأمر خاص بالمجموعة.

المشروع إلى المجهول

يظل المشروع الضخم، يسير نحو المجهول بمدينة أرفود، خصوصا بعد “العمل المفاجئ الذي فاق كل التوقعات”، يقول الرويسي، قام “ع بح”، بإغلاق وحدة التبريد وتغيير أقفالها، ومنعنا من إخراج التمور التي أخذ ثمنها وليس له الحق، في إغلاقها، وذلك بعدما أخبرناه بأننا نحتاج إلى وحدة تبريد جديدة لأن الوحدة الخاصة به لم تعد كافية، وأننا سنكتري وحدة ثانية بالريصاني (تبعد على أرفود بـ 20 كلم)، وهي تعمل الآن ويعمل بها أزيد من 100 عامل، وثان بأوفوس (تبعد على أرفود بـ 35 كلم). وفي اتصال بـ “ع بح” حول الاتهامات التي اتهمه بها الرويسي، وما أكده “ح.أ” نائب أمين المال لـ “GIE”، في اتصال بـ”العمق”، أكد “ع بح”، بأنه قام بإقفال وحدة التبريد، وأن ذلك كان من أجل إعادة عد التمور الموجودة بوحدة التبريد وليس غير ذلك.

ونتج خرق الاتفاق المبرم، بين “GIE” ذات النفع الاقتصادي العام التي يرأسها “ع بح” يوم توقيع الاتفاق، وتضم 34 جمعية وتعاونية مهتمة بإنتاج وتعليب التمور، و”الرويسي”، وذلك بعد حوالي 6 أشهر من وضع الاتفاق يقول الرويسي، في تصريح لـ “العمق”، “في تشريد 120 عاملا وعاملة، كانوا يعيلون أسرهم، حيث كانوا يشتغلون معنا في تثمين وتعليب التمور”.

وثائق