وجهة نظر

أسباب الأزمة المغربية الإسبانية: ضغط أم عداء؟

تعرف العلاقات بين الدول خلافات قد تفضي أحيانا إلى أزمات. و لكل أزمة بداية يتبعها تصعيد، يستدعي تكثيف الاتصالات الدبلوماسية للحد من تداعياتها و إيجاد سبل لمعالجة أسبابها  التي قد يختلف تقديرها باختلاف أطراف الأزمة.

يرمي هذا المقال إلى البحث في أسباب الأزمة التي اندلعت مؤخرا بين المغرب و إسبانيا من خلال المواقف و التصريحات الرسمية  للبلدين و السياق العام للعلاقات التي تربط بينهما.

ا- بداية الأزمة: استقبال إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو

اندلعت الأزمة الدبلوماسية بين المغرب و إسبانيا حينما استقبلت هذه الأخيرة في 21 أبريل 2021 زعيم جبهة البوليساريو ” ابراهيم غالي ” بشكل سري للعلاج من إصابته بفيروس كورونا.

وفي 25 أبريل أعرب المغرب عن أسفه لموقف اسبانيا من استضافة ” ابراهيم غالي ” على ترابها و ” المتهم بارتكاب جرائم حرب خطيرة و انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان “. و قامت وزارة الخارجية باستدعاء السفير الاسباني بالرباط و إبلاغه بهذا الموقف و طلبت التفسيرات اللازمة بشأن موقف حكومته.

و بقي الأمر موضوع تصريحات متبادلة بين الجانبين حيث صرحت وزيرة الخارجية الإسبانية أن استقبال بلادها لإبراهيم غالي لم يؤثر في العلاقات مع الرباط و أنها قدمت للمغرب التفسيرات المناسبة في شأن الظروف التي أدت إلى استقباله لأسباب إنسانية بحتة. و أضافت أنه ” عندما تزول هذه الأسباب سيغادر إسبانيا”.

إلا أن هذه التوضيحات لم ترضي المغرب فتوالت تصريحات مسؤولين مغاربة تشير إلى تواطؤ إسبانيا مع جبهة البوليساريو خاصة مع ظهور تسريبات حول دخول ” ابراهيم غالي ” إسبانيا بهوية مزورة.

بعد ذلك أصدرت وزارة الخارجية المغربية في فاتح ماي بلاغا أعلنت فيه أن المغرب مازال ينتظر توضيحات و تفسيرات مقنعة لموقف الحكومة الاسبانية بخصوص استقبال زعيم الجبهة و مسألة محاكمته بناء على شكايات موضوعة أمام القضاء الاسباني.

 

ب- أوج الأزمة: استخدام ملف الهجرة

وصلت الأزمة بين البلدين أوجها في 17 ماي 2021 لما عبر آلاف الأشخاص سباحة من شمال المغرب إلى منطقة سبتة ( الجيب الاسباني بشمال المغرب). على إثر ذلك استدعت وزيرة الخارجية الإسبانية السفيرة المغربية بمدريد و عبرت لها عن ” استياء ” السلطات الاسبانية و ” رفضها ” للتطورات الأخيرة في سبتة. بعدها مباشرة في 18 ماي استدعى المغرب سفيرته في إسبانيا للتشاور.

و قد تناولت وسائل الإعلام الدولية صورا مؤثرة لنساء و أطفال يعبرون مياه البحر في اتجاه سبتة و تداولت وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات توثق لحظات العبور و الوصول و المعاناة، الشيء الذي أضر كثيرا بصورة المغرب على المستوى الدولي. و تم تقديم المغرب في الإعلام على أنه بلد يمكن أن يقايض بمعاناة شعبه للحصول على مكاسب سياسية. و مست هذه الأحداث بصورة المغرب كبلد يسعى جاهدا للقضاء على الفقر حينما ظهرت فيديوهات لمواطنين مغاربة تمكنوا من العبور إلى سبتة يستجدون الشرطة الاسبانية للبقاء و عدم ترحيلهم للمغرب.

و وصف رئيس الوزراء الإسباني ” بيدرو سانشيز ” قيام المغرب بتخفيف القيود الحدودية مع ” سبتة ” بأنه غير مقبول و هجوم على الحدود الوطنية. و اتهمت وزيرة الدفاع الاسبانية المغرب ب ” العدوان ” و ” الابتزاز “.

بالمقابل حملت وزارة الخارجية المغربية إسبانيا مسؤولية العبث بالثقة و الاحترام المتبادل بين البلدين. و أضافت الوزارة أنه لا يمكن أن تحارب الانفصال في بلدك و تشجعه في بلد جار لك، في إشارة إلى إقليم كطالونيا الذي دعم المغرب إسبانيا في مواجهة حركة الاستقلال. و قال وزير حقوق الانسان المغربي في تعليقه على حدث تدفق المهاجرين نحو سبتة أن المغرب من حقه ” أن يمد رجله لتعرف إسبانيا حجم معاناة المغرب من أجل حسن الجوار، و ثمن ذلك، وتعرف أيضا أن ثمن الاستهانة بالمغرب غال جدا “.  ” و في إشارة إلى قرار إسبانيا استقبال ابراهيم غالي للعلاج أضاف  ” يبدو ان إسبانيا فضلت علاقتها بجماعة البوليساريو و حاضنتها الجزائر على حساب علاقتها بالمغرب “.

ج- حقيقة الأزمة: ضغط أم عداء ؟

حاول الجانب الإسباني منذ البداية أن يقلل من تداعيات قراره استقبال زعيم الجبهة على علاقاته الثنائية مع المغرب. إلا أن تشبث المغرب بموقفه الرافض لهذا الاستقبال و مطالبته الحكومة الاسبانية بتفسيرات و التعبئة السياسية و الجمعوية و الشعبية التي رافقت هذا الحدث دفعت إسبانيا إلى إعطاء الموضوع الأهمية اللازمة و التعامل معه من منظور الأزمة الحقيقية لا العابرة التي تستدعي معالجة جدية و مسؤولة لا معالجة تبسيطية انتقاصية.

و الحقيقة أن الأزمة في العلاقات الدولية لا تختلف عن الأزمة في العلاقات الاجتماعية. فالأسباب التي تظهر في الخلافات ليست دائما هي الأسباب الحقيقية. إذ غالبا ما تدعي الأطراف أن حدثا أو واقعة ما هي سبب الخلاف أو الأزمة، في حين أنها ليست سوى تلك القشة التي قصمت ظهر البعير. لذلك يتعين دوما البحث عن الأسباب الخفية و العودة إلى ما وراء الحدث-الأزمة لاستجلاء الحقيقة.

 

1- مراكمة إسبانيا للمواقف العدائية لمصالح المغرب:

منذ وصول الاشتراكيين للحكم في إسبانيا و تحالفهم مع أحزاب من بينها حزب ” بوديموس” اليساري المعروف بدعمه لجبهة البوليساريو لم تظهر في المغرب ردود فعل رسمية، و لكن ساد جو من الترقب.

بعد اندلاع أزمة معبر ” الكركرات ” في 13 نونبر 2020 قالت الخارجية الاسبانية أنها ” تدعم جهود الأمم المتحدة لضمان وقف إطلاق النار و الوصول إلى حل سياسي متفاوض بشأنه “. أما حزب ” يوديموس ” الذي يتواجد بالحكومة فقد دعا زعيمه ” بابلو ايغليسياس “، الذي يشغل منصب النائب الثاني لرئيس الحكومة ، عقب ما جرى بمنطقة ” الكركرات ” إلى تنظيم استفتاء تقرير المصير بالصحراء.

إلا أنه بعد قيام أحد زعماء حزب ” بوديموس ” الذي يشغل منصب وزير الدولة للشؤون الاجتماعية باستقبال ممثلة لجبهة البوليساريو و تقديمها بصفتها وزيرة للشؤون الاجتماعية و تمكين المرأة، عمد وزير الخارجية المغربي إلى الاتصال بنظيرته الاسبانية حول الموضوع فأكدت له بأن الموقف الاسباني من الصحراء الغربية لم يتغير. و هذا ما أكده ” بابلو ايغليسياس ” زعيم بوديموس الذي يشغل منصب نائب رئيس الحكومة حينما قال أن موقف إسبانيا من الصحراء ” تحدده وزارة الخارجية “.

و حينما أعلن الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب ” قراره بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء في 10 دجنبر 2020 عبرت وزيرة الخارجية الاسبانية في تصريح لإحدى الاذاعات الاسبانية أن حل نزاع الصحراء لا يتوقف على بلد واحد مهما كان قويا أو مؤثرا ، و أكدت ضرورة التوصل الى حل يحظى بإجماع دولي في إطار العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة.

و تزامن إعلان الرئيس الأمريكي مع الإعداد للقمة الثنائية بين البلدين والتي كان  من المزمع عقدها بالرباط   في 17 دجنبر 2020 فتم تأجيلها بسبب الوضع الناجم عن وباء كورونا كما جاء في البيات المشترك للبلدين.

و لما اندلع مشكل المهاجرين بين البلدين و توالت التصريحات الاسبانية التي تدين المغرب أصدرت وزارة الخارجية المغربية في 31 ماي 2021 بيانا توضح فيه أسباب الأزمة مع إسبانيا. حيث اعتبرت أنها ( أي الأزمة)” ليست مرتبطة فقط بقضية دخول أو استقبال  ابراهيم غالي بل بتصرفات و مؤامرات تقوم بها إسبانيا ضد قضية الوحدة الترابية المغربية و سيادته على أراضيه، و أن ملف ابراهيم غالي ليس سوى جزء منها…”

2-ضغط اقتصادي – سياسي

في خضم الإجراءات التي اتخذتها دول العالم للحد من انتشار فيروس كورونا قرر المغرب في 13 مارس 2020 تعليق جميع الرحلات الجوية و البحرية للمسافرين من و إلى فرنسا و إسبانيا و الجزائر و ألمانيا و هولندا و بلجيكا و البرتغال و شمل هذا القرار أيضا الحدود البرية بينه و بين جيبي سبتة و مليلية. و لأن اقتصاد المدينتين يقوم منذ عقود طويلة على التهريب المعيشي نحو الأراضي المغربية، فقد تأثر بشكل كبير.

و بالرغم من تخفيف القيود على السفر بموازاة التلقيح الجماعي ضد فيروس كورونا استمر المغرب في إغلاق حدوده البرية مع سبتة و مليلية و الذي أدى إلى خنق المدينتين اقتصاديا مقابل تذمر الفئات الاجتماعية الهشة التي تستفيد من التهريب المعيشي بالمناطق المغربية المجاورة  للمدينتين.

و كان المغرب قد قام منذ بضع سنوات بإنجاز عدد من المشاريع الاقتصادية بالشمال و خاصة  بالمناطق المجاورة لسبتة و مليلية تمثلت في إحداث مصانع للسيارات و معامل للنسيج و مينائي طنجة المتوسط و الناظور. لذلك وجد المغرب في إغلاق الحدود البرية مع المدينتين، و من ثم منع التهريب المعيشي، مناسبة لانعاش الحركة التجارية بميناء طنجة المتوسط و توفير فرص الشغل في مصانع النسيج و السيارات التي تم إحداثها مؤخرا بشمال البلاد.

ظاهر الأزمة اذن اتفاق الجزائر و إسبانيا على نقل زعيم الجبهة سريا للعلاج بإحدى المستشفيات الاسبانية و تنديد المغرب بهذا الاتفاق و باطنها ضغط هذا الأخير على إسبانيا للحد من تحركاتها في أوربا و لدى الادارة الامريكية لإعادة النظر في قرار الرئيس الامريكي السابق المتعلق بالاعتراف الامريكي بالسيادة المغربية على الصحراء. هذه التحركات التي يصفها المغرب بأنها عدائية.

*باحث في العلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *