منتدى العمق

كفاح الشباب من أجل التنمية

إن كان إصلاح التعليم شأنا بالغ الاهمية و الاستعجال بقدر ماهو بالغ التعقيد ,فجدير به قبل نسج خيوط جلبابه الجديد الذي سيلبسه الشعب المغربي ,أن تُختار خيوطه المتينة قبل ألوانه،و على عكس ما يبدو الآن اذ أن معالي الوزير اختار أن يبدأ بالترصيع قبل أن يفكر باختيار خيوط ذات جودة . فهو الذي كان بالامس يجوب المغرب شمالا وجنوبا ،شرقا و غربا , مدنا و بوادي ,ثانويات و معاهد و كليات , ليجمع تطلعات المغاربة عموما و الشباب خصوصا بغرض صياغة نموذج تنموي ,مثله كمثل الطبيب الذي يأخد الخزعة من الورم ليجد له العلاج . لكن وصف مرهم الحروق لعلاج الكسور يدفعك حتما للتشكيك في كفاءة الطبيب و الجامعة التي درس بها على حد سواء.

فالتعليم بالمغرب ليس مسألة كفاءة الاستاذ وحدها ،أو التمكن من الكفايات لدى التلميذ،و لا حتى الكتب المدرسية و المعلومات ، الاشكال في طبيعة نسج علاقة تربط أستاذا مناضلا من طبقة كادحة الى متوسطة و واقع أقل ما يقال عنه أنه يحتاج الكثير من الكفاح اليومي, مع تلميذ من نفس واقع الاستاذ لكنه لا يقوى على الكفاح داخل مؤسسة ملونة الجدران و كتاب يغوص في الخيال و بعيد عن الثقافة المغربية ,و كذا تمكين هذا التلميذ من الكفايات الاساسية للكفاح. هذه التركيبة المعقدة و متعددة الروافد و المنازل هي الوحيدة القادرة على أن تكون اكسير حياة مجتمع يرسل أبناءه كل يوم للمدرسة ليتعلموا الكفاح من أجل التنمية و النهضة و الحياة و ليس من أجل العلم كغاية لذاتها.

فكلنا نكافح بطريقة ما للحصول على شهادة الباكالوريا ،ثم نلج الجامعات والمعاهد العليا و نتعلم هناك أكبر دروس الحياة ،اذ نكافح كل يوم منذ أن تطأ أقدامنا الجامعة، من أجل مقعد في المدرج ، من أجل المواصلات و برمجة الحصص ، و لا نجتاز الامتحانات الا بعد معركة نضالية واحدة على الاقل .نكافح من أجل مكان للايواء داخل الاحياء الجامعية أو خارجها ، من أجل وجبة غداء او عشاء كريمة .و بعد معارك عديدة نظفر بشهادة او شهادتين . و نظن نحن الشباب المحارب من أجل التنمية أن المعركة انتهت و أننا فزنا و ماعلينا إلا البحث هنا و هناك عن بعض الكتب و الجذاذات للتحضير لمباريات الولوج لمهنة التعليم ,و كلنا حماس في نقل تجاربنا السابقة في الكفاح من أجل التنمية للجيل الصاعد ، كلنا أمل في الحصول على وظيفة و أجر شهري و معاش .

يتحطم الامل في اصطدامه بأمل معالي الوزير في جذب أنظار الذين اختاروا الطب و الهندسة و الذين يدرسون بكبريات جامعات العالم و جعلهم يتحسرون على تفويتهم فرصة أن يكونوا مدرسين، بل و جعل من اختار مسار البحث العلمي يلعن اختياره مئة مرة عند علمه بشروط ولوج مهنة التدريس.

هذا الحطام المتناثر من آمال شباب المغرب المكافح من أجل التنمية أوقد من جديد شعلة الكفاح داخله و أججها لديه , و بل و جعله أكثر يقينا بأن التنمية لن تكون فقط بتسطير النموذج التنموي و جعله أثاثا على المكتب ,بل هي الكفاح كل يوم من أجلها و خوض معارك نضالية كلما دعت الضرورة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *