أخبار الساعة، مجتمع

الألعاب الإلكترونية .. خطر يداهم عقول الأطفال واليافعين بالمغرب

صباح ايت سكرات – صحافية متدربة

لم تكن تدري ابتهال وهي يافعة تبلغ من العمر 17 ربيعا، أن جلوسها لساعات طوال أمام لُعب الفيديو، خلال الحجر الصحي الذي دام في المغرب لـ 3 أشهر، سيجعل منها مدمنة وأسيرة للألعاب الإلكترونية.

وتحكي ابتهال لجريدة “العمق”، أن فترة الفراغ التي عاشتها خلال الحجر الصحي دفعت بها إلى ملئ وقتها بألعاب الفيديو، وتقول في هذا الصدد: “في البداية كنت أستغرق خمسا إلى ست ساعات، ولكن بعد إدماني عليها أصبحت اقضي الليل كله في اللعب دون كلل أو ملل”.

ابتهال كغيرها من الأطفال والشباب مدمني “ألعاب الفيديو” بالمغرب، تركت خلفها دراستها والتزاماتها المنزلية، وغاصت في عالم الإدمان، وتقول: “اللعبة تستدرج الشخص شيئا فشيئا عبر مراحل الربح ومستويات التقدم فيها ومفاجأتها، مما جعلني أنغمس في عالمها دون إرادتي”.

فاطمة هي الأخرى تعاني مع ابنتها البالغة من العمر 23 سنة، وبحسرة شديدة تحكي لـ”العمق” قصتها قائلة: “أصبحت ابنتي مدمنة على الألعاب الإليكترونية بشكل مفرط جدا، لم تعد تهتم لأي شيء سوى اللعب كما أصبحت تهمل وجباتها الغذائية ولا تنام حتى الصباح”.

وكأي أم مغربية، تستيقظ فاطمة باكرا لإعداد الفطور لزوجها وأبنائها، غير أنها تفاجأ كل يوم بصوت ابنتها المرتفع، وهي في شبه عراك مع إحدى شخصيات لعب الفيديو، كلمات غريبة، صراخ، يعمق من معاناة أمها التي تجد نفسها مكتوفة الأيدي، أمام لعبة تسلب منها فلذة كبدها يوما بعد يوم.

معاذ شاب مغربي، مهووس أيضا، باللعب الالكترونية، فتح قلبه هو الآخر لـ”العمق” ليحكي لنا تفاصيل إدمانه، قائلا: “أنا أعمل في محل لبيع الأثواب، بدأت اللعب والإدمان على الألعاب الإليكترونية في فترة الحجر الصحي عندما توقفت عن العمل امتثالا للإجراءات التي اتخذتها الدولة للحفاظ على صحة المواطنين”.

وأضاف معاذ قائلا: “كنت في البداية أستغرق ثلاث ساعات في اللعب يوميا، لكن سرعان ما تطور الأمر ليستغرق اليوم كله تقريبا، لجأت إلى الألعاب الإليكترونية من أجل التغلب على الأزمة الصحية والنفسية”.

وأكدت بشرى المرابطي، وهي أخصائية نفسية وباحثة في علم الاجتماع، أن عددا من الهيئات المهتمة بالصحة العامة، تمكنت من إجراء دراسات مسحية على مستوى العالم، توصلت من خلالها إلى أن الألعاب الإليكترونية تمس بالصحة العقلية للإنسان، حسب الدليل CDI رقم 11، وأنها تصنف في إطار الإدمان العام الإدمان الإليكتروني.

وتضيف الأخصائية، في حديث مع “العمق”، أن دراسات أخرى “توصلت جميعها إلى أنه في لحظة وصول الطفل أو المراهق أو الراشد إلى حالة الإدمان، لا يمكن إلا أن نقول إنه يدخل في إطار الإدمان العام كإدمان المخدرات أو ما شابه، لأنه عندما يصل إلى حالة الإدمان آنذاك فنحن نتحدث عن اضطراب وليس عن حالة عادية”.

وقالت المتحدثة، إن من بين التأثيرات الصحية لألعاب الفيديو المعروفة، أنها تسبب اجتفافا في العين، الإرهاق، واعوجاجا على مستوى الإبهام، وخلع الكتف، وغيرها كثير، وذلك بسبب الوضعية التي يجلس بها مستعمل اللعبة.

وخلصت الأخصائية النفسية إلى أن الإدمان على الألعاب الإليكترونية يعطي تأخرا وتأثيرا سلبيا في التحصيل الدراسي بسبب السهر على اللعبة، ويقدر المعدل العالمي لساعات استعمال اللعبة الواحدة ما بين 8 ساعات إلى 12 ساعة، ولذلك يصبح الطفل أو المراهق منغمس في اللعبة وهذا ما يؤثر سلبا على حياته العادية.

وبخصوص الآثار على المستوى الذهني والعصبي لهذه الألعاب، كشفت الأخصائية المغربية، أن دراسة إسبانية نشرت في دورية لعلوم الأعصاب، وشملت 2500 طفل تتراوح أعمارهم ما بين 7 إلى 11 سنة، وجدت أن هناك اضطرابات سلوكية مرتبطة بعدد الساعات، أي أنه كل ما ارتفع عدد ساعات الجلوس أمام الألعاب الإليكترونية، كل ما وجدوا في العينة اضطرابات سلوكية أعلى، ومن بين هذه الاضطرابات هناك البعد العلائقي مع الأطفال وخاصة العنف.

وهذا ما يحصل للطفل الذي ينغمس في اللعبة، إجهاد ذهني، تضيف الدكتورة بشرى المرابطي، لأن اللعبة تعطي التحدي وكل ما ارتفع التحدي، ارتفع القلق، مما قد يؤدي إلى الوفاة أحيانا، وهناك بعض الأطفال لديهم قابلية للإصابة بالصرع بسبب التردد الكهربائي في اللعبة، الذي يسبب رفع عدد نوبات الصرع.

وأضافت المرابطي، أن هناك مؤشر خطير جدا في الصحة النفسية، وهو الانعزال عن العالم الخارجي أي أن الطفل أو المراهق ينعزل عن العالم الحقيقي، وذلك يعطي قابلية كبيرة للإصابة بمرض الرهاب الاجتماعي، وهو ما يؤثر على الأنشطة اليومية التي من أهمها الاستيقاظ للمداومة في المدرسة، مما يؤدي إلى تراجع ملحوظ على مستوى التحصيل الدراسية والتعلم، وكذا تعطيل مجموعة من المهارات، كالمهارات المعرفية والمعدل الثقافي.

وقد أجريت العديد من الدراسات العالمية، والتي اتخذت عينة تجريبية «خضعت للتجربة» وعينة ضابطة «لم تخضع للتجربة» حيت وجد الباحثون من خلالها أن العينة التي خضعت للألعاب الإليكترونية يقل نموها المعرفي بكثير عن العينة التي لم تخضع لتجربة الألعاب الإليكترونية، ناهيك عن العنف الذي يكتسبه الطفل من اللعبة أو الانتحار، في إطار التحدي، امتثالا لأوامر اللعبة.

وأشارت المرابطي الأخصائية النفسية والباحثة في علم الاجتماع، إلى بعض ضحايا الألعاب الإليكترونية الذين خسروا أرواحهم جراء الإدمان على العاب الفيديو، وهي أرقام تدعوا للقلق فعلا، ومن بينهم الأبوين الفرنسيين الذين أهملا طفلهما الرضيع ذو الثلاث أشهر لمدة 12 ساعة حيث كانا منغمسين في ألعاب الفيديو، حتى توفي الرضيع، وتمت إحالتهما على القضاء وصدرت فيهما أحكام بالسجن.

ومن الأمثلة التي قدمتها الأخصائية المغربية، “الطفل الذي تركته والدته في عهدة أبيه وذهبت إلى العمل، في حين انغمس الأب في لعبة الفيديو وأهمل الطفل إلى أن توفي هو الآخر”. وقالت الدكتورة إن عالم ألعاب الفيديو يصعب التحكم فيه ويؤثر بشكل كبير على جميع الأعمار لذلك يجب اتخاذ الحيطة والحذر.

وسبق أن أثار البرلماني عن الفريق الاشتراكي، سعيد بعزيز، خلال الولاية البرلمانية السابقة، موضوع إدمان الأطفال واليافعين على الألعاب الإلكترونية، وجاء في سؤال وجهه لحكومة العثماني آنذاك، “هذه الألعاب ترتكز بداية على التحدي وإحساس الطفل أو الشاب المقبل عليها بكونه يدخل مغامرة يكتسب منها شخصية قوية، لكن بمجرد إحساسه بالأمان يُصبح مدمناً لها لينتقل إلى مرحلة أكثر تقدماً تسود فيها القطيعة مع المحيط الأسري والعزلة التامة معهم مقابل التفرغ للجوال أو اللوحة الإلكترونية”.

ونبه النائب البرلماني قائلاً: “في المرحلة الأخيرة يُصبح مدمن هذه الألعاب مريضاً نفسياً، وقد يدفع تهديده باستعمال معطياته الشخصية إلى الاكتئاب الحاد والبحث عن سبل إيذاء نفسه، ليختتم مسار حياته بالانتحار”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *