وجهة نظر

في انتظار تعيين الحكومة الجديدة، كيف هي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلاد؟

وزير الشغل السابق

في أيام معدودة ستشرعالحكومةالجديدة في ممارسة مهامها، مباشرة بعد تعيينها من طرف صاحب الجلالة كما هو منصوص عليه في الدستور، ستُقدم أمام البرلمان على أساس برنامج يغطي الخمس سنوات القادمة، من أجل الحصول على ثقة مجلس النواب. وهي مرحلة حاسمة قبل الشروع في ممارسة مهامها. ونأمل أن يكون هذا المرور أمام البرلمان ليس فقط مجرد إجراء شكلي مؤسساتي، بل لحظةمتميزة لحوار صريح وديمقراطي حول التوجهات الأساسيةللحكومة والخيارات التي حددتها بالنسبة للسنوات القادمة، فالبرنامج هو عبارة عن مجموعة من الأهداف التي ينبغي بلوغها والامكانيات الواجب تعبئتها قصد تحقيق هذه الأهداف. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نقيس ملاءمة الأهداف والوسائل، كما يمكن قياس درجة تطابق الأهداف المحددة بالالتزامات والوعود المعلنة في البرامج الانتخابية للأحزاب الثلاثة المشكلة للأغلبية. وهي مناسبةأيضا لاختبار كل من الأغلبيةوالمعارضةلأول مرة في الممارسة والقيام بأدوارهماالدستورية.ينبغي التأكيد أن الديمقراطية تتغذى وتنمو من أغلبية تساند وتقدم النصيحة، ومعارضةتنتقد وتفسر وتطرح البديل. والمصلحةالوطنية تبقى فوق كل اعتبار في جميع الحالات.

ينبغي القول أنالحكومةالجديدة ستباشر مهامها في ظرفية ملائمة نسبيا.فبالإضافةإلى تحسن المؤشرات المتعلقةبالجائحة، وهوأمر نسجله بارتياح مع مواصلة المجهود واحترام التدابير الاحترازية، تعرف المؤشرات الماكرو ــــاقتصادية والقطاعية تحسنا مشجعا، يلاحظ ذلك في المذكرةالصادرة عن مديرية الدراسات والتوقعات الماليةالتابعةلوزارة الاقتصاد والمالية وكذا المعطيات الصادرة عن المندوبيةالسامية للتخطيط. وهكذا يلاحظ أن كل المؤشرات القطاعية، باستثناء السياحة والنقل، توجدفي وضعية لا تدعو للقلق بعدما خرجت من الخط الأحمر. هذه النتائج تعود إلى الظروف المناخيةالملائمة، والتحسن الاقتصادي لدا شركائنا الأساسيين، والآثار الإيجابية لخطة الانعاش القائمة.

دعونا نذكر بإيجاز ببعض الأرقام،فهناك أمللموسم فلاحي استثنائي بمحصول103,4 مليون قنطار،كما بلغت صادرات المكتب الشريف للفوسفاط، في نهاية يوليوز 2021،33,5 مليار درهم،أي زيادة تقدر بـ %30,3. وارتفعت مبيعات الاسمنت، وهو مؤشر دال على قطاع البناء والاشغال العمومية، بنسبة%31,1في متم شهر غشت، كما ارتفعت المعاملات العقارية بــ%220,5 خلال الربع الثاني من سنة 2021.أما الصناعات التحويلية، فقد سجلت في نهاية الفصل الثاني من السنةمعدلات نمو تقترب من%100 في بعض الفروع.

شملت هذه الديناميةأيضا التجارةالخارجية والاستثمار. وهكذا،ارتفعت المبيعات نحو الخارج،معززة بمبيعات السيارات والفوسفات، بـ%23,2 موازاة مع تطور الواردات ب %21 جزء مهم منها يتكون من موارد التجهيز، ولكن أيضا وهذه نقطة سلبية، من الفاتورةالطاقية. وبالرغم من تحسن طفيف في معدل التغطية1,1 نقطة،)%59,8(فقد تفاقم العجز التجاري بـ%17,9 ليبلغ 117,4 مليار درهم.

وبخصوص الاستثمار، فقد تحسن بدوره نتيجة ارتفاع واردات مواد التجهيز بـ (%13,3 في نهاية يوليوز 2021) والزيادة في الاستثمارات الأجنبيةالمباشرة (%10.5 في نهاية يوليوز) وانتعاش الاستثمار الميزانياتي (Ⴕ%5,4 في نهاية غشت). وجزء كبير من هذه الاستثمارات، هي استثمارات جديدة كما يدل على ذلك عدد المقاولات الجديدة التي تم إنشائها خلال الربع الأول من السنة والذي بلغ 46811، وهو ما يمثل زيادةبــ%87 بالنسبة لنفس الفترة من سنة 2020. طبعا ينبغي النظر إلى هذا الرقم باستحضار عدد المقاولات التي تعرضت للإفلاس!

كما ينبغي الإشارةإلى أهمية تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج والتي بلغت في متم يوليوزأزيد من 54 مليار درهم، وهي زيادة تقدر بـ%45,6. وعلى العكس، تراجعت إيرادت السياحة بـ%42,8 لتستقر في حدود 13 مليار درهم، وعليه فهذين الموردين لم يسمحا إلا بتغطية%57.1 من العجز التجاري مقابل%60,2 في السنةالماضية.

على مستوى الماليةالعامة، تطورت الموارد العاديةللدولة طبقا لتوقعات قانون المالية لسنه 2021. وعلى العموم أدى تطور الموارد والنفقات إلى متم غشت 2021،إلى رصيد عادي سالب 10,7 مليار درهم مقابل 15,8 مليار في السنةالسابقة، وهو تراجع لعجزالميزانية بـ %32,2. وفي نهايةالسنة سنسجل بكل تأكيد تراجعا في عجز الميزانية.

وفي ختام سرد هذه المعطيات الرقمية، بلغت حاجةتمويل الخزينة 61,9 مليار درهم،بزيادة تقدر ب %28.5. ولتغطية هذا العجز، واعتبارا لتوفر سيولة خارجية صافية تقدر بـ 3 مليار درهم، لجأت الخزينةإلى التمويل الداخلي بمبلغ صافي يقدر بحوالي 59 مليار درهم.

وهكذا نكون قد دخلنا بالفعل في مرحلة تجاوز الأزمة. ولكن لا شيء نهائي لحد الساعة، فحتى لو انجزنا معدل نمو بحوالي% 5، لن تستعيد بلادنا مستوى الثروة لسنة 2019.  كما أن الهشاشةالاجتماعية التي أصبحت واضحةنتيجة الأزمةالوبائية، مازالت قائمة وتساءل بقوة الحكومة الجديدة.لذلك ينبغي الاسراع في اتخاذ التدابير حتى لا تزيد المشاكل تفاقما تحت تأثير الزيادات المتتالية في الأسعار والتي تؤدي إلى تآكلالقدرةالشرائية. كما ينبغي الانتباه إلى انفجار الأسعار التي تعرفها المواد الأولية على الصعيد الدولي وخاصة البترول والغاز ومواد البناء. فهناك خطر حقيقي في قتل البوادر الأولى للإنعاش في مهدها.

وعلى العموم، هناك مهام كثيرة تنتظر الحكومة. فهي مطالبة بالعمل بسرعة، مع القيام بجرد كامل للحاجيات والتوفر على صورةواضحة قدر الإمكان بخصوص أوضاع البلاد.إنه تمرين منهجي ضروري لقياس أي تقدم سيحصل في هذا المجال أو ذاك، وتقييم السياسات العمومية على أسس سليمة كي «نرجع لقيصر ما هو لقيصر، ولله ما هو لله».إن مثل هذا التمرين لا يمكنه إلا أن يضفي مزيدا من المصداقية للعمل الحكومي كما يجب القيام به بالشفافيةالمطلوبةمع احترام لإرادة المواطنين الذين يتمتعون بحق الحصول على المعلومات بصفة سليمةومنتظمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *