وجهة نظر

الملك يقطع مع المنجمين ويبقي الأمور في “إطارها السليم”

إبعاث الملك محمد السادس لمستشارين من مستشاريه للقاء رئيس الحكومة المعين لتشكيل الحكومة بعد انتخابات السابع من أكتوبر، والتي طال انتظارها أكثر مما يجب، بالشكل الذي تمت عليه والعبارات التي وردت في البيان الرسمي هي بالتأكيد يحمل العديد من الرسائل والدلالات المهمة التي تستحق الوقوف عليها.

فاختيار الملك لمستشاره في القضايا الدستورية والقانونية ورئيس اللجنة الاستشارية التي كلفها بصياغة دستور 2011 عبد اللطيف المنوني ، ومستشاره الآخر في القضايا الاقتصادية عمر القباج، هو إشارة ايجابية من الملك تستحق التنويه، ذاك لأن الأمر هو رسالة واضحة وصريحة من الجالس على العرش، كرئيس للدولة وكضامن للاستقرار ووفق ما يكفله له الدستور بتقيده بالإطار الدستوري السليم لما يجب أن تكون عليه الأمور بعيدا عن أي خطوة أخرى يمكن أن تجعل الأمور معقدة أكثر بدل إيجاد الحل لتعثر إخراج الحكومة للوجود.

فمادام الملك لم يبعث مستشاره الآخر المعروف فؤاد علي الهمة والذي لا يكن كثير الود للحزب المحافظ، أو إرسال وزير الداخلية أو أي ممن يشكلون بقايا المقاومة ضد التغيير داخل الدولة لنقل “توجيهاته” لبنكيران، فذاك يعني أن الملك لا يزال حريصا أشد الحرص على إبقاء الأمور ضمن إطار المنهجية “الديمقراطية”، كما أن ذلك يشكل رسالة مبطنة لبعض المنجمين السياسيين والدستوريين ممن ينتظرون أي خطوة ملكية قد تقلب الموازين على الحزب الحاصل على أكبر المقاعد وتضعه أمام أمر واقع آخر بعيدا عن لغة صناديق الاقتراع.

أولا نعتقد أن الخطوة الملكية كانت شيئا ضروريا و بديهيا من رئيس الدولة وما كان للأمور أن تستمر على هي عليه أكثر والى مالا نهاية، خاصة وأن العديد من المؤسسات والمصالح داخل الدولة كلها معطلة منذ الانتخابات ولم يعد الأمر يستحمل أكثر من ذلك.

اللقاء بين بنكيران ومستشاري الملك سيكون قد خيب بالطبع آمال وانتظارات جهات وأطراف داخل المشهد السياسي وحتى داخل بعض دوائر صنع القرار، ممن كانت تنتظر هي الأخرى ما تنقذ به جزء من ماء الوجه، وكانت تنتظر بترقب أي خطوة كغضبة ملكية أو ما شابه ممن يمكن أن يعيد الأمور لصالحها ويعيدها للواجهة مرة أخرى.

على الجهة الأخرى المقابلة مع مبعوثي الملك تعد بمثابة جرعة أوكسجين لبنكيران وستبقيه بالتأكيد في موقف قوة وربما موقفه سيتقوى أكثر مادام إرسال الملك للمنوني والقباج فيه إشارة طمأنة على إبقاء الأمور في إطارها السليم بعيدا عن أي خشونة أو تدخل خارج إطار الدستور كما دعا إلى ذلك العديد من “الفهايمية الدستوريين”.

فالرجل بذلك الآن لا يزال يملك هامش مناورة أكبر إلى حد ما (على الأقل مقارنة مع باقي اللاعبين الآخرين، إذ بما أن الأمور ستبقى في إطارها الديمقراطي، فذاك يعني أنه جهز نفسه وحساباته لكل السيناريوهات المحتملة بما فيها أسوؤها أي إعادة الانتخابات، خاصة وأن الخطوة لن تكون أقل سوء على الآخرين وهم أكثر من يعرف ذلك إذ من شأن إعادة الانتخابات أن تمنح مقاعد إضافية لحزب العدالة والتنمية قد تجعله في غنى عن أي تحالفات مؤلمة كما هو الآن، لذلك فالتيار الآخر المشكل بالخصوص من الأحزاب المقربة من السلطة لن تخاطر بهذا الرهان بالتأكيد.

لكن ذاك لا يعني كذلك أن على الرجل الإبقاء على نفس طريقة اللعب كما هو عليه الأمر الآن وانتظار تنازلات من الآخرين فقط، مادام الأمر لم يفضي إلى أي نتيجة حتى الآن، بل عليه هو الآخر تقديم تنازلات إضافية وبدل أكبر قدر ممكن من المرونة بما يجعل الطرف الآخر يتنازل هو الآخر على شروطه خاصة الشروط اللاعقلانية التي فرضها كشرط للقبول بالمشاركة أي استبعاد حزب الاستقلال.

بعد اللقاء الضغط الآن سيكون على الجبهة المشكلة ل (التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري) ، وذاك أكثر الضغط المشكل على جبهة الثلاثي المعلن بشكل رسمي دخوله في الحكومة المقبلة (العدالة والتنمية، الاستقلال، التقدم والاشتراكية)، خاصة وأن الجبهة الأولى كانت تراهن على عامل الوقت لإجهاد بنكيران وإرغامه على الخضوع للشروط وهو ما لم يؤتي أكله إلى حد الآن.

وبما أن أحزاب الجبهة الأولى كلها أحزاب مرتبطة بالسلطة والإدارة بشكل كبير، فذاك يعني أنها ستتلقف الإشارة الملكية بما يوحي لها أنها لم تكن كما أراد الجالس على العرش، وأنها قد تشملها غضبة ملكية إذا ما استمرت على نفس النهج، فحتى وإن كانت خطواتها الحالية والعرقلة لإخراج الحكومة تم بأمر وإيعاز من أطراف داخل السلطة نفسها وهذا الأمر ليس بخاف على أحد كما أنه معروف على تلك الأحزاب أنها تابعة لجهات داخل الدولة وتعبر بشكل أو بآخر عن توجهاتها فذلك لا يعني أن الأمر يتم بموافقة ملكية.

ثم أن من يخبر جيدا عقلية النخب المنتمية إلى هذه الأحزاب عامة فإنه سيعي جيدا ماذا يشكل التوجيه الملكي بالنسبة لها؟، إذ لو أنها أحست فقط أن ذلك فيه رسائل مضمرة لها أو رسائل لعدم ارتياح الملك لخطواتها وتوجهاته تلك، فهي من شدة خوفها على مواقعها ومصالحها مستعدة للتخلي على كل شيء إذا كان ذلك سيجلب لها ولو قليل من “صداع الرأس” مع القصر.

أما حزب التجمع الوطني للأحرار، أو بالأحرى عزيز أخنوش الذي يقود عملية العرقلة الحالية، عليه أن يعيد كثير من حساباته فالأمور لا تسير لصالحه لحد الآن، وربما إذا استمر على هذا المنوال فإنه سيدفع ثمنا مكلفا للغاية فللرجل مصالح كثيرة يمكن أن تتأثر بطريقة اللعب التي يلعبها داخل المعترك السياسي.

فالأخير ليس هو فؤاد العماري الذي لا يملك نفس المصالح الاقتصادية الضخمة، كما أنه ليس بتلك الشخصية التي يمكن أن تقاوم الضغط والمراقبة الشعبية خاصة قوة وسائل التواصل الإجتماعي التي يمكن أن تجعل كل خطوات الرجل بما فيها غير السياسية مكشوفة ومراقبة على مدار الساعة، وهذا ما لن يحبذه الرجل بالتأكيد شأنه في ذلك كشأن أي رجل أعمال في العالم وليس فقط في المغرب.

لكن ما نعتقده من كل هذا أنه بعد الخطوة الملكية -الذكية-، ستتغير الأمور والراجح أنه سيتم التعجيل بعملية تشكيل الحكومة، كما نعتقد أن الحزب الرئيسي المسبب لعرقلة التشكيل سيتنازل عن شرطه الأساسي الذي هو استبعاد حزب الاستقلال، وبالتالي بعد عملية الانتظار الطويلة قد تنتهي خلال الأسبوع والأسبوعين المقبلين، لكن تبقى المشكلة بعد ذلك أن تشكيل الحكومة حتى وإن تم فإن عنصر غياب الثقة والتوجس من الآخر سيبقى السمة المميزة لها، وهذا لن يكون في مصلحة أي أحد بالطبع ولا حتى من مصلحة البلد، كما أن من شأن ذلك أن يجعل مسألة إتمام الحكومة لولايتها أمرا صعبا، إذا ما استمرت الأمور على هذا المنوال .