سياسة، ملف

استقبال غالي وتصعيد بوريطة.. هل تنتهي “أيام الهدوء” بين المغرب وإسبانيا؟

تمر العلاقات المغربية الإسبانية من فترة أزمة تنذر بتداعيات سياسية بين البلدين بسبب استقبال الجارة الشمالية للمغرب لزعيم جبهة “البوليساريو” الانفصالية بهوية مزورة ودون إخبار أو تنسيق مع الرباط، وهو ما أثار حفيظة الخارجية المغربية التي تساءل وزيرها بالقول: “هل ترغب إسبانيا في التضحية بعلاقتها مع المغرب من أجل هذا الشخص؟”.

فالرغم من محاولة وزيرة الخارجية الإسبانية إظهار أن علاقات بلادها مع المغرب لن تتأثر بعد استقبال زعيم الانفصاليين، ووصف المغرب بأنه “شريك مميّز لإسبانيا في المجال الاقتصادي والسياسي وفي ميادين الهجرة ومكافحة التغير المناخي”، إلا أن الخروج الأخير لناصر بوريطة كشف حجم الخلاف بين البلدين، في وقت تواصل فيه الرباط “تعليق” الاجتماع رفيع المستوى بين البلدين.

ويرى متتبعون أن ما أقدمت عليه إسبانيا كان خطأ فادحا وكبيرا قد ينهي “أيام الهدوء” التي تعيشها العلاقات المغربية الإسبانية منذ مدة، خاصة أن استقبال غالي ينضاف لمواقف سلبية أخرى اتخذتها مدريد مؤخرا بخصوص المغرب، منها وصف الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء بـ”الخطوة الانفرادية”، والاحتجاج على تصريح رئيس الحكومة المغربية بخصوص قضية سبتة ومليلية.

وبالرغم من أن إسبانيا تروج لنفسها كدولة تتمتع باستقلالية مطلقة للقضاء، خاصة في ظل محاكمة عدد من رموز النظام الملكي الحاكم، بمن فيهم الملك السابق الذي يوجد خارج البلاد، إلا أن “تعطيل” المتابعة القضائية بحق إبراهيم الغالي المبحوث عنه من طرف العدالة الإسبانية، يمس بصورة استقلالية السلطة القضائية بإسبانيا.

وتعتبر الرباط أن موقف مدريد حول قضية الصحراء المغربية غير واضحة ويلفها الغموض، مقابل مواقف ثابتة وصريحة للمملكة بخصوص انفصال إقليم كتالونيا، ترفض فيه بشكل مطلق المس فالوحدة الترابية لإسبانيا، وهو ما لا تقابله مدريد بنفس الموقف، في حين يرى متتبعون أن موقف إسبانيا سيكون حاسمًا في نزارع الصحراء باعتبارها الدولة المستعمِرة سابقا لتلك المنطقة.

وكانت تقارير إعلامية إسبانية قد كشفت عن تواجد إبراهيم غالي بأحد المستشفيات الإسبانية من أجل العلاج من فيروس “كوفيد 19″، حيث دخل البلاد بهوية مزورة تعود لاسم جزائري، قبل أن تُقر وزيرة الخارجية الإسبانية بالأمر وتبرر استقباله بـ”دواعي إنسانية وصحية”، فيما وضعت هيئات وشخصيات دعاوى قضائية ضد زعيم الانفصاليين من أجل اعتقاله.

خطوة ليست منعزلة

المحلل السياسي وعميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان، محمد العمراني بوخبزة، اعتبر أن الحكومة الإسبانية أخطأت اللحظة وجانبت الصواب بشكل كبير جدا، على اعتبار أنها مست بأحد أسسها التي تروج لها، وهي أنها دولة المؤسسات والحق القانون واستقلالية القضاء، في حين مست الحكومة بهذه الشعارات عندما استقبلت غالي بطريقة العصابات عبر استعمال وثائق مزورة.

ويرى بوخبزة أن ما أقدمت عليه إسبانيا ستكون له انعكاسات على العلاقات مع المغرب، مشيرا إلى أن قبولها بدخول غالي بمثابة إعلان موقف سياسي بخصوص قضية الوحدة الترابية للمملكة، رغم أنها تروج لالتزامها بالقرارات الأممية في هذا الملف، مشددا على أن إسبانيا مطالبة بتصحيح هذا الخطأ الفادح واتخاذ خطوات في هذا الصدد.

وأوضح المتحدث في تصريح لجريدة “العمق”، أن إسبانيا بهذه السلوكيات كأنها تتموقع في نزاع الصحراء، مشيرا إلى أنها ليست سلوكيات منعزلة، إذ كان رد فعلها سلبيا بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، إلى جانب انتقادها لتصريح رئيس الحكومة المغربية بخصوص قضية سبتة ومليلية.

كما أن خطوة إسبانيا، يضيف بوخبزة، ستكون لها انعكاسات بخصوص طبيعة علاقة حكومة مدريد مع السلطة القضائية، على اعتبار أن حكومة سانشيز تحايلت على القضاء واستقبلت غالي وهي تعلم أنه مبحوث عنه من طرف العدالة الإسبانية، بل ووافقت على استعمال اسم مستعار ووثائق مزورة من أجل دخوله، وفق تعبيره.

واعتبر الأستاذ الجامعي أن المسؤولين الإسبان ما زالوا مرتهنين للفترة الاستعمارية، والسماح بدخول غالي بهوية زورية يكشف أنهم لم يتخلصوا بعد من الخلفية الاستعمارية، وهو ما سيؤثر بدون شك على طبيعة العلاقات مع المغرب الذي أضحى يتمتع بمكانة دولية واستطاع فرض نفسه بسياسة ودبلوماسية مغايرة.

واستدعى المغرب السفير الإسباني بالرباط إلى وزارة الشؤون الخارجية لإبلاغه طلب تفسيرات عن استضافة إسبانيا لزعيم الانفصاليين، معبرا عن أسفه لموقف مدريد التي تستضيف على ترابها متهما بارتكاب جرائم حرب خطيرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ما “يتنافى مع روح الشراكة وحسن الجوار، والذي يهم قضية أساسية للشعب المغربي ولقواه الحية”.

علاقات معقدة

بوخبزة يوضح أن العلاقات المغربية الإسبانية تبقى متشعبة ومعقدة ومحكومة بمجموعة من الملفات، إذ يرتبط البلدان بتاريخ مشترط ورهانات لا يمكن التعامل معها بشكل منفرد، وهو ما يعني أن الجغرافيا والتاريخ حكما على الدولتين بالبحث عن وسائل تسمح بالتعاون والعمل المشترك.

ويشير إلى أن لإسبانيا علاقات مهمة مع الجزائر، إذ تستفيد مدريد كثيرا من الغاز والاستثمارات، وبالتالي تجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ قرارات ترى فيها توازنا بين دولتين متصارعتين، هما المغرب والجزائر، كما أنها تشعر بمسؤولية تاريخية على المنطقة باعتبارها كانت محتلة للصحراء.

كما أن طبيعة النظام السياسي الإسباني لا تسمح للسلطة بأن تملك رؤية واضحة لعدد من القضايا، فرئيس الحكومة يشتغل تحت ضغط حلفائه الذين تتعارض وجهات نظرهم في عدة ملفات، وبالتالي فإن القرارات الحكومية لا تكون متخذة عن قناعة من طرف رئيس الحكومة، علما أن إسبانيا مقبلة على انتخابات ولا أحد يرغب في خسارة جزء من كتلته الناخبة، يقول بوخبزة.

وبخصوص ردة فعل المغرب، يرى المتحدث أن المملكة لا تُصعد وتضع النقط على الحروف فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، غير أن هناك دولا استطاعت أن تفهم سياسة المغرب بشكل جيد في حين أن هناك دولا أخرى لا زالت تحتاج إلى وقت إضافي لتفهم ذلك، حسب قوله.

واعتبر أن تأجيل المغرب لعقد القمة المشتركة وتأجيل زيارة رئيس الحكومة الإسبانية أكثر من مرة، دليل على أن المغرب لا يوجه فقط رسائل، بل يوجه سياسة كاملة يرغب أن يفهمها الطرف الآخر، وهي سياسة غير مرتبطة بقضية واحدة بل بتصور المغرب لمستقبل العلاقات الخارجية مع إسبانيا.

وتابع قوله: “الأمر غير مرتبط بملفات الهجرة والتعاون الأمني وتهريب المخدرات والجريمة العابرة للحدود، بل يتجاوز كل هذا، فالمغرب يريد أن تستوعب الجارة الشمالية أنه يرغب بإقامة علاقات جديدة وفق سياسة جديدة تتجاوز الماضي”، على حسب قوله.

المغرب يُصعد

وكان وزير الخارجية ناصر بوريطة، قد صعد من لهجته تُجاه إسبانيا، واختار وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية “إيفي” للحديث بلغة واضحة بعيدا عن المصطلحات الدبلوماسية، مشيرا إلى أن المملكة لا زالت تنتظر “ردا مرضيا ومقنعا” من طرف الحكومة الإسبانية بشأن قرارها الترخيص لزعيم جبهة البوليساريو.

وتساءل بوريطة بالقول: “هل ترغب إسبانيا في التضحية بعلاقتها مع المغرب من أجل هذا الشخص؟”، مضيفا: “لماذا اعتبرت السلطات الإسبانية أنه لا داعي لإبلاغ المغرب؟، لماذا فضلت التنسيق مع خصوم المغرب؟، هل من الطبيعي أن نعلم بهذا الأمر من الصحافة؟”.

ويرى بوريطة أن هذه القضية “تشكل اختبارا لمصداقية علاقتنا وصدقها، وحول ما إذا كانت تشكل مجرد شعار”، مشيرا إلى أن المغرب لطالما ساند إسبانيا في مواجهة النزعة الانفصالية بكاتالونيا.

وتابع قوله: “عندما واجهت إسبانيا النزعة الانفصالية، كان المغرب واضحا للغاية وعلى أعلى مستوى: حيث رفض أي اتصال أو تفاعل معهم وتم إبلاغ شركائنا. وعندما طلب منا الكتالانيون استقبالهم في الوزارة، طالبنا بحضور شخص من السفارة الإسبانية”.

وشدد الوزير على أنه “مع الشركاء لا توجد مناورات أو طعن في الظهر حول قضية أساسية بالنسبة للمغرب”، مضيفا أنه قبل السير خطوة واحدة إلى الأمام في العلاقات الثنائية “يتعين أولا توضيح الأمور”.

وتساءل أيضا: “هو مغتصب يطبع مع العبودية، والتعذيب، وجرائم الحرب، وتجنيد الأطفال، والإبادة الجماعية، وإسبانيا تعرف كل ذلك قبل أي شخص آخر. فهل ترغب في التضحية بعلاقتها مع المغرب من أجل هذا الشخص؟”، وفق تعبيره.

وبخصوص الشكايات المقدمة من طرف ضحايا إبراهيم غالي، لاسيما الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان والجمعية الكنارية لضحايا الإرهاب، تساءل الوزير “أين العدالة الإسبانية من كل هذا؟، ألم يقرر أي قاض أنه من الضروري التحرك إزاء هذه الشكايات؟”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *