وجهة نظر

مبدأ اليوم .. إما معنا أو ضدنا

يشهد العالم منذ مدة طويلة صراعات ونزاعات لا تهدأ تغذيها دوافع سياسية وأيديولوجية، وأسباب اقتصادية وتجارية، وأحقاد تاريخية تطفو عندما تعززها حوادث مفاجئة، وتوتر سياسي مغلف بمصالح، أسبابها مكشوفة تستهدف التقليل من الآخر عندما تُرغم على تبني قرارات ضد إرادتك وبدون قناعات شعبية، عندما تشتعل الحروب والصراعات غالبا ما يكون الاصطفاف مع طرف معين أو التزام الحياد المسبق حتى يتم اللجوء للمنظمات الدولية كوسيط في حل النزاعات، ونزع فتيل الحروب والصراعات، أو تتحول لداعم ومنخرط بشكل كامل في صراع بدون سند شعبي وإرادة عامة، سوى قراءة سريعة في النتائج والمنافع من الانخراط . ما سمعناه من جورج بوش الابن خلال حرب أفغانستان على القاعدة والجماعة الداعمة لها، كانت بالفعل فكرة ثنائية لا ثالث لها بين الولاء المطلق والإذعان للسياسة الجديدة في تقويض الخطاب المضاد من خلال الحروب الإستباقية أو الاصطفاف ضد رغبتها في الحرب، وبالتالي تتهم بالتحريض على الإرهاب وعدم السعي في اجتثاثه، هذا النوع من الإرغام نتج عنه خطاب جديد في السياسة العالمية، خطاب ينسف كل الجهود والمرامي للبحث عن الحل في معالجة جذور الأزمات حتى القضاء عليها، وانتشال نزعة القوة من الأذهان، وفسح المجال للتعايش والالتقاء في المشترك الإنساني. لا بد للعنف من جذور وأسباب ساهمت في تأجيجه وتصاعده، هناك بدأ العالم يتحرك لأجل معالجة القضايا السياسية العالقة في الشرق الأوسط، تصاعدت حدة الخطاب عن الحرية والديمقراطية، وإرغام الدول على تغيير مناهجها، والكف عن سياسة العداء والتحريض على الكراهية، لكن الخطاب الاستعلائي أنتج بالفعل ردود الأفعال المتباينة، من منطلق الرفض لشروط وإملاءات لا تصب في مصلحة الجميع، ولا تعني الالتقاء في النقاط المشتركة، لا يعني هذا المبدأ سيادة الدولة الوطنية على قرارها، ولا يمكن أن يكون الانجرار بدون عواقب مستقبلية، عندما يتم دعم سياسات خاطئة وجائرة في حق بلدان بعينها ، بمجرد أنها في صف مضاد للسياسة المهيمنة على القرار العالمي، فغالبا ما يتم تفهم الآخر، في نزعة الدول للسيادة على خيراتها، أما التحالفات والتكتلات في نطاق الايديولوجيا غالبا ما تولد فكرا مضادا، يقوي من التفكير الراديكالي، أن يكون الإنسان ثابتا على الحق لا على الباطل، أن يجنح للسلم ذلك ميزة الأقوياء، واستنبات الفوضى والتشتت في بلد ما لا يؤدي لإنجاح فرص السلام وصناعة المستقبل .

الحرب التي تدار هنا وهناك من السهل إشعالها أكثر والزيادة في لهيبها، ومن الصعب إخمادها ، إطلاق رصاصة واحدة يشعل صراعا يمتد أمده لأزمنة، وغالبا ما تتحول الصراعات بين طرفين إلى صراع دولي، كما كان الأمر في الحرب الباردة، والحروب بالوكالة في بؤر كثيرة من العالم، وهكذا نعتقد أن العالم اليوم تتشكل فيه تحالفات وقوى متصارعة، والمستقبل القريب سيظهر حقيقة الصراع نحو المواجهة المباشرة ، العالم يعيش الآن حروبا اقتصادية وصراع على مناطق النفوذ الغنية، إضافة لعملية الاستقطاب الأيديولوجي، نفهم منها محاولة جديدة للتقسيم الخاص بالتواجد دفاعا عن توجهات بذاتها، وضمانا لاستقرار طويل الأمد من خلال بناء قواعد عسكرية، استعمار جديد بنزعة مغلفة بالحماية، ومحاربة القوى المضادة للمشروع الاستعماري الذي يدعي السلام والمساندة، ومجابهة لسرطان الفقر والحاجة، لكنها كذلك محاولة من العقلاء في تنبيه السياسي للمنزلقات والمخاطر في أمل أن يعم السلام والكف عن إتاحة المجال للحروب وتجارها وتوسيع نطاقها، حتى تهدأ أصوات البنادق وفوهات المدافع .

مبدأ اليوم لا يعني استقلالية القرار والتفرد في السياسة الخارجية، إما أن تكون معنا وضد غيرنا، وهذا الأمر يجسد بداية تبلور تحالفات دولية، وبناء أقطاب موحدة ومتماسكة الرؤى والأهداف، تحددها معالم النظام العالمي الجديد، أساسه المنفعة المشتركة والخوف المشروع من الآخر ، حرب باردة من نوع آخر وإعادة النظر في العلاقات الدولية والشراكة بين الدول. مخاوف الولايات المتحدة من استقطاب الصين للدول الخليجية ودول شمال أفريقيا، وهواجس الإدارة الأمريكية من تغلغل الصين في القارة الأفريقية، مخاوف من روسيا في نوايا قادتها للسيطرة على البلدان المتاخمة لها، قلق متزايد من إيران وسياستها في دول الجوار، لا تفهم العلاقات إلا في سياق تعدد الشراكة والسيادة في القرار الخاص بالدول، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كيانات منقسمة على ذاتها، ومختلفة في قرارها السياسي والاقتصادي، بين الحفاظ على العلاقة التقليدية مع المستعمر، وكذلك تنويع الشراكة وضرورة الانفتاح على العالم، الانحياز التام يضمن البقاء والحماية من قبل الآخر، والشراكة الفاعلة تضمن الاستثمار والاستقرار معا. يجب أن تكون معنا وليس ضدنا، هذا يعني أنك ملتزم بكل ما يصيبنا من ضرر، التزامك يعني قمة الوفاء والإخلاص، وتنصلك قمة العبث والاستهتار، عندما نضمن أنك في صفوفنا كحليف وداخل مجال تفكيرنا، سيكون هنا نوع من الرضا والاستحسان، لا تتجه بسياستك أن تكون مستقلا ومتفردا إلا من حيث ما نرسمه من حدود وممكنات، ولو كانت النتائج في صالحنا فنحن أكبر مستفيد، لعبة الأقوياء وتبعية القوي نوع من سياسة الإملاء، تصبح لاعبا ثانويا في لعبة الكبار، ومن يخطط لأهداف بعيدة المدى، وسوف نترقب دائما مدى الوفاء والالتزام بكل ما نرغب فيه من أهداف وغايات، لست سوى رقم سهل في معادلات لست طرفا فيها، وكل النتائج الحسنة من نصيب من يخطط ويحدد الأهداف بدقة .

مبدأ اليوم يصاغ من قبل القوى الفاعلة في الساحة الدولية، ويعاد تفعيله في الأزمات، وما يخدم المصالح العليا حتى تجد نفسك داخل دوامة من القرارات والأفعال لا فائدة منها، الحرب على ما يسمى “الإرهاب” انطلقت من فكرة نهائية لا مجال لتفنيدها أو دحضها في خطاب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، إما أن تكون معنا في حرب كونية على ما يسمى الإرهاب واستئصال منابعه أو أن تكون ضدنا وبالتالي ضرورة تقويض أركان الأنظمة الداعمة للحركات الراديكالية ، العالم الحر كما يصنفه أصحاب المبدأ من خلال عملية التقسيم بين محور الشر ومحور الخير، فلا يمكن القبول بالرأي المضاد، وليست هناك غير آلية الاحتواء والتصفية دون البحث عن مبررات لأي عمل لا يتماشى، وما ترسمه السياسة الدولية أو ما يصطلح عليه بالشرعية الدولية المنبثقة من الأمم المتحدة ، إما معنا ونحن على صواب والحق لنا في نشر ما يناسبنا من قيم عقلانية وإنسانية بدافع ما تحمله العولمة من خير ورخاء للبشرية ، وإما ضدنا وبالتالي لا يمكن أن نقبلك في دائرتنا، خطاب سياسي يمتلك القدرة في التعبير والتغيير، ولا حق للأمم الأخرى أن تعبر عن رأيها بالرفض أو القبول لما تراه مناسبا في تكريس السيادة والسلطة في القرار، لذلك غالبا ما تلوح القوى الكبرى بالعقوبات التجارية، والتقليص من البعثات الدبلوماسية، ومحاصرة الأنظمة المارقة، أو التهديد بالعزل والمقاطعة. تريد الولايات المتحدة الأمريكية أن يكون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومناطق كثيرة من آسيا ضمن سياستها، وأولويات العلاقة بعيدا عن تطلعات هذه الشعوب نحو توسيع العلاقات مع التنين الصيني والمارد الروسي وكل دول العالم على أساس الاحترام والمنفعة المشتركة . فمن الأعراف الدبلوماسية والعلاقات التاريخية أن البلدان حرة في اختيار الشركاء وحقها المشروع في توسيع شبكة العلاقات الاقتصادية والتجارية، ما تملكه الصين من قدرات في قطاعات متنوعة يغري العالم الثالث في التنمية، وما تقدمه السياسة الصينية من خطاب لا يسعى لاحتواء البلدان بل للشراكة في كل المجالات أمر مرغوب فيه، حزمة من القرارات تصب في مصلحة هذه البلدان عندما تدخل الصين كلاعب فاعل في التنمية، وتنزع من الغرب ازدواجية الخطاب المبني على نظرة استعلائية ورغبة في استغلال واستنزاف الثروات .

* أحمد شحيمط كاتب مغربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *