وجهة نظر

رمضان شهر عظيم.. فهل أعددت له خطة؟

بسم الله،

عشت رمضانات عدة، وكلما أوشك أن يهل علينا هلال رمضان أَزداد يقينا أن لهذا الشهر شأنا عظيما. وفي ذلك قول رسول الله ﷺ: “إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، و لله عتقاء من النار وذلك كل ليلة”[1]. فلا شك أن ريح الجنة ونداء المنادي يكون له وقع على فطرتنا، فترى عصاة يكفون وأناسا يتوبون ومبادرات تزيد وقلوبا تلين.
لا أنسى كلام أحد الدعاة وهو يُحدثنا في إحدى دروسه: “رمضان أقوى مؤثر وداعية، انظر كم تمتلئ المساجد وكم تكثر الأُعطيات، فلا تجد هذا الأثر عند أقوى المؤثرين في العالم أو من لهم ملايين المتتبعين.” فهو شهر عظيم لا يتحكم فيه ملوك الأرض ولا أرباب المال والأعمال، هو شهر الله المُعظم.

يقولون إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ومنه يمكن القول إن تعاملنا مع أي أمر إنما هو نتيجة تصورنا له، وهذا ما يجعل أثر رمضان يختلف وتختلف عاداته وأيامه وبرامجه من شخص لآخر. فكان لا بد أولا أن نفهم ما هو رمضان؟

و ليكون لنا تصور صائب عنه، فإن السبيل المختصر لذلك هو أن نسأل صاحب الشهر و الواضع لكل تفاصيله… الله عز وجل، وببحث يسير نجد أن كلمة رمضان وردت في القرآن مرة واحدة ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185]. أما في السنة (بيان الوحي) فأحاديث كثيرة منها : عن واثلة بن الأسقع- رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: “أُنزِلَت صحُفُ إبراهيمَ أولَ ليلةٍ من رمضانَ، وأُنزلَت التوراةُ لستٍّ مَضَين من رمضانَ، وأُنزِلَ الإنجيلُ لثلاثِ عشرةَ ليلةً خلَتْ من رمضانَ، وأُنزلَ الزَّبورُ لثمانِ عشرةَ خلَتْ من رمضانَ، وأُنزِلَ القرآنُ لأربعٍ وعشرين خلَتْ من رمضانَ”[2].

من خلال هذه النصوص يمكن أن نقول إن رمضان شهر تاريخي كوني لتخليد ذكرى نزول الوحي، و أهم ما فيه هو نزول القرآن، رمضان احتفال وفرح بهذا الكتاب الفريد (هل على الأرض كتاب آخر يمكن لأحد أن يدعي أنه كلام الخالق؟). و نجد في محيطنا ومما علِق في تصوراتنا أن رمضان شهر الصوم والصدقة والخيرات والغفران…كل هذا حق، لكن، أليس مراد الله تعالى أن وضع لنا شهرا في السنة، 30 يوما متتابعة خالصة ليحدث لنا الاتصال بوحيه وكلامه؟ لنتصل بما تحتاجه الروح، بما يحيي القلب و يجعله يهتدي، فإذا صلح القلب صلح كل شيء فينا.

ثم إن عبد الله بن عباس يهدينا وصفا جميلا لحال الرسول القدوة خلال رمضان، فيقول : “كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ حِينَ يَلْقاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ يَلْقاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ فيُدارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ” [3]. فكأن رسول الله يزداد جودا فرحا بأمران : لقاء أمين الوحي جبريل عليه السلام و تدارس القرآن معه.

و منه فوجب أن نحذر الانشغال عن القرآن خلال مضان و لو بأعمال الخير الأخرى. و بما أنه أيام معدودات، فمن البديهي أن يكون السؤال كيف أغتنم إذن؟

أقول، أنه وجب أن نستعمل الطريقة التي نعتمدها في انجاز المشاريع : أضع أهدافا و عزائم + أضع تلك الأهداف في سلم الأولويات + أضعها في خطة زمنية + أحمي الأهداف من المخاطر الممكنة.

العزائم و سلم الأولويات :

أن أكتب (استعمال القلم مهم جدا) تلك العزائم التي تهفو نفسي إليها و أضعها وفق سلم الأولويات :
أن أركز على الأمور المهمة أو لا و ليس الهوامش (و الأمر المهم في رمضان هو تجربتي مع القرآن).
عزائم تناسبني و ليس كل ما يصلني عبر وسائل التواصل و ما يتحدث عنه الناس و حتى الدعاة، كلٌّ أدرى بنفسه، فهناك من ينتظر رمضان ليتذوق قيام الليل بالقرآن، و هناك من تتشوق نفسه لفهم سورة يحبها، و هناك من يطمع أن يهجر عادة تقض مضجعه، أو من يرغب في اصلاح علاقته بمحيطه …
أن تكون العزائم واضحة و تناسب قدراتي، لأن رمضان ليس شهرا سحريا سوف يُصلِح فيَّ كل شيء في لمح البصر (مثلا قبل رمضان لا أتلو القرآن إلا نادرا، في رمضان أبدأ بتلاوة نصف حزب ثم أزيد يوما بعد يوم).
العزائم في الخطة :
الخطة هي وضع تلك العزائم المرتبة حسب الأولويات في جدول زمني يشمل كل أيام رمضان بأيامه و لياليه.
أن أركز و لا تفوتني الأوقات المهمة (مثل السحر و قبيل الافطار و الأوقات التي أحس خلالها بنشاط و الاقبال).
أضع خطة تصاعدية، أن تكون البدايات خفيفة ثم يزداد الاجتهاد حتى يكون في ذروته خلال العشر الأواخر.
المرونة التي بها يمكنني التنازل عن بعض الأمور لما هو أهم منها (قد لا أعد مائدة إفطار كاملة كل يوم إذا كنت أحتاج لقسط مع الراحة لرعاية أهلي و الاستعداد لقيام الليل مثلا).
أن أتجنب الفراغ الكثير رغم أن النفس دائما تميل إلى الرغبة في الراحة، ذلك أن الفراغ عامة يعمر بأعمال غير مهمة و يترتب على ذلك نوع من الحسرة.
أحمي أهدافي من المخاطر الممكنة :
استفدت كثيرا في هذا الأمر من فقرات من كتاب ‘الذين لم يولدوا بعد’ لكاتبه أحمد خيري العمري [4]. كما أنه قد يصيبنا بعض الفتور في رمضان أو ما يمكن أن نسميه ‘اصطدام الأحلام بالواقع’، و من المخاطر التي قد تفسد علينا شهرنا :
البطن، و ما يدور في فلكه من تسوق و اسراف و تفنن في الأطعمة و الأشربة، و نتيجة ذلك من ضياع الأوقات و ثقل البطن على حساب اجتهاد الروح (أنظر أيضا مقالة ‘رمضان بين الجود و الإسراف’ للدكتور أحمد الريسوني).
العين، و قد كثرت المواد الاعلامية المستهلكة النافع منها و غير النافع. و بالتجربة المحتوى الفارغ و التافه يهوي بالعزائم و يفشلها و يذهب بالتركيز.
بعض الاخفاقات في العزائم أو الأهداف المنشودة قد يتسبب في الوهن و الفتور، و هذا من سنة الحياة و الله يريد منا بذل الوسع و مجاهدة النفس لأنه سبيل تزكيتها. و قد قال الزيت للماء: “أنت تجري في رضراض الأنهار على طلب السلامة، أما أنا فإني صبرت على الطحن والعصر، وبالصبر يرتفع القدر”.
ختاما إن رمضان من أجَلِّ و أروع و أنجع الدورات و المعسكرات التدريبية، فلنكن فيه من المجتهدين الغانمين.
هذا جهد و السداد من الله.
أفكار الغرض مشاركتها و تجويدها، فإن كانت مفيدة فخيرا و إلا فلطفا أن تصوب.
—————
[1] (رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني)
[2] (الألباني – إسناده حسن رجاله ثقات)
[3] (رواه البخاري في صحيحة)
[4] (http://akomari.com/wp-content/uploads/%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%85-%D9%8A%D9%88%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF.pdf)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *