سياسة، ملف

استقبال المغرب لقادة حماس.. هل تتجه الرباط للعب دور الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟

العثماني و أبو العبد هنية

أعادت زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، إسماعيل هنية، إلى المغرب، دور الرباط في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى الواجهة من جديد، وأثارت تساؤلات حول مدى إمكانية أن يلعب المغرب دور الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في ظل المكانة والثقة التي يحظى بها لدى الطرفين.

ورغم أن الزيارة كانت ظاهريا، غير رسمية، إذ جاءت بدعوة من حزب العدالة والتنمية، إلا أن طبيعة الأنشطة واللقاءات التي قام بها الوفد الفلسطيني تؤشر إلى أن الزيارة تأخذ أبعادا شبه رسمية، خاصة في ظل تأكيد هنية على أن زيارة قادة الحركة تأتي برعاية أعلى سلطة في البلاد.

وأقام الملك محمد السادس مأدبة عشاء على شرف الوفد الفلسطيني، وذلك بتغطية إعلامية رسمية، فيما التقى هنية رئيسا مجلسي النواب والمستشارين وممثلي أحزاب مغربية وهيئات مدنية، بعدما جرى اللقاء الافتتاحي بين قادة الحركة وحزب العدالة والتنمية بمقر إقامة رئيس الحكومة وليس مقر الحزب.

خطوة استقبال المغرب لزعيم حماس، وقبلها إرسال الملك لمساعدت إنسانية إلى غزة والضفة الغربية، وتهنئة رئيس الحكومة للمقاومة الفلسطينية بانتصارها في العدوان الإسرائيلي الأخير، وما تلاها من انزعاج لممثل إسرائيل بالرباط، تؤكد أن مواقف المغرب في دعمه لفلسطين لم تتغير بسبب التطبيع، عكس دول عربية أخرى.

ويرى متتبعون أن زيارة زعيم حماس إلى المغرب في نفس اليوم الذي هنأ فيه الملك محمد السادس، نفتالي بينيت بعد انتخابه رئيسا لوزراء إسرائيل، وبعد شهور قليلة من تطبيع العلاقات بين الرباط وتل أبيب، تكشف موقع المغرب كقوة إقليمية تحظى بثقة واحترام كافة الأطراف، وهو ما قد يُمكِّن المملكة من لعب أدوار وساطة متقدمة في الملف الفلسطيني.

كما أن خطاب الإشادة بالجهود المغربية الذي استعمله إسماعيل هنية في المغرب، يؤشر إلى محاولة حماس تدارك الانتقادات التي وجهتها إلى الرباط عقب توقيع اتفاق التطبيع مع إسرائيل، وتكشف استوعابها للدور المهم الذي يمكن أن تلعبه المملكة المغربية في مسألة التفاوض بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل.

وتعتبر زيارة هنية التي ستستغرق عدة أيام، الأولى له إلى المغرب، بعدما كان خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي السابق للحركة، قد زار المملكة مرتين، سنة 2012 و2017، بدعوة من حزب العدالة والتنمية أيضا، حيث عقد خلالها عدة لقاءات مع مسؤولين مغاربة وأحزاب سياسية، فيما خُصصت له حينها حراسة ملكية.

رسائل متعددة ووساطة مرتقبة

وفي هذا الصدد، يرى المحلل السياسي محمد العمراني بوخبزة، أن زيارة قادة حماس إلى المغرب تحمل رسالة قوية من المغرب مفادها أن موقفه من القضية الفلسطينية لم يتغير باعتبارها قضية وطنية، مشيرا إلى أنه بالرغم من الطابع الحزبي للزيارة، إلا أنه لم يكن من الممكن أن يدخل وفد الحركة إلى المغرب إلا بإذن مسبق من السلطات المغربية.

واعتبر بوخبزة في تصريح لجريدة “العمق”، أن استقبال المغرب لوفد حماس يعطي للحركة مكانتها كمكون رئيسي من المكونات الأساسية للطيف الفلسطيني، لا يمكن استبعاده من أي معادلة في مستقبل القضية الفلسطينية، وبالتالي حضورها للمغرب يزكي هذه الشرعية التي تنبني عليها الحركة.

وأشار عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان، إلى أن مضمون خطاب هنية بالمغرب، يؤشر على أن قادة الحركة يستوعبون جيدا الأدوار الجديدة للمغرب في القضية الفلسطينية، ويرحبون بأي خطوة للرباط  في هذا الصدد، وهو ما تجلى في تصريح هنية حين قال إن “علاقة المغرب بفلسطين ليست مصلحية ولا آنية ولا طارئة، بل هي علاقة دينية وإنسانية وآخوية”.

وأضاف أن التبرير الذي كان العثماني قد قدمه بعد توقيعه على اتفاق التطبيع مع إسرائيل، والمتمثل في كون تعزيز المغرب لوحدته الترابية ستجعل موقعه قويا في دعم الحق الفلسطيني، هو موقف بدأ يتبلور حاليا، وفق تعبيره.

وهنا يشير بوخبزة إلى أن تواجد وفد حماس فوق التراب المغربي يحمل رسائل لأطراف متعددة، الأولى إلى القوى الفلسطينية بأن المغرب لم يغير موقفه من القضية الفلسطينية وأنه ثابت على مواقفه، والثانية للإسرائيليين بأن حماس مكون أساسي من مكونات الطيف الفلسطيني.

كما تحمل الزيارة رسالة إلى الداخل المغربي، على اعتبار أن المغاربة يتعاملون بحساسية مفرطة في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وبالتالي هي رسالة طمأنة بكون الطرف الفلسطيني يعي جيدا الخطوة التي قام بها المغرب بخصوص التطبيع.

وأردف قائلا: “هناك من حاول أن يصطاد في الماء العكر بعد التطبيع، وترويج تخلي المغرب عن دعم القضية الفلسطينية، لكن على العكس هو الذي حصل، فزيارة وفد حماس أكد موقف الفلسطينيين المنوه بالدور المغربي ضمن مكوناته الثلاث، ملكا وحكومة وشعبا”.

ففي ظل هذه المعطيات، يضيف بوخبزة، يمكن أن يقوم المغرب بدور الوساطة بشكل أكثر قوة وجدية من جهات الوساطة التقليدية، مستدركا بالقول: “لكن المغرب لا يمكن أن يلعب دور الوسيط التقليدي الذي يفرض عليه أن يكونا محايدا”.

وتابع قوله إن القضية الفلسطينية تعتبر قضية وطنية للمغاربة، والمغرب له مسؤولية في لجنة القدس باحتضانه وكالة بيت مال القدس، وبالتالي وساطته المحتملة سيكون لها طعم خاص، لافتا إلى أن إسرائيل تعي ذلك جيد وتتفادى إحراج الرباط، وهو ما يفسر غياب أي انتقادات أو تصريحات تسيء للمغرب بسبب زيارة حماس.

وبخصوص حزب العدالة والتنمية، يرى المحلل السياسي أن هذه الزيارة تأتي لرد الاعتبار نوعا ما للعثماني بعد الهجوم العنيف ضده بسبب التوقيع على اتفاق التطبيع، مضيفا: “هناك من اعتبر أن الزيارة تأتي في إطار حملة انتخابية للبيجيدي، لكن أي مبادرة تأتي بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات سيجعلها تُحسب ضمن الحملة الانتخابية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *