سياسة، مجتمع

هل خالفت وزارة التعليم القوانين بشروطها الجديدة لولوج مهنة التعليم؟

أثار قرار وزارة التربية الوطنية القاضي بتحديد السن الأقصى لاجتياز المباريات في ثلاثين سنة، موجة غضب عارمة وسط المغاربة، وسط مطالب بالتراجع عن القرار والإلقاء على سن الـ45 المحدد في الوظيفة العمومية.

واعتبر العديد من الشخصيات السياسية والحقوقية والنقابية والمدنية، قرار وزارة التربية الوطنية “غير قانوني ولا شعبي ولا ديمقراطي”، مطالبين الوزارة بالتراجع عن شرط السن الذي يحرم فئات واسعة كانت تنتظر هذه الفرصة لولوج عالم الشغل.

قرار يعصف بمبدأ المساواة

وفي هذا الصدد، قال المحامي والباحث في القانون الدولي الإنساني، محمد النويني، إن هذا القرار من شأنه أن يعصف بمبدأ المساواة في التشغيل ولولوج الوظيفة العمومية، الذي يعتبر من أهم المبادئ التي نصت عليه بيانات حقوق الإنسان الأمريكية سنة 1776 والفرنسية سنة 1789، وتبنـــــته جل الدساتير الدولية.

وأضاف في مقال رأي على جريدة “العمق”، أن هذا المبدأ لا يقتصر تطبيقه أثناء الولوج إلى الوظيفة العمومية فقط بل يشمل جميع مراحل المسار المهني للموظف، ابتداء من التعيــــين إلى نهاية العلاقة الإدارية النظامية بين الموظف والإدارة.

ولفت إلى أن هذا الشرط الذي حددته الوزارة الوصية للاستفادة من الالتحاق بقطاع التعليم، وذلك بجعل 30 سنة كأقصى سن للمستفيدين من المشاركة في مبارياتها يبعث برسالة سيئة محبطة إلى كل غيور على هذا الوطن ينافح من أجل تطوره وتنميته.

وختم مقاله بالقول: “ختاما نقول لمصدري تلك القرارات التعسفية، إن الدستور المغربي وقوانينه الداخلية والمواثيق الدولية التي وقعتم عليها والتزمتم بسموها على تشريعاتنا الوطنية لا تسعفكم نصوصها ومبادئها لتدوسوا عليها بأقدامكم وبجرة أقلامكم”.

قرار لاشعبي وغير مقبول

أما عضو المكتب السياسي لحزب الاشتراكي الموحد، العلمي الحروني، فقد عبر في مقال رأي توصلت به جريدة “العمق”، أن قرار تحديد سن ولوج مهنة التعليم في 30 سنة يؤكد على أن الوزارة المعنية تتعامل مع جيش حاملي الشواهد المعطلة كأرقام مجردة ولا يهمها البتة حق هذه الفئة في الشغل، مشيرا إلى أنه قرار يعكس عقلية “الحكرة واللامبالاة”.

وأشار الحروني إلى أن وزارة التربية الوطنية بقرارها “المشؤوم هذا تعطي الدليل على العقلية اللاشعبية واللاديمقراطية التي تتشبع بها الحكومة”، مضيفا أنها تتعامل خارج السياق وخارج الواقع والمنطق وكأن “المسؤولين يدبرون شأنا هاما كشأن قطاع التربية والتعليم من أبراج عالية مكيفة منفصلة عن الواقع المعاش”، وفق تعبيره.

وقال السياسي ذاته إن “قرار الوزارة ليس مجحفا وإقصائيا ويضرب مبدأ تكافؤ الفرص فقط، بل أكثر من ذلك، إنه جزء من الممارسة السياسية الطبقية التي تسم الفكر والسياسة للدولة والحكومة في بلدنا لكونها تضرب بجرة قرار جيش من حاملي الشهادات من أولاد وبنات الطبقة المضطهدة اجتماعيا”.

وأضاف المتحدث أن مقاومة هذا القرار الذي وصفه بالجائر، أمر مشروع وفرض عين على الفعاليات السياسية والحقوقية والنقابية والتنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد والمتضررين من جمعيات حاملي الشواهد المعطلة بمختلف درجاتها وأسرهم وعموم المناضلين.

بدوره، اعتبر الأستاذ الجامعي رضوان اعميمي، في تدوينة له على فيسبوك، أن تحديد السن في 30 سنة أمر غير مقبول، في حين أشار إلى أن الانتقاء الأولي بناء على معايير موضوعية ودقيقة تراعي خصوصيات مهن التربية والتكوين مدخل إيجابي في اتجاه تجويد المنظومة.

قرار يتجاوز المرجعيات القانونية

أما عبد الرحيم منار اسليمي، أستاذ العلوم السياسية بالرباط، فقد اعتبر قرار شكيب بنموسى قرارا “خطيرا جدا لكونه يخرق مقتضيات الدستور والنظام الأساسي للوظيفة العمومية والنظام الأساسي لأطر الأكاديميات”، مضيفا أن “هذا القرار يقفز فوق كل هذه المرجعيات، ولا يمكن بتاتا لأي عضو في الحكومة تبريره مهما حاول الاجتهاد”.

وأضاف في تدوينة له على حسابه بموقع “فيسبوك”، أن الوزير بهذا القرار لم ينتبه أن الأمر يتعلق بقطاع التعليم، وعلى الحكومة قراءة التاريخ جيدا، وتاريخ الصراع حول التعليم بالضبط، وفق تعبيره.

وأشار اسليمي إلى أن الوزير والحكومة “ارتكبت بهذا القرار خطأ كبيرا، وهي لازالت في أسابيعها الأولى، وهو خطأ سيكون له أثر كبير على أدائها”، وفق تعبير الأستاذ الجامعي.

وقال في تدوينة أخرى: “ننتظر ماذا سيكون رد فعل الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية والتقدم والاشتراكية على قرار بنموسى، والسؤال هو عن حزب الاستقلال ومعه البام، هل وافقا على هذا القرار؟”.

قرار أحادي الجانب ولا ينبني على مبررات معقولة

حول نفس الموضوع، عبر الكاتب العام الوطني للجامعة الوطنية للتعليم FNE، عبد الرزاق الإدريسي، عن استغرابه من القرارات التي تصدرها وزارة التربية الوطنية بعيدا عن إشراك النقابات لإبداء الرأي حولها.

وأضاف الادريسي في تصريح لجريدة “العمق”، أن ما جاء من شروط في إعلانات الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين لتوظيف أطرها النظامية، “كرس منطق استفراد الوزارة بالقرار بعيدا عن شركائها الاجتماعيين”.

وقال المتحدث إنه “في الوقت الذي كانت النقابات تشدد على ضرورة تقاسم جميع المعلومات المرتبطة بقطاع التعليم وهي مجتمعة مع مدير الموارد البشرية، أمس الجمعة، نفاجأ بإصدار هذا القرار غير المعقول”، مشيرا إلى أن الوزارة بهذه الطريقة “تريد أن تعطي انطباعا بتورط النقابات في هذا القرار وبموافقتها على هذه الشروط”.

ووصف الإدريسي هذا القرار بـ”اللاشعبي واللاديمقراطي وأحادي الجانب وبالمتسرع ولا يأخذ بعين الاعتبار واقع العطالة في بلادنا، ولم يأخذ بعين الاعتبار القوانين المؤطرة للوظيفة العمومية التي حددت السن الأقصى في 45 سنة”، وقال إنه “قرار لا دستوري بحيث يحرم فئات واسعة من حقها في الشغل”، وفق تعبيره.

وفي السياق ذاته، استنكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، قرار تحديد سن الولوج لمهنة التعليم في 30 سنة.

واعتبر لشكر، في تقرير المكتب السياسي للحزب على هامش المجلس الوطني، أن قرار وزارة التربية الوطنية، تحديد السن الأقصى لاجتياز مباريات أطر الأكاديميات في 30 سنة يخالف قانون الوظيفة العمومية، مشيرا إلى أن ذلك أحبط عدد من الشباب في ولوج مهنة التعليم.

وشدد المتحدث ذاته، على أن هذا القرار لا ينبني على مبررات معقولة وأجهض حلم الشباب في إيجاد فرصة لولوج سوق الشغل، ويترجم القرارات النيو ليبرالية لهذه الحكومة، وفق تعبيره.

نواب الاستقلال يدخلون على الخط

من جانبه، اعتبر البرلماني عن حزب الاستقلال منصف الطوب، أن تحديد سن اجتياز مباراة التعليم في 30 سنة “قرار مجحف سيحرم الآلاف من شابات وشباب هذا البلد من حقهم في الشغل والكرامة، ويحول دون تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص”، وفق تعبيره.

وقال البرلماني عن دائرة تطوان، إنه بالرغم من انتمائه لحزب من أحزاب الأغلبية الحكومية، فإنه سيترافع بكل السبل الممكنة من أجل عدم إقصاء فئة واسعة من أبناء المغاربة من مهنة التدريس، مشددا على ضرورة العمل على تدارك الأمر في أسرع وقت ممكن.

كما قالت البرلمانية الاستقلالية، خديجة الزومي، في تعليق لها على الموضوع بحسابها في موقع “فيسبوك”: “ماذا أقول بعد الثلاتين؟.. رغم أن الشباب يمتد للأربعين”، في إشارة منها إلى رفضها لقرار تحديد سن اجتياز مباراة التعليم في 30 سنة.

احتجاج طلابي

وفي ردود الفعل الميدانية، شهدت عدد من المدن احتجاجات لطلاب ومجازين رافضين لقرار تحديد سن الثلاثين لولوج مهنة التعليم، حيث احتشد المتظاهرون في وقفات أمام الأكاديميات الجهوية للتعليم بالدا رالبيضاء وأكادير ووجدة ومدن أخرى، اليوم السبت.

وتحولت وقفة احتجاجية بالحي الجامعي “ظهر المهراز” بفاس، مساء أمس الجمعة، حول مطالب المنحة، والنقل، إلى مسيرة احتجاجية تنديدا بقرار وزارة التربية الوطنية، تحديد السن الأقصى لاجتياز مباريات أطر الأكاديميات في 30 سنة.

المسيرة الاحتجاجية التي دعا إليها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، شارك فيها مئات الطلبة والمعطلين، وجابوا خلالها عددا من شوارع مدينة فاس، رفعت فيها شعارات تندد بقرار وزارة التربية الوطنية القاضي بتحديد سن المترشحين لمباريات أطر الأكاديميات في من تبلغ أعمارهم أقل من 30 سنة.

“واك واك على شوهة، الوظيفة بعتوها”، و”التعليم حق الجميع”، إضافة إلى شعارات أخرى صدحت بها حناجر مئات الطلبة والمعطلين بفاس، والذين وصفوا قرار الوزارة بـ”الإقصائي في حق أبناء الشعب المغربي”.

أصل الحكاية

يذكر أن الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين أعلنت، أمس الجمعة، عن مباريات لتوظيف الأطر النظامية للأكاديمية، استعدادا للدخول التربوي 2022-2023.

وعلى عكس السنوات الماضية حملت مباريات أطر الأكاديمية مستجدات تم اعتمادها “تماشيا مع الإصلاح الهادف إلى بلوغ النهضة التربوية المنشودة”، وفق بلاغ للوزارة.

وتهم هذه المستجدات وضع إجراءات للانتقاء القبلي لاجتياز المباريات الكتابية بناء على معايير موضوعية وصارمة بغية ترسيخ الانتقاء ودعم جاذبية مهن التدريس لفائدة المترشحات والمترشحين الأكفاء. وتأخذ هذه المعايير بعين الاعتبار الميزة المحصل عليها في الباكالوريا والميزة المحصل عليها في الإجازة وسنة الحصول على هذه الأخيرة.

كما تم إدراج رسالة بيان الحوافز “lettre de motivation” كوثيقة إلزامية، وذلك من أجل تقييم الرغبة والاستعداد والجدية التي يبديها المترشحون والمترشحات بخصوص مهن التربية، كما سيتم إعفاء حاملي إجازة التربية من مرحلة الانتقاء القبلي والذين سيكون بمقدورهم اجتياز الاختبارات الكتابية بشكل مباشر، وفق ما أورده البلاغ.

وينضاف إلى ما سبق تحديد السن الأقصى لاجتياز المباريات في 30 سنة، بغية جذب المترشحات والمترشحين الشباب نحو مهن التدريس وبهدف ضمان التزامهم الدائم في خدمة المدرسة العمومية علاوة على الاستثمار الأنجع في التكوين وفي مساراتهم المهنية.

وقالت الوزارة في بلاغها إن هذا التوجه سيساهم في الاستجابة إلى تطلعات وانتظارات المواطنات والموطنين، فيما يتعلق بالمدرسة العمومية وبمستقبل بناتهم وأبنائهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *