منتدى العمق

حول ضرورة إسقاط الجرم عن الإفطار في رمضان.

لست بصدد البحث حول ما إن كان الصيام موجودا من عدمه قبل الإسلام أو البعثة المحمدية، أو ما إن كانت الفترة التي وصفها الإسلام و المسلمون”بالجاهلية” ورث عنها الاسلام مسائل عقائدية كالصيام..،وتشريعية كمسألة الإرث..، أو بصدد البحث حول إلزامية النص القرآني”لعباده المؤمنين” بصيام شهر رمضان كما يجر بعض المفكرين و الباحثين النقاش لهذا الاتجاه (ذ.رشيد أيلال على سبيل المثال)، لكون هذه الأسئلة لم تعد لها أية أهمية في هذا العصر لا فلسفيا ولا سياسيا ولا قانونيا ولا اجتماعيا ولا في أسس قيام الدولة الحديثة بعدما انتقل نمط الدين من شكله الجماعي إلى الفردي، ولهذا نعتبرها أسئلة متجاوزة.

إفطار رمضان هو نقاش يتكرر في هذه الفترة من كل سنة هجرية، ويمكن أن نطلق عليه”النقاش الموسمي”، وهو نتيجة إحساس الشباب خصوصاً بنزع حق من حقوقهم من أيديهم، إذ تحول الأكل من حق طبيعي إلى جريمة يعاقب عليها المجتمع و القانون الجنائي المغربي على حد سواء.

ارتأينا كذلك تجاوز سؤالين: من ما المبتغى من السيطرة و الهيمنة على الفضاء العام باسم احترام مشاعر المؤمنين أو زعزعة عقيدتهم؟ و من له مصلحة في ذلك؟ إلى ضرورة إسقاط جرم الإفطار في رمضان من القانون الجنائي، وما هي أبعاده السياسية و الاجتماعية و الثقافية على المجتمع؟ لأن حل هذا الأخير يعفينا من البحث في الأسئلة السابقة.

لابد أولاً أن نذكر أن المجال أو الفضاء العام، باعتباره مجال الصراع هنا، حسب القانون و التعاريف ليس ملكا لفئة من المتدينين بدين معين دون غيرهم من المتدينين بدين آخر، أو هو ملك لأحدهما أو لهما معا دون الفئة غير المتدينة، إنما هو ملك لكل من يحمل الجنسية المغربية بل وحتى السياح الأجانب أيضا، حيث يتفاعل فيه الأفراد و الجماعات، وفيه يتجسد الفعل الاجتماعي، وهو مساحة عامة للتفاعل تتسع لاختيارات الأفراد و حرياتهم ما لم تمس الغير لفظيا أو ماديا، كما أنها لا تأخذ بعين الاعتبار مشاعر و نفسية من يتضايق حينما يرى من يمارس حريته في الفضاء العام (مثلا:الرياضة،و الفن،و اللباس،و السباحة،و الأكل،و تسريحات الشعر…) بل ينبغي على السلطة القيام بدورها الحقيقي بالتدخل لحماية الأفراد من أي خطر يهدد سلامتهم، وليس العكس بأن تتماهى مع سيكولوجية المتضايق نفسيا على حساب حريات المواطنين ذوي التوجه الحر المخالف لما هو سائد.

إن الذين يريدون تنميط المجتمع على نمط وشكل واحد، ويفرضون ممارسات تراثية على جميع المواطنين، إشكاليتهم ترجع بالأساس لعدم قدرتهم على وضع الدين في موقعه الحقيقي إذ هو مجال خاص يخص الفرد لوحده، وبذلك يجرون الدين إلى ساحة النزاع مع القيم و الممارسات اليومية للأفراد في المجال العام، و يوضع الدين في هذه الحالة محل نقد و تساؤل في غنًی عنه. وبالتالي يصير السعي لتوسيع هامش الحرية و احترام اختيارات الأفراد كما تنص الدولة في منهاجها التربوي على مبدأ حرية الاختيار خيارا لا رجعة فيه، و بالمناسبة فمن المتناقضات التي تصب في جوهر موضوعنا أن تربي متعلما على حرية الاختيار وبعدها تعاقبه على اختياراته.

قلنا أنه خيار لا رجعة فيه لأنه السبيل الوحيد لتخليص ذهنية المواطن المغربي التي ترفض الاختلاف و التفكير خارج نطاق المرجعية السائدة من فكر الصراع إلى التمازج و اللهجنة، ونضج الخلاف ليغدوا اختلافا يرفد الفكر بالتنوع و الرؤى المتكاملة كما يكسر رغبة الهيمنة و الاحتكار بما فيها احتكار المجال العام،و سيقوم بتعويد العقل المغربي على الحوار وقبول الآخر المختلف ومناقشته في جو هادئ بعيدا عن خطاب الكراهية و التكفير و التحريض، ما سيولد أفكارا جديدة و ينمي ملكة الإبداع.
لهذا فالدولة مطالبة بتغيير أنظمة شهر رمضان لتساير برامج الحداثة و الحرية بحذف العقوبات الجنائية المتعلقة بإفطار رمضان، وندعو كذلك شيوخنا أن يقرأوا القرآن مرة أخرى ليرو أن الآية «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» تخص المؤمنين بالإسلام وحدهم، وعليهم تقبل حقيقة مفادها أننا مغاربة منا مؤمنون بديانات مختلفة ومنا أيضاً من لا يؤمن بما تؤمنون به، لذا لا يعنيهم ولا يلزملهم ما يعنيكم في أمور دينكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *