وجهة نظر

أهدى لابنته كرسي في البرلمان إخلال بالمواطنة

ما أغلى وجود بنت حنونة في البيت. تجود على أبيها بابتسامة تذكره بأمه و خالته و زوجته حين تعانقا بالأحضان وتم القران بإسم القرآن. ولكن سنة الحياة تنسي الناس كثيرا من الأفكار و المبادىء و تجعلهم أسارى لدى سلطان المال و الأقدار. كان موظفا صغيرا لكنه اجتهد و ثابر و سكن حيا جديدا في مدينة جنوبية خصص لذوي الدخل المحدود. لم تكن له طموحات كبيرة و لكنه انتماءه للحي كان قويا. سهر على نظافة الأزقة و نظم مباريات كرة القدم في شهر رمضان و أسعد الصغار برحلات إلى أطراف المدينة. اطعمهم بساندويتس و مشروب محبوب لدى الأطفال فكان بذلك للكرم مثال .

و مرت الأيام و هو على هذه الحال إلى أن أعلن في يوم من الأيام أنه سيخدم الحي و يدافع عن الأحياء و لذلك قدم ترشيحه للإنتخابات. أحبه الأطفال فهتفوا باسمه و رافقه الكبار و كان أن فاز بالانتخاب ووصل إلى كرسي عمدة أكبر مدينة في الجنوب. ارخى بظلاله على كثير من المناضلين و أصبح علما في الحزب الذي احتضنه و دخل مجالات الإستثمار حسب ما قال و فاضت الأرزاق إلى مستوى كبير جعلت الأصابع تشير إليه. و حاول اعداؤه توريطه في قضايا فساد مالي لكنهم فشلوا لحد الآن في جره إلى ما لا تحمد عقباه. و ظل صامدا منتشيا بحياته الجديدة على رأس ثروة لم يحلم بها أي من قادة الحركة الوطنية كعبد الله إبراهيم و امحمد بوستة و عبد القادر حسن و علال الفاسي و عبد الرحيم بوعبيد و غيرهم في الماضي كثير. لذلك ما أحوجنا إلى سلوكهم و ما ازعجنا من ذلك الفراغ الذي تركوه و اتعسنا و نحن نتفرج على ضعف مؤسسات لا تسأل المسؤول ” من أين لك هذا؟”.

قد يتفق معي الكثيرون أن الكلام في هذا الموضوع مضيعة للوقت لأن التاريخ لا يرجع إلى الوراء لكي ينصف من لم يضع سعرا لقوة نضاله ضد المستعمر القديم و الجديد ، و لم يخضع لطاغوت المال و ألاعيب شياطين الصفقات و رخص البناء و قرارات الاستثناء من مخططات التعمير و تفويت الممتلكات العامة بسعر شراء صوت ناخب في حالة عسر.

و بين المخاض و المخاص فتحت أبواب البرلمان للأبناء و البنات الذين لم يعرفوا أن للأحزاب شبيبات و أن التكوين السياسي لا يتم في بيت الأسرة إلا ناذرا و أن المواقع الإجتماعية و الإقتصادية لها سحر خاص يفتح كل الأبواب الموصدة و لو كانت من الفولاذ ستصل بنات الأعيان للبرلمان و منهن من لم تعرف للتعليم الجامعي سبيلا و سيتم التدخل لدى رئيس الفريق البرلماني لكي يمكن الشابة المدللة أو الشاب المدلل من طرح سؤال شفوي أمام الكاميرات لتعم الزغاريد بيت الأسرة على هذا النجاح الباهر بعدما تعذر الحصول على المعدل في الجامعة أو المدرسة العليا و هكذا سيكون لدينا مشرعات و مشرعون في المستوى و سنتمكن من كفاءات تتبع تنزيل مضامين النموذج التنموي الجديد. من حسن حظنا أن هناك شباب نزلوا إلى معترك الإنتخابات ، بدعم أو بدونه، و لكنهم ذووا كفاءات قد تفيد البلاد.

لهذا ليس لدي أي إحترام لمن يهينون المواطنين و يدفعونهم إلى الحقد على واقع الوطن. نجحنا في إمتحان ديمقراطي تناوبي بنسبة محترمة و لكن جزءا ممن تسلطوا على السياسة بقوة أموالهم و خبثهم و كذبهم يشكلون خطرا على مستقبل البلاد. أن يتم النزوح إلى التوريث السياسي و غض الطرف على ممتهني الترحال السياسي فهذا خطير و مريب. بلادنا تحتاج إلى نظافة و التزام لكي نسير جميعا في إتجاه الاختيارات الإستراتيجية التي ناضل من أجلها ملك البلاد منذ أكثر من عقدين من الزمن. و لا يجب أن نخون عهدا من أجل محاربة الفساد و إقتصاد الريع و تغييب المنافسة الحقة في كافة المجالات. كم أخجل من الديمقراطية واستسمحها بما فعل السفهاء منا بها. أخجل لأن الديمقراطية لها مزاج تاريخي لا يرحم. و لمن يشك في هذا، فليسال من سقط من الأعلى إلى الأسفل في زمن قياسي. حذاري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *