وجهة نظر

“العدالة والتنمية” جاء بالديمقراطية وبها خرج !

1- ساند صاحب هذه السطور حزب “العدالة والتنمية” منذ انطلاق الشرارة الأولى للانتفاضات العربية (2011) بوضوح تام، ليس حبا في مواقف ومبادئ هذه الهيئة السياسية، وإنما اقتناعا بالعملية الديمقراطية كمفهوم وآليات ومستلزمات كونية. إنني على يقين تام بأن الديمقراطية ( وهل هناك وسيلة أخرى غيرها تسمح بالتنافس السلمي الحضاري على السلطة) أداة فعالة في تدبير الشأن المجتمعي في سياق دولي عصيب، غير أني لم أمنح في يوم ما للعدالة والتنمية (الممثل “الرسمي” للإسلام السياسي في المغرب الأقصى) شيكا على بياض، إذ طالما وجهتُ إليه انتقادات بالغة الحدة كي ينخرط في الحياة السياسية بعيدا عن فكر الجماعة الدينية والنزعة الشوفينية الاستعلائية والتباهي بالقوة العددية. إن السياسة في المحصلة الأخيرة مصالح وتوافقات و تنازلات مؤلمة .. من أجل خدمة الشعب عبر أجرأة البرنامج الحكومي وبلورته على أرض الواقع، وتحقيق تطلعات الغالبية الساحقة المسحوقة من المواطنين نحو العيش الكريم.

2- ولعل اللحظة التاريخية المفصلية في تاريخ الحكومة المغربية الائتلافية برئاسة حزب العدالة والتنمية تجسدت في ما سمي “بالبلوكاج” أو الانحباس السياسي سنة 2016 ، حينما رفض رئيس الحكومة آنذاك عبد الإله بنكيران وبتشنج وعناد، أن ينضم إليه أحد الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة جديدة بعد انتهاء مدة الولاية الأولى، وإذا كان من حق رئيس الحكومة أن ينفتح على الهيئات الحزبية المتقاطعة مع “تصوراته وبرنامجه الحكومي” دون غيرها، فإن المنطق السياسي المألوف عالميا هو فرض القرار الشخصي المستقل أو الانسحاب بهدوء، بيد أن الزعيم “الكاريزمي” تمسك بالمنطقة الرمادية مدة تناهز ستة أشهر من عمر الشعب المغربي المظلوم والحائر، والنتيجة إقالته النهائية عن المسؤولية وإسناد مهمة تشكيل حكومة جديدة لسعد الدين العثماني، وباقي القصة معروفة: صراعات داخلية وتنازلات اعتباطية وقرارات متهافتة، وهجومات حادة جدا على مكتسبات الشعب الحقوقية والاجتماعية والسياسية، وضربة قاضية للقدرة الشرائية لكل الفئات الاجتماعية دون استثناء.

3- وهكذا جاء موعد الثامن من شتنبر 2021، يوم الاستحقاقات البرلمانية والجماعية والجهوية الذي سيخلد في تاريخنا السياسي، لِيُقْدِمَ الشعب المغربي على إنجاز نضالي استثنائي غير مسبوق وطنيا، بحيث لن يقتصر على معاقبة “العدالة والتنمية” بالامتناع عن التصويت لفائدته وقلب الطاولة عليه، بل وأيضا صوت وبكثافة لخصومه الألداء ونخص بالذكر حزبي ” التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة” نكاية به. والحقيقة لم يكن أحد من المعنيين بالشأن السياسي المغربي ينتظر هذا الانهيار الكبير و هذه الهزيمة النكراء لحزب طالما ملأ الدنيا وشغل الناس “بشعبيته ” وأدائه غير القابل للمنافسة أو الهزيمة، ويقيني أنه لن يستيقظ من هذا الزلزال الرهيب إلا بعد سنوات من المراجعات والانتقادات الذاتية وإعادة البناء ..

4- وخلاصة القول فإننا لا ننطلق في هذا المقال من رغبة في الشماتة، أو نزعة نحو القتل الرمزي لأحد مكونات المشهد السياسي ببلادنا، فهذا ليس من نهجنا و أسلوبنا في التعاطي مع قضايا الفكر والممجتمع، كما أننا لا نميل إلى رمي الورود على أحد، لكننا نؤمن بالمسلمة شبه الرياضية بأن الشعوب في مختلف التجارب السياسية العالمية تصوت لمن يدافع عن مصالحها الدنيوية اليومية، وقدرتها الشرائية ورغبتها الجامحة في الحرية والعدالة والعيش الكريم وتُعاقبُ كلَ من يضرب بمكتسباتها المادية والاجتماعية بعرض الحائط ويخدعها بوعود كاذبة ويتمسك بالمناصب والكراسي مهما كان الثمن، أما المبادئ والقيم وحسن النوايا والسلوك رغم أهميتها ومكانتها الأساسية في ماضي وحاضر المنجز السياسي العالمي، إلا أنها لا تندرج بشكل مباشر في انشغالات المواطنين، المحصورة في غالب الأحيان في حق الشغل والصحة والتعليم والسكن .. والأمن بمقصديته الشاملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *