خارج الحدود

10 سنوات على الثورة السورية.. 400 ألف قتيل والأسد باق على “عرش من الدم”

يخلد السوريون اليوم الذكرى العاشرة لانطلاق ثورتهم ضد نظام الأسد، والتي سرعان ما تحولت إلى حرب دموية خلفت واحدة من أسوء مآسي القرن الواحد والعشرين، بعدما حصدت في 10 سنوات أرواح زهاء 400 ألف سوري، وتسببت في تهجير نصف الشعب، نصفهم نزحوا إلى خارج البلاد.

ففي ذكرى العشرية الأولى للثورة السورية، يتذكر الجميع الشعار الذي رفعه أنصار رئيس النظام السوري: “الأسد أو نحرق البلد”، وهو الشعار الذي يبدو أنه أصبح واقعا على الأرض، حيث الدماء والدمار الذي لم يميز بين منزل ومسجد ومستشفى ومدرسة، في حين لا يزال الأسد جالسا على “عرش من الدم”.

ورغم أن المعارك هدأت نسبيا في الأشهر الأخيرة، إلا أن مصير البلاد لا زال غامضا، في ظل استمرار نظام “اغتال شعبا كاملا” وفق وصف معارضيه، في حين أن من نجا من الموت والتعذيب والتهجير، غرق في أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، وسط أضرار هائلة بالبنى التحتية استنزفت الاقتصاد المنهك أصلا.

تفاصيل الحكاية تعود إلى مارس 2011، حين رسم أطفال على جدران مدينة درعا السورية عبارة “جاء دورك الآن يا دكتور”، في إشارة إلى بشار، لتقوم قوات الأمن باعتقالهم وتعذيبهم، قبل أن تندلع على إثر ذلك شرارة الثورة التي واجهها النظام بالدماء، وتحولت بعد ذلك إلى حرب بالوكالة فوق الأراضي السورية.

وبعد مرور 10 سنوات، يواصل السوريون إحصاء خسائرهم المستمرة، نحو 400 ألف قتيل (غالبيتهم على أيدي النظام والمليشيات الموالية له وروسيا وإيران)، اعتقال نحو 100 ألف شخص، وقتل نحو 100 ألف آخرين تحت التعذيب، وتهجير زهاء 11 مليون شخص من منازلهم، نصفهم غادروا البلاد (ثلثهم أطفال أقل من 11 عاماً، وفق مفوضية اللاجئين).

وأطلق نشطاء الثورة السورية خلال الأيام الجارية، حملة إلكترونية بعنوان “تجرأنا على الحلم ولن نندم على الكرامة”، للتأكيد على استمرارهم في النضال، في وقت خرجت فيه مظاهرات داعمة للثورة بعدة مناطق، اليوم الإثنين، وصدرت 60 هيئة ثورية سورية، بيانا مشتركا، أعلنت فيه رفض أي مساومة تتعلق بإسقاط الأسد.

الحصيلة في أرقام

المرصد السوري لحقوق الإنسان، سجل في حصيلة للأحداث الدامية التي تعيشها سوريا منذ 15 مارس 2011 إلى اليوم، مقتل 389 ألف شخص، منهم 117 ألف مدني، من بينهم 22 ألف طفل، و14 ألف امرأة، و81 ألفا من الرجال، مشيرا إلى أن آلة الحرب لم تفرق بين رجل أو امرأة أو طفل.

وأوضح المرصد أن المدنيين في صدارة القتلى، مشيرا إلى وجود عشرات الآلاف من المواطنين الذين توفوا تحت التعذيت في معتقلات النظام السوري، ومقاتلي حزب العمال الكردستاني، والمختطفين على يد تنظيم “داعش”، فيما أسفرت الحرب عن إصابة أزيد من مليوني شخص، أغلبهم بعاهات مستديمة.

الحرب التي استخدم فيها النظام السوري إلى جانب حليفه الروسي والإيراني، أسلحة ثقيلة ضد المدنيين، عرفت قصفا مدمرا للأحياء السكنية في عدة مدن سورية، خاصة بالصواريخ والبراميل المتفجرة، فيما تم تهجير 11 مليون شخص إلى مناطق اللجوء والنزوح داخل البلاد وخارجها.

ويعيش أزيد من ستة ملايين سوري داخل البلاد في مخيمات للاجئين، في حين نزح إلى خارج سوريا نحو 5.5 ملايين شخص، وفق الأمم المتحدة، أغلبهم إلى تركيا ولبنان والأردن، بينما تقول الأمم المتحدة إن مليوني سوري يعيشون في فقر مدقع، ويكافح نحو 13 مليون لإيجاد طعام يسد رمقهم كل يوم.

وفاقم التدخل الروسي من مآسي الحرب السورية، حيث قتلت الطائرات الروسية قرابة 9 آلاف مواطن، بينهم 2000 طفل و1300 امرأة، حيث نفذت مئات الغارات طيلة 65 شهرا، مع انتشار آلاف الجنود الروس في أنحاء سوريا دعما لقوات النظام السوري، وهو التدخل الذي ساهم في بقاء الأسد في الحكم.

المرصد السوري لحقوق الإنسان يرى أن روسيا تستخدم في ضرباتها الجوية مادة “الثراميت” التي تتألف من بودرة الألمنيوم وأكسيد الحديد، وتتسبب في حروق لكونها تواصل اشتعالها لنحو 180 ثانية، وهي قنابل عنقودية حارقة تزن نحو 500 كيلو غراما، تلقى من الطائرات العسكرية.

وكشف المرصد أن السلاح الكيميائي استخدم في سوريا منذ بدء النزاع، 38 مرة وفق الأمم المتحدة، 32 منها منسوبة للنظام السوري، فيما تمكن نظام الأسد بدعم حليفيه الروسي والإيراني وميليشيات حزب الله اللبناني، من استعادة مناطق مهمة سيطرت عليها فصائل مسلحة في المراحل الأولى من الثورة.

وأدى إعلان الأكراد تأسيس الإدارة الذاتية في شمال سوريا، إلى تدخل القوات التركية التي أطلقت عمليتي “درع الفرات” في عام 2016، و”غصن الزيتون” في 2019، لوضع حد للوجود الكردي على الشريط الحدودي السوري التركي، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى.

ورغم أن الفصائل المسلحة المعارضة كانت في البداية تصوب بندقيتها صوب النظام وحلفائه، إلى أن النزاعات والصراعات بينها من جهة، وبينها وبين النظام من جهة ثانية، خلف بدوره سقوط آلاف القتلى والجرحى، خاصة من طرف تنظيم “داعش” التي كان قد سيطر على مناطق شاسعة، وكذا “قوات سوريا الديمقراطية”.

وتسببت الحرب أيضا في تغييرات ديموغرافية كبيرة وأعادت رسم خارطة النفوذ والسيطرة، إذ بات يعيش 11 مليون من السكان في مناطق تخضع لسيطرة النظام، مقابل نحو 3 ملايين في مناطق المعارضة بإدلت ومحيطها، و2.5 مليون في مناطق الإدارة الذاتية الكردية، وفق “فرانس برس”.

عقوبات دولية

وفي ذكرى عشرية الثورة السورية، قرر الاتحاد الأوروبي تجديد العقوبات ضد النظام السوري انطلاقا من ماي القادم، معتبرا أن الصراع السوري لا يزال بعيدا عن الحل، داعيا النظام السوري وحلفاءه إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن.

ودعا ممثل السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أمس الأحد، لإنهاء “القمع والإفراج عن المعتقلين”، مشددا على أن “القمع الوحشي الذي يمارسه النظام للشعب السوري وفشله في معالجة الأسباب الجذرية للانتفاضة أدى إلى تصعيد الصراع المسلح وتدويله”.

وأوضح جوزيب أنه “لا حل في البلاد إلا عبر الخيار السياسي”، مضيفا: “المساءلة عن جميع انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان ذات أهمية قصوى كشرط قانوني وعنصر مركزي في تحقيق السلام المستدام والمصالحة الحقيقية في سورية”.

بدورها، أعلنت بريطانيا اليوم الاثنين، عن فرض عقوبات جديدة على سوريا، تشمل مقربين من الرئيس السوري بشار الأسد، إذ قال وزير الخارجية دومينيك راب، إنه تم فرض عقوبات على ستة من حلفاء الأسد بينهم وزير خارجيته فيصل المقداد ومستشارون مقربون.

وتشمل قائمة العقوبات أيضا مستشارة الأسد لونا الشبل والممول ياسر إبراهيم ورجل الأعمال محمد براء القاطرجي وقائد الحرس الجمهوري مالك علياء والرائد في الجيش زيد صلاح.

سيناريوهات أردوغان

واليوم الإثنين، خيَّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الدول الغربية بين ثلاثة خيارات بخصوص الأزمة السورية، أولها التزام الصمت حيال ما يجري من مأساة في سوريا، والتسبب في مقتل مزيد من المدنيين، مبيناً أن هذا الخيار يولّد مزيداً من الفاعليات الإرهابية ويُضعِف القيم الأخلاقية للغرب ويتسبب في مزيد من الهجرة.

وقال أردوغان إن هذا الخيار سيُلحِق أيضاً أضراراً بالاستقرار السياسي في أوروبا وسيزعزع أمن المجتمع الدولي، مشيرا إلى أن الخيار الثاني يتمثل في بذل الجهود كافةً، العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، لتحقيق حلّ دائم للأزمة السورية، في حين أن الخيار الثالث والأكثر عقلانية، هو دعم الغرب لتركيا واتخاذ موقف واضح من تنظيم”PKK/YPG”، حسب قوله.

وتابع قائلاً: “عدم تقاسم الأعباء مع تركيا قد يولّد موجة هجرة جديدة نحو أوروبا، ونطالب العالم الغربي بتقديم دعم حقيقي لمشروع السلام في سوريا”، دعيا الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى العمل مع تركيا لإنهاء المأساة الإنسانية في سوريا، وذلك في مقالة كتبها أردوغان لصحيفة “بلومبيرغ” الأمريكية بمناسبة مرور 10 أعوام على الثورة السورية.

وأوضح أردوغان في هذا الخصوص: “على إدارة بايدن الوفاء بوعودها والعمل معنا لإنهاء المأساة في سوريا”، مضيفا أن الشعب التركي يؤمن بأن إقامة نظام سياسي قادر على تمثيل جميع السوريين ضروري لإحلال السلام والاستقرار مجددا، مشددا على أن إعادة تأسيس السلام والاستقرار في المنطقة (سوريا) مرتبط بالدعم الغربي الأمين لتركيا.

وفي سياق متصل، وجهت وزارة الدفاع التركية طلبا إلى روسيا بضرورة إلزام النظام السوري بوقف إطلاق النار، وعدم استهداف المدنيين في الشمال السوري، وذلك عقب استهداف النظام السوري مساء أمس الأحد، لصهاريج وقود بصواريخ باليستية في منطقتي الحمران وترحين في جرابلس والباب في “منطقة درع الفرات”.

ونشرت وزارة الدفاع التركية في صفحتها على “تويتر” مشاهد لاستهداف الصهاريج في المنطقة. وقالت الوزارة إن النظام السوري الموجود في منطقة مطار كويرس بحلس، أطلق صواريخ باليستية وراجمات صواريخ على مناطق مأهولة بالمدنيين في شمال جرابلس والباب؛ مستهدفا صهاريج وقود، ما أسفر عن إصابات.

“ثورة ضد كل مجرمي العالم”

الصحافي السوري هادي العبد الله الذي يعد أحد رموز الثورة السورية، اعتبر في الذكرى العاشرة للحراك السوري، أن “ثورة الشعب السوري قد خذلت من العالم كله، لأنه لم يتم الوقوف معها بصدق كما وقفت دول مع شعوب أخرى في بداية انطلاق الربيع العربي“.

وأوضح العبد الله في تصريحات لقناة TRT عربي التركية أنه “في بداية الثورة السورية شُكّل ما يسمى أصدقاء الشعب السوري، لكنهم لم يستطيعوا أن يقدموا الدعم الكافي للشعب وأن يمنعوا الدم الذي سفك أو يوقفوا قتله الذي استمر ليل نهار، ولا إيقاف آلة القتل الأسدية“.

وأشار إلى أنّهم “يحملون المجتمع الدولي المسؤولية، ولدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي أعطت الأمل للسوريين في بداية الحراك عندما قالت إن الأسد فقد الشرعية، موضحا، أن “القوى العظمى التي تسيطر على العالم منعت سقوط بشار الأسد“.

وأضاف إن “الثورة السورية انتقلت من ثورة شعب ضد نظام مجرم إلى ثورة شعب ضد كل مجرمي العالم، إذ لم يبق مجرم على الأرض إلا وأتى لقتل الشعب السوري، بدءاً من مليشيات حزب الله اللبناني الإرهابية ومليشيات إيران، ثمّ دخول روسيا بطائراتها على الخط“.

واعتبر الصحفي السوري أن “المعارضة السورية في الخارج لا تمثّل رأي الحراك السوري، لذا فإن السوريين في الداخل والمهجرين من أبناء الشعب لا يتفقون مع طرحهم بما يتعلق بالنظام أو الاتفاق معه على تشكيل دستور جديد“.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *