منوعات

واشنطن تحرك ملف المصالحة المغاربية.. هل تنجح الوساطة الأمريكية في إنهاء القطيعة بين المغرب والجزائر؟

عادت المساعي الأمريكية الهادفة إلى تحقيق مصالحة تاريخية بين المغرب والجزائر إلى الواجهة، وسط حديث عن ضغط دبلوماسي مكثف قد يفضي إلى إنهاء القطيعة بين البلدين الجارين في فترة زمنية وجيزة لا تتجاوز شهرين. وأثارت هذه التحركات، التي تكتسب أهمية بالغة في ظل الجمود الإقليمي، جدلاً واسعاً حول قدرتها على تجاوز عقود من الخلافات المتجذرة، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية.

وتأتي هذه التحركات الدبلوماسية في أعقاب كشف مصادر أمريكية عن نية واشنطن التحرك بجدية لإنهاء الأزمة بين الرباط والجزائر. ويرتكز هذا الجهد على موقف أمريكي ثابت، تم التأكيد عليه مجدداً، يدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربي في الصحراء باعتبارها الإطار “الجاد والواقعي وذا المصداقية” والوحيد للحل، وهو ما يضع الوساطة في سياق يهدف إلى تثبيت هذا التوجه. وفي غضون ذلك، تعزز الموقف الأمريكي بتزايد الدعم الدولي لمقترح المغرب، مما يجعل الضغط على الجزائر أكثر فعالية للتعامل مع هذا التحول في التعاطي الدولي مع الملف.

السياق الدولي: لماذا تضغط واشنطن الآن؟

أكد خالد يايموت، الباحث في الشؤون الاستراتيجية والإفريقية، أن هذه المساعي لا تُقرأ ك مبادرة إقليمية بحتة، بل تندرج ضمن سياق دولي متغير ومعقد. وأوضح يايموت، في تصريح لجريدة “العمق”، أن العالم يشهد تحولاً من نظام القطبية الأحادية إلى صراع بين أقطاب شرقية (روسيا والصين) وغربية (حلف الناتو)، مما يزيد من حاجة القوى العظمى إلى ضمان الأمن والاستقرار في المناطق الاستراتيجية الحيوية. وأضاف أن تحرك الولايات المتحدة يأتي بتنسيق وثيق مع حلف الناتو، لأن استقرار المنطقة بات ضرورة استراتيجية للغرب في مواجهة نفوذ خصومه.

وشدد الباحث على أن المغرب، بحكم موقعه الجيوسياسي ووزنه الاقتصادي، شكل على الدوام مرتكزاً أساسياً في تحولات النظام الدولي. وأوضح أن المغرب أعاد تشكيل الخريطة الجيوسياسية والاقتصادية للمنطقة الجنوبية، من خلال مبادرات كبرى، أبرزها المبادرة الأطلسية التي تمنح دول الساحل الحبيسة منفذاً بحرياً حيوياً، مما يفتح الباب أمام استغلال مواردها الاقتصادية الواعدة والمهمة للاقتصاد التكنولوجي العالمي المستقبلي. ولهذا، فإن السياق الدولي الراهن يفرض خلق فرص سياسية تضمن أمن المنطقة، ومن هنا تنبع أهمية المبادرة التي تقودها واشنطن نيابة عن الحلف الأطلسي، بحسب تحليله.

فرصة تاريخية لشراكة استراتيجية

وفي ظل هذه التحولات، يرى يايموت أن الفرصة المتاحة تتجاوز فكرة المصالحة التقليدية لتصل إلى إمكانية إقامة شراكة جيوسياسية واقتصادية بين المغرب والجزائر. وأشار إلى أن القوى العظمى، في زمن التحولات الكبرى، تحتاج إلى “مرتكزات إقليمية” يمكن الاعتماد عليها، وهنا يبرز الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه البلدان معاً. وأضاف أن تأسيس هذه الشراكة من شأنه أن يخلق فرصاً اقتصادية هائلة، مع توزيع للأرباح يضمن استفادة الدولتين وتحقيق مكاسب كبرى لهما. غير أن تحقيق ذلك، وفقًا ليايموت، يبقى مرهونًا بوجود “وعي استراتيجي” لدى النخب الحاكمة في البلدين بالاستراتيجية الكبرى للدول العظمى، وتحديداً حلف شمال الأطلسي.

شروط النجاح: سيادة المغرب ومنفذ الجزائر

أما عن شروط نجاح الوساطة، فيلخصها الباحث ذاته في مطلبين جوهريين يدركهما الطرفان جيداً. بالنسبة للمغرب، اعتبر يايموت أن الشرط الأساسي الذي لا تنازل عنه هو أن يتضمن أي اتفاق اعترافاً حقيقياً وكاملاً بسيادته على أقاليمه الجنوبية. وفي المقابل، يكمن مطلب الجزائر الجيوسياسي في تأمين منفذ على المحيط الأطلسي، وهو ما يمكن تحقيقه، حسب الباحث، ضمن أطر القانون الدولي والتجارة الدولية عبر المفاوضات. وبذلك، يبقى نجاح المساعي الأمريكية معلقاً بمدى استعداد الطرفين للاستجابة للمطالب الجوهرية لبعضهما البعض، وإدراك أن المصالح المشتركة في مواجهة التحديات الدولية قد تفوق حسابات الصراع التاريخي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *