وجهة نظر

يوميات مهاجر في أمريكا (الحلقة 2)

فتتمة لما قلته في الجزء الاول والمتعلق اساسا بواقع الاعلام الإلكتروني الذي نعيشه الآن وحقيقة ما يتم تداوله داخل وسائل التواصل الاجتماعي في بلادنا داخل هذا العالم الافتراضي الجديد الذي اصبحنا نعيش داخله على الرغم من أنفسنا، والذي اصبح لا يعترف بالحدود الجغرافية بين بلدان العالم، فاصبح العالم كله كما يقال عبارة عن قرية صغيرة. فإلى اي مدى وصل تأثيره وانعكاساته على فكر وشخصية وأخلاق هذا الجيل الجديد خاصة من الشباب والمراهقين، الذي يدعي التطور والحداثة!!والذي تتجلى تمظهراته وصوره من خلال ذلك المنتوج الاعلامي التافه الذي يروج على نطاق واسع عبر هاته الشبكة العنكبوتية، التي تروجه تلك القنوات التافهة، او من خلال مايتم الترويج له من طرف بعض الاشخاص الذين يعتبرون انفسهم ابطال ومشاهير داخل هذا الواقع الجديد والذين يطلقون على انفسهم لقب مؤثرين اجتماعيين !! لكن الحقيقة هم فقط اشخاص واهمين وابطال من ورق وذوي خيال مريض !!!!! لكن السؤال الذي احاول طرحه هو: هل ممكن ان نقول من خلال ما يقع وما يحدث في مجتمعنا الآن، هل يمكن اعتباره نتيجة لتحديات العولمة وهيمنتها الاقتصادية والثقافية على المجتمعات المتخلفة والمحافظة؟ وخصوصا على عقلية الفرد وتأثيرها على أنماط التفكير لهذا الجيل الجديد كما قلت، نتيجة للاذمان على الانترنيت بصفة عامة،حيث انه في نظري تولد عنده نوع من الهواء او الهستيريا المعرفية ان صح التعبير فلقد اصبحنا امام جيل ،أغلبية شبابه يعاني امراض النفسية واجتماعية لا حصر لها ولا نهاية لها وذلك نتيجة لعدم قدرة هذا الشباب على استيعاب هذا الواقع الجديد التي اوصلتنا اليه هاته التكنولوجيا الحديثة ،وهذا التطور الاعلامي الحاصل في الحصول على المعلومة ومع قدراته الذهنية ومؤهلاته الفكرية والمعرفية والدراسة كذلك لمواكبة هذا التطور الحاصل الذي عرفه العالم الان، وقدرته على فك رموزه والغازه .فمن وجهة نظري يمكنني ان اقول انه حين يصل الصراع الى مستويات كبيرة بين الواقع والخيال في عقلية هؤولاء الشباب وعدم قدرتهم في التمييز بينهما بشكل منطقي سيؤدي بهم الحال في اعتقادي الشخصي الى معاناة نفسية لا حدود لها فلقد تصل بالشخص الى حالة الانفصام في الشخصية وهو غير واع ومدرك بذلك، بالإضافة في حالة التعاطي للمخدرات يمكن ان يصل الحال بهم الى مستويات خطيرة قد تزيد وتفاقم حالتهم النفسية والعقلية ،آنذاك سيصبح صعبا في التمييز والتفرقة بين الحقيقة والوهم وما بين الثقة بالنفس والغرور والنرجسية، وبين الواقع واحلام اليقظة حيث اصبح البعض منهم او جلهم يصدق نفسه بانه يمتلك قدرات مختلفة على الأخرين وانه انسان غير عادي قدم الى هذا العالم نتيجة سفره في الزمن ومن كوكب اخر غير الارض!!!كما أن لهذه المخدرات تاثيرات خطيرة فهي تساهم في تفاقم وضعيتهم النفسية و احداث المزيد في توسيع الهوة عندهم بالابتعاد عن الواقع والانفصال عليه بشكل تام، فيعتقدون انهم يعيشون سعادة حقيقية، وبانهم على حق و على صواب والباقي سوى ناس متخلفين للغاية. ومع ازدياد واستمرار هذا الاعلام المدمر والمسيطر في هاته المواقع الاجتماعية في نشر اخبار وحوارات جريئة لأشخاص نكرة ومحاولة اشهارهم لخلق ما يسمى البوز الاعلامي لحصد الاعجابات،فهم حقيقة سوى شخصيات مريضة نفسيا وتم اعطاءها حقها ونصيبها في التعبير عن نفسها وعن مكبوتاتها وبشكل ربما مقصود او غير مقصود يحاولون ان يخلقوا منهم قدوة معينة للشباب الاخر وهنا تكمن الكارثة الكبرى. فهم يعرفون داخل قرارات نفسهم بان هاته المواد الاعلامية المستهلكة التي ينشرونها لا تدخل سوى في اطار الربح السريع على الانترنيت وذلك بالبحث عن مواضع للتشويق والإثارة التي يمكن عن طريقها جلب اكبر عدد من المشاهدين من هذا الشباب لتحقيق اكبر عدد من المشاهدات والبوز الاعلامي. وأصبح هذا الواقع الجديد الان في نظرهم هو القاعدة، والاستثناء هو العكس ،اي ليس هناك اي خيار آخر بمعنى اخر، اما ان تتقبل هذا الواقع الجديد وبما يحمل من تغيرات لمفاهيم الحياة الجديدة رغما عنك واما سوى ان ترفضه إطلاقا، او ان تختار طريق التطرف والعزلة الذي سيؤدي بك لا محال في يوم من الايام الى الانتحار والعياد بالله . وفي هذا الاطار اريد ان استشهد بأحد الكتاب المعاصرين الكنديين اسمه “الان دونو “وهو بالمناسبة كذلك مفكر وفيلسوف معاصر وقد تناول هذا الموضوع المرتبط بالتفاهة في احد كتبه بالإسهاب والتحليل وهنا سوف استعين بأحد اقتباساته بهذا الخصوص حين قال “ان حالة الغربة التي تعيشها النخب والمواهب الصاعدة او الموجودة حاليا في مجتمعنا وسط هذا الكم الهائل من الاسفاف والرداءة في”…كل شيء فيقول لا داعي لقراءة الكتب المعقدة لا تحاول ان تكون فخورا ولا روحانيا، فهذا سيظهرك في هذا المجتمع بانك شخص معقد إذن من خلال ما قاله هذا الكاتب هل يمكن بان نستنتج بان الظاهرة اصبحت عالمية بدون شك فقد اصبحت لا تستني مجتمعا عن غيره فكل ما وصلنا اليه ما هو الا نتيجة الزحف المتواصل للنظام الرأسمالي، في شخص هاته الليبيرالية المتوحشة التي اصبحت تغزو العالم كله، وكذلك لأوجه التطور السريع في مجالات العلوم والتكنولوجيا والمعرفة وسرعة المعلومة التي تقوده هاته العولمة ،فاصبح هذا العالم الجديد لا يعترف بالإنسان كقيمة وجودية بل فقط يحاول ان يروج الى نظرية جديدة تختزل فيها قيمة الإنسان الى عبارة فقط عن جسد منفصل تماما عن الروح والعقل والذين هم الجزئيين المهمين في تكوين الإنسان واللذان يجعله مختلفا على بقية المخلوقات الاخرى ،كما أنه اصبح لا يعطيه حقه بالاعتراف بأهميته .في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فقط يهدف الى استغلاله من اجل الربح السريع بمختلف الوسائل الممكنة. إذن هل حان الوقت الان قبل اي وقت مضى ان نقول وان نعترف بانه قد اصبح التافهون والشعبويون هم اسياد هذه المرحلة في جميع المجالات المرتبطة بالحياة وانهم هم الذين اصبحوا يسيطرون ويسودون على الفضاء العمومي والاعلامي لمجتمعنا؟؟؟والذي ادى بطبيعة الحال الى تفكيك منظومة القيم والأخلاق وتهميش الكفاءات الحية والحقيقية، وبروز ثقافة استهلاكية جديدة هدفها الربح فقط، والتي انعكست سلبيا على المواطن واصبح يعيش حالة من العجز والكسل وعدم القدرة على المبادرة ولفعل اي شيء يستفيد منه ويستفيد منه الاخرين كذلك فهل يمكن ان نستنتج بأن كل ما وصلنا اليه الان انه كان امرا مقصود ومحتوما من قبل ام هو فقط نتيجة طبيعية لهاته العولمة الطاغية؟ حيث اصبحت تعودنا فقط على استهلاك اي شيء ،وتغييب للعقل النقدي تماما باستخدامه في الأمور التي تعود على اصحابها وعلى مجتمعاتها بالنفع والمعرفة والاعتماد عليه في تحليل كل مظاهر الحياة، وان الاخلاق هي عماد وأساس التطور والتقدم للأمم، وان انهيارها يعني انهيار المجتمع كله.

والملاحظ حاليا بالمقارنة مع الاجيال السابقة انه بدأت تختفى تدريجيا كل المعاني الحقيقية للفنون على اختلافها والادب والذوق الرفيع، وان كل المعاني والمفاهيم قد انقلبت في هذا الزمان فلم يبقى معنى للحياة الحقيقية حين غابت الحقيقة واصبح محلها الخرافة ، وغاب العالم والمثقف واصبح محلهم الجهلاء والاميين والاغبياء فاصبح التدني والانحطاط والرداءة هي التي تؤطر شعار هاته المرحلة او هذا العصر والسبب كله راجع الى مسخ، وتقزيم القدوة التي كانت هي الأساس فيما مضى تتصدر .الاعلام وتساهم في تشكيل الوعي الجماهيري للأجيال، والتأثير في ثقافتهم وصناعة مختلف سلوكياتهم وبهذا وقبال ان اختم موضوعي هذا سأعود وسأستشهد بنفس الكاتب الان دونو حين قال “يجب ان نحاول ان نرفض مهما كان ونخاصم التفاهة وننكرها ونعيد للفضيلة والأخلاق معانيها الحقيقية وتقديرها، ونجدد الثقة في ذواتنا وبمعاني الجهد والكد والعمل والاجتهاد والموهبة لنعيد للأشياء رونقها وجمالها الاصلي مقتنعين في ان واحد بان التحرر من سيطرة هاته التفاهة مسؤولية الكل بدون استثناء اذا ما أرادوا ان ينقذوا الإنسان”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *