منتدى العمق

خواطر فوسفاطية 1‎

ذات يوم، بينما كنت منشغلا بعملي في ورشة ستصبح لاحقا المقر المركزي للصندوق المغربي للتقاعد، جاءني هاتف يخبرني بضرورة الالتحاق بمركز تكوين الفوسفاطيين بعد نجاحي في المباراة الكتابية…

الفوسفاط عنوان الاستقرار الأسري والمادي، في البداية تكتمت على الأمر مخافة أن ينزعج مسؤولي المباشر في العمل ويعوضني للتو بعامل آخر، وأنا الذي كنت لقلة ذات يدي أحتاج لبعض الأيام من العمل حتى أوفر مالا إلى حين الموعد…

مر علي اليوم الموالي كأنه عقد من الزمن، وجدتني في استهداف مستمر، هواجسي تطعنني بعمق؛ الأسلاك الكهربائية كأنها تترصدني بصعقة مميتة، الرافعة الحديدية هي الأخرى تتحين الفرصة لتهوي علي، الدرج العالي بدوره ينظر إلي بنظرات الغدر، كل شيء في البناية يريد الانتقام مني لسبب لا أعرفه، الأهم هو أن ذاك اليوم مر بلا غالب ولا مغلوب…

في الصباح الباكر قررت الاستسلام لهواجسي، فأفصحت عن نواياي للزملاء وخاصة المسؤول المباشر الذي تأسف لمغادرتي، حجزت أول تذكرة في أول حافلة ستغادر الرباط نحو مركز اليوسفية حيث الثكنة العسكرية بلبوس فوسفاطي، أمضيت هناك تدريبا هو أشبه بحكم قضائي بالأعمال الشاقة…

قال لي يوما أحد العمال ضحايا سنوات الرصاص في غير مناسبة، ماذا علموك في المدرسة؟؟ أجبته بأنها علمتني كيف أجيبه على هذا السؤال…رد علي بجفاء إذن أنتم لا تتقنون سوى الكلام، بل أنتم صبيان من ورق وأقلام، واسترسل الرجل المسن واعظا إياي؛ فإذا لم تعلمك مدرستك كيف تأكل من يريد أكلك، وكيف تجعل من طعامك طعما للآخرين، فأنتم مجرد عظام نخرة هي أقرب إلى طباشير…

قلت له إنك رجل غريب للغاية!! قال ويحك لو سمعك “قدور” لما عرفت أمك وجهك من قفاك، قلت له إلى هذه الدرجة…قال وأكثر، أنتم أغرار تحسبون أنفسكم فلاسفة الزمن الجميل، هنا في العمل ينطبق عليكم كما ينطبق على غيركم قانون الغاب، إذا اعتدى عليك أحد، ما عليك إلا أن تستدرجه إلى مكان خال ثم اُهْو عليه بعمود حديدي نحو النصف السفلي من جسمه تحديدا، حتى تؤلمه قبل أن يؤلمك، وإياك أن يراك أحد…قلت وإذا مات الرجل؟؟ قال حينذاك لا تقل للمسؤولين إني أنا الذي علمتك هذا الفعل… يتبع