منتدى العمق

إلى السادة رجال السلطة المحلية والأمنية بمدينة مراكش .. إبتسموا رعاكم الله‎

من علامات الرقي أن يلقى الإنسان أخاه الإنسان بتحية طيبة ووجه بشوش، فرد السلام واجب في الإسلام، والبدء به طاعة وقربة، وابتسامتك في وجه أخيك صدقة، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم.

عندما يبدؤك شخص بالسلام أو يتبسم في وجهك، فإن صدرك ينشرح له لا محالة، فتطمئن له نفسك وتتقارب بينكما المسافة وتزول الكلفة، كما أن الابتسامة في وجه الإنسان وإلقاء التحية عليه من شأنهما أن يدخلا عليه الفرح والسرور، وهذه أيضا طاعة وقربة لله تعالى، أما الذي يبخل بالتحية ويبخل بطلاقة الوجه على الآخرين رغم أن هذا لا يكلفه شيئا، فلا شك سيبخل عليهم بشتى أنواع المعروف، هذا المفهوم يتماشى تماما والقول المأثور: “أطلبوا الحوائج عند حسان الوجوه” أو “التمسوا الخير عند حسان الوجوه”، فلو فرضنا أن للإنسان حاجة سيطلبها من أحد شخصين بشوش وعبوس، فلا شك سيطلبها من البشوش لأنه سيتوسم فيه الخير أكثر من ذي الوجه العبوس.

وإذا كان خفض الجناح وإلقاء السلام وبشاشة الوجه مطلوبا من الإنسان تجاه أخيه الإنسان بشكل عام، فإن هذه الاخلاق أشد طلبا في حق رجال السلطة المحلية ورجال الأمن اتجاه المواطنين، لأن الترحيب وحسن الاستقبال يترك أثرا عميقا في نفسية المواطن ربما لا يقدره بعض رجال السلطة المحلية والأمنية بمراكش حق قدره، إذ قد يدخلون عليك السرور بحركة أوكلمة طيبة قد لا يلقي لها بالا، وقد يغضبك ويجرح كرامتك أيضا بحركة أو كلمة سيئة ربما بقصد أو بغير قصد، والأكثر من ذلك أن بعض رجال السلطة المحلية ورجال الأمن بمدينة مراكش لا ينظرون إلى المواطنين بوجه عبوس فقط، بل بوجه مخيف ومرعب وكأنه يريد قبض أرواحهم أو قطع أرزاقهم.

وهذا ما حدث معي بالفعل من خلال تجربتين مختلفتين متناقضتين مررت بهما.

التجربة الأولى: حدثت معي لما قصدت إحدى الدوائر الأمنية بمدينة مراكش لغرض إداري فسألت ظابطا حينها عن ما علي فعله، ولأن الإجراءات كانت غير مفهومة بعض الشيء، اضطررت لتكرار السؤال، إلا أن ذالك الظابط ضاق ذرعا بسؤالي العادي والمشروع جدا، فانفجر في وجهي قائلا: “أسيدي راه اللي عندي قلتو ليك…وراني عييت بالهدرة…النهار كامل وأنا كنهدر…!!!”. لم أكن لأحتمل طريقة رده، فقلت له: “لم أسألك شوقا إلى سماع صوتك، لقد سألتك سؤالا له علاقة بعملك ومن واجبك أن تجيب المواطنين بأدب واحترام وإذا كنت عاجزا عن ذلك فابحث عن عمل آخر”.

ورغم أن هذه التجربة مرت عليها سنوات، إلا أنها لا تزال عالقة في ذهني لأنني أحسست من خلالها بالإهانة وسوء المعاملة.

وإذا كانت هذه التجربة تركت كل هذا الأثر في نفسي، فما هو الأثر الذي قد تتركه مثل هذه التصرفات في نفوس أناس لم تكن لهم الاستطاعة في الرد على أمثال هذا الظابط.

التجربة الثانية: مررت بها لما قصدت ولاية جهة مراكش آسفي من أجل مؤازرة سيدة عجوز حرمت من “گريما” خاصة بها، أخدت بيدها إلى القسم الولائي المختص في هذا الموضوع من أجل الاستفسار والحصول على سبب مقنع لحرمان هاته السيدة من “الگريما” الخاصة بها، فلم أحصل على جواب مقنع، فلم أجد أمامي من باب سوى أن أطرق باب والي الجهة آنذاك وهو الوالي محمد مهيدية. قصدت باب مكتب ديوانه طالبا لقاءه بشكل استعجالي، وهو ماكان بالفعل واستجيب لطلبنا فورا بدون أخذ أي موعد، ثم بعد دقائق قليلة من الانتظار ولجت مكتب والي الجهة، كان أول لقاء في حياتي مع والي جهة، تركت مسافة مترين بيني وبين مكتب سعادته، وبعد أن ألقيت عليه السلام من بعيد، وقبل أن أشرع في ذكر حاجة السيدة التي جئت لمؤازرتها، فاجأني الوالي مهيدية بتحركه تجاهي ومده يده ليصافحني، وقبل رأس تلك السيدة العجوز التي هضم حقها!!!!، ارتبكت قليلا وأحسست بشيء من الخجل لأن الأدب كان يقتضي مني أن أبدأه أنا بالمصافحة، كوني أنا من قصدت مكتبه، بعد المصافحة وما صاحبها من تحية وسؤال عن الأحوال وابتسامة لم تفارق وجه الوالي خلال لقائي معه، أخذ مني الوثائق التي كانت معي والتي تخص تلك السيدة العجوز فاطلع عليها ثم نادى على مدير ديوانه وأمره أن يقف بجانب تلك السيدة ويساعدها لقضاء حاجتها.

قبل أن أنصرف من مكتب الوالي، ونظرا للانطباع الذي تركه حسن استقباله هذا في نفسي قلت له: أعتذر لسعادتك عن عدم بدئك بالمصافحة، فلم أفعل ذلك تكبرا ولا جفاءا ولو كنت دخلت على شخص آخر من غير رجال السلطة لصافحت، لكن تجاربنا وثقافتنا -مع الأسف- علمتنا أن رجال السلطة ليسوا كباقي الناس، لهذا السبب لم أجرء على بدئك بالمصافحة خوفا من أي ردة فعل قد تجرح كرامتي كأن تترك يدي مبسوطة دون رد المصافحة، لكنك فاجأتني بتواضعك وحسن خلقك، فشكرا لك سعادة الوالي وكم أتمنى لو كان كل مسؤولي وموظفي الإدارة العمومية بهذا المستوى من الخلق والتواضع، الله يكثر من أمثالك، فتبسم في وجهي ضاحكا مجيبا إياي “حنا أسي ياسين كنطبقوا غير التعليمات ديال سيدنا الله ينصرو لا أقل ولا أكثر وهذا واجب”.

انصرفت من مكتب سعادته منشرح الصدر متسائلا بيني وبين نفسي:

-هل يتلقى رجال السلطة المحلية والأمنية تكوينات في مجال عملهم قبل أن تسند إليهم أي مهام؟

-إن كان هناك تكوين، فهل يتضمن هذا التكوين تدريب رجال السلطة المحلية والأمنية على مهارات التواصل مع المواطنين وكيف يجب أن يتم استقبالهم والتعامل معهم؟

-لماذا يختلف استقبال رجال السلطة المحلية والأمنية للمواطنين وتعاملهم معهم إذا كانوا قد مروا من نفس التكوين؟ فالبعض يستقبلونك بالحفاوة والترحيب، بينما يستخسر فيك بعضهم حتى النظرة والابتسامة؟

وإنني في هذا المقال لا أعمم طبعا، فمن رجال السلطة المحلية ورجال الأمن بمدينة مراكش من يحسنون استقبال المواطنين ويخلصون في قضاء حوائجهم وقد ذكرت تجربتي مع الوالي محمد مهيدية تنويها بهذه النماذج، لكن لا أحد ينكر أن من رجال الأمن ورجال السلطة المحلية بمدينة مراكش أيضا من يجعلك تكره ولوج الإدارة بسوء استقبالهم وسوء معاملتهم.
ورغم أنه قد تكون أحوالهم الخاصة كعدم الرضى عن ظروف العمل أوالمعاناة نتيجة لمشاكل أسرية مثلا هي السبب وراء ذلك، إلا أن هذا كله وغيره لا يبرر سوء استقبالهم للمواطنين الذين لا ذنب لهم فيما قد يعانون من أحوال.

ختاما، السادة رجال السلطة المحلية والأمنية بمدينة مراكش لا تنسوا حديثي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خير من نهتدي به :

الحديث الأول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق” .

الحديث الثاني : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه فيها بغير حق، أخافه الله يوم القيامة”.

إذن إبتسموا رعاكم الله، ولكم في الخلق الجميل للوالي الحالي لجهة مراكش آسفي السيد كريم قسي الحلو خير مثال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *