منتدى العمق

“الدرس الفلسفي” بالثانوي.. رؤية نقدية

يطرح “تدريس الفلسفة” مجموعة من الإشكالات التي تبتدئ – ربما – بالتساؤل عن إمكانية تدريس التفلسف ( كاختيار بيداغوجي رسمي) أو “تدريس ما لا يمكن تدريسه” بعبارة جاك دريدا. وتمر بمساءلة الشروط المؤسساتية والبيداغوجية والديداكيتية لهذا التدريس، كي يكون مثمرا ومجديا، ولا تنتهي مع إثارة قضايا السياق السياسي والسوسيو- ثقافي الذي يتم في إطاره هذا التدريس.

وإذا كان مدرس الفلسفة يروم مساعدة المتعلم على “تعلم التفلسف” (أي التفكير الفلسفي العقلاني والنقدي المتشبع بقيم الحرية والاختلاف…) فإنه من باب أولى أن يضع ممارسته الفصلية على محك النقد. لتبين أهم العوائق/ الأعطاب التي تعترض هذه السيرورة، ويقترح البدائل/الحلول الممكنة، مستحضرا الجدلية القائمة بين الجانب النظري والشق التطبيقي من الممارسة الفصلية.

في هذا السياق تأتي هذه الورقة/المساهمة – المتواضعة – لا لتقدم حلولا ناجزة، بل بشكل أساس لتفتح الباب مشرعا على جملة من الأسئلة والهموم التي تؤرق بال كل غيور على “الدرس الفلسفي بالمغرب” (خاصة بالثانوي التأهيلي).

وبغية تسليط الضوء على هذا الأمر سنتطرق لمحاور ثلاثة:
أولا: عوائق “تدريس التفلسف” بالثانوي التأهيلي
ثانيا: ملامح من التجربة الفصلية
ثالثا: نحو اجتراح بدائل/حلول ممكنة.

المحور الأول: عوائق “تدريس التفلسف” بالثانوي التأهيلي

لا نفشي سرا إن قلنا إن “الدرس الفلسفي” بالتعليم الثانوي التأهيلي بالمغرب (والتعليم الجامعي أيضا) يواجه ثلة من التحديات التي تحول دون نجاعته، وتقف عائقا أمام ترسيخ الفكر الفلسفي العقلاني والنقدي في المجتمع المغربي. وبالنظر لصعوبة جرد كل الأعطاب – في هذا المقال المتواضع – فإننا سنشير إلى أبرزها فقط.

1- العوائق السوسيوثقافية:

– التمثلاث الاجتماعية السلبية حول المدرسة عموما (أزمة ثقة المجتمع في المدرسة)، وحول الفلسفة خصوصا. إن التلميذ المغربي يأتي إلى درس الفلسفة وهو محمل بالعديد من الأراء والأحكام المسبقة حول الفلسفة، والتي تسمها وتسم مدرسها بسمات سلبية (“مادة الحمقى” “مادة صعبة وكلها عقد” “مادة عقيمة لا تفيدنا في حياتنا” “تؤدي إلى الشرك والإلحاد”… والكلام لعينة من التلاميذ ). وتشكل مثل هذه التمثلات حاجزا سيكولوجيا يمنع المتعلم من الإقبال على درس الفلسفة بحماس وشغف.

– انتشار ظواهر الشعوذة والسحر والإقبال على شراء واستعمال التمائم، وزيارة الأضرحة والمواسم طلبا للعون والاستشفاء…في المجتمع المغربي. ولا شك أن بروز تفكير عقلاني رهين بإعادة النظر والقطع مع الممارسات الخرافية التي لا يقبلها لا العقل والدين، لتهيئة تربة خصبة للتفكير الفلسفي. وفي ظل وجود مثل هذه الظواهر يصعب “دفع المتعلم” إلى إعمال العقل بشكل نقدي.

– يتطلب “الدرس الفلسفي” الانفتاح على حقول معرفية عدة كالعلوم الطبيعية والإنسانية والآداب…لاستيعاب مجموعة من الإشكالات التي يصادفها المتعلم في برنامج المادة. أي أن الأمر يتطلب من المتعلم (والمدرس(ة) طبعا) امتلاك رصيد معرفي منفتح وغني…وأمام أزمة القراءة التي يشهدها مجتمعنا يظل هذا الأمر بعيدا عن المنال، ويسهم في غربة “الدرس الفلسفي”.

– ثقافة الرأي الواحد: تعودنا على الإنصات للرأي الواحد باعتباره “الرأي الأصوب” (رأي الاب داخل الأسرة – رأي المدرس داخل الفصل – رأي “الفقيه الرسمي” في الشأن الديني- رأي الزعيم داخل الحزب – رأي الحاكم “الأوحد” في تدبير الشأن العام…). ولأن التلميذ استدمج ثقافة الفكر الأحادي فإن التعرف على رؤى متعددة، وتصورات “متضاربة” في مادة الفلسفة يعكس بالنسبة له ضعف وعقم الفلسفة كأسئلة بدون أجوبة، لا غناها وانفتاحها على الاختلاف والنقاش العقلاني …الخ.

2- العوائق السياسية :

ويبرز في التعامل “التكتيكي” لا “الاستراتيجي” من طرف الدولة مع “تدريس مادة الفلسفة”. فلمواجهة التيار اليساري والإيديولوجية الماركسية سعت الدولة إلى محاصرة الفلسفة داخل الجامعة (إغلاق معهد السوسيولوجيا، حذف شعبة الفلسفة من كليات الآداب الجديدة – إنشاء شعب الدراسات الإسلامية …) وحين لاحظت صعود تيارات الإسلام السياسي ( التي تنازع النظام شرعية الحكم) “استنجدت بتدريس الفلسفة” بهدف ” تلجيم المد الأصولي” من جهة، واحتواء الخطاب الفلسفي (المشاغب) من جهة أخرى. و يبرز هذا التعامل “التكتيكي” كذلك في إهمال البحث العلمي عامة، وفي مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية خاصة.

3- عوائق بيداغوجية – ديداكتيكية :

– اختيار المقاربة بالكفايات : تقر الاختيارات الرسمية بضرورة اعتماد المقاربة بالكفايات كمدخل ل”تعليم التفلسف” (وفق البيداغوجيا الكانطية التي لا تلغي البيداغوجيا الهيغلية كليا). بيد أن هذا الاختيار ، وإن كانت له مبرراته القوية وإيجابياته التي لا يمكن إنكارها، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يجعلنا نغض الطرف عن محدوديته، والتي تكمن أساسا في تغليب الجانب المنهجي التقني (الخطوات المنهجية المجزأة في الكتابة الفلسفية، وهو أمر تكرسه الأطر المرجعية المحينة 2014 الخاصة بالتقويم في مادة الفلسفة ) على حساب الروح الفلسفية (روح التأمل والشك والأشكلة والمفهمة والحجاج والتفكيك والنقد…). ويمكن – ربما – تفهم هذا الأمر إن نحن استحضرنا المرجعية الاقتصادية للمقاربة بالكفايات.

“إن الدرس الفلسفي يخسر كثيرا حينما يتحول إلى مختبر للتمهير، حيث تصبح المهارات غايات في ذاتها، وفي ذلك غربة حقيقية للدرس الفلسفي، لأنه من جهة يبتعد عن خدمة ملكة الفكر […]ومن جهة أخرى يصبح أسير مهارات عابرة وبالتالي أسير تعلم المحو” .

فلا غرو إن كنا نصادف نماذج من كتابات التلاميذ قد تراعي الجانب المنهجي – خطوة بخطوة – لكنها تتسم بالنمطية وغياب الإبداع… وتفتقد للروح الفلسفية، ومما يزيد الطينة بلة انتشار والإقبال على “استهلاك” المؤلفات التجارية في مادة الفلسفة التي تدعي تقديم الوصفات الجاهزة للمتعلم لكتابة إنشاء فلسفي مدرسي.

– مشاكل التأليف المدرسي: فالمتفحص للكتب المدرسية في مادة الفلسفة سيجد بها الكثير من العيوب المرتبطة بسوء الترجمة أحيانا، والاختيار غير الموفق للنصوص، وتقديم عروض وملخصات تكرس سلبية التلميذ، وتضعف فيه روح البحث عن حلول للإشكالات الفلسفية. دون أن ننسى اعتماد العرض التقليدي – في هذه الكتب – مما يقوض عملية الأشكلة…الخ

– مشكلة الضعف اللغوي للمتعلم: يقول هايدغر “إن اللغة مسكن الوجود”، ونعرف حاليا الارتباط الوثيق بين الفكر واللغة، بحيث يستحيل تصور أحدهما دون الآخر. وبالنظر إلى الضعف اللغوي للمتعلم فإنه من الصعب تعليم/ تعلم الكتابة الفلسفية في غياب امتلاك رصين للغة العربية الفصحى . فقد تجد بعض التلاميذ الذين يستوعبون المضامين الفلسفية، ويتعاملون معها بفكر نقدي، غير أن عدم تمكنهم من اللغة يشوه كتاباتهم، ويفقد أفكارهم قيمتها.

– إن الاكتظاظ الذي تعرفه الفصول الدراسية، وعدم تلاؤم الغلاف الزمني المخصص للمادة مع حجم المقررات الدراسية (خاصة بالنسبة للثانية من سلك البكالوريا، وبالأخص شعبتي الآداب والعلوم) يدفع بالمدرس، في الكثير من الأحيان، إلى تعليم الفلسفة لا التفلسف. أي إلى نقل معارف فلسفية للمتعلم الذي يحفظها ليستظهرها لحظة التقويم، وسرعان ما يتخلص منها عند “التحرر من قيود الامتحان”. إذ يتم الإنشغال بمسألة الفشل والنجاح والجانب المعرفي على حساب “هاجس” التفلسف.

علاوة على ذلك يحول الاكتظاظ داخل الفصول الدراسية دون إعطاء التمارين الفلسفية العناية التي تليق بها، ودون التمرن على الكتابة الفلسفية داخل الفصل، ويفرض على المدرس تقليص مساحة الحوار. بل ويتحول النص الفلسفي المفعم بالحياة إلى نص عادي. هذا فضلا عن تعامل بعض المدرسين مع النصوص الفلسفية باعتبارها غايات في حد ذاتها لا وسائل لتعلم التفلسف، مما يجعل النص الفلسفي عائقا أمام التفلسف لا دعامة له.

– مدرس الفلسفة “داعية إيديولوجيا ” : إن تحويل الدرس الفلسفي إلى مسرح للدعاية الايديولوجية (أي اختزال الفلسفة في فلسفة واحدة) يفرغه من مضمونه الفلسفي والنقدي. وأكثر ما يمكن أن ينتجه مثل هذا الدرس مريدون وأتباع لا قدرة لهم على التفلسف والإبداع. ويصير المدرس “شيخا” ينطق بالحقيقة المطلقة. ويتعمق الانغلاق المعرفي لدى المدرس، وعدم مواكبة التطورات المعرفية المتلاحقة. وغني عن البيان أن هذا الأمر يصيب الفلسفة في مقتل، ويفقد “الدرس الفلسفي” قيمته المضافة، و التي تكمن في التربية على قيم الحرية والإبداع وقبول الاختلاف والحوار…الخ.

– لا تفوتنا أيضا الإشارة إلى المشاكل التي يعانيها درس الفلسفة بالجامعة المغربية، والتي تنعكس سلبا على التكوين الأساس للطلبة/ الأساتذة (مستقبلا). إلى جانب ضعف التكوين البيداغوجي بالمدارس العليا للأساتذة سابقا/المراكز الجهوية للتربية والتكوين حاليا, وكذا ضعف التكوين المستمر، والتكوين الذاتي…كل هذا يلقي بظلاله، ولا شك، على تعليم/تعلم “التفلسف” بالتعليم الثانوي التأهيلي، ويكرس أزمة “الدرس الفلسفي” بالمدرسة المغربية.

المحور الثاني : ملامح من التجربة الفصلية

كشفت لي تجربة التدريس – القصيرة والمتواضعة- أن “الدرس الفلسفي” يظل بناء غير مكتمل يحتاج من المدرس(ة) إخضاعه “لمطرقة” النقد. و ينبغي للمدرس (ة) أن يملك من التواضع ما يجعله يستفيد من ملاحظات هيأة التأطير التربوي، و من زملائه وتلاميذه أيضا. كما ينبغي العمل دوما على تنقيح هذا الدرس وإغنائه (من هنا تبرز أهمية التكوين الذاتي).

ولأن” الدرس الفلسفي ” ينبغي أن ينفتح على قضايا المجتمع، وهموم المتعلمين والمتعلمات، ومن هنا تبدى لي أهمية تشجيع التلاميذ على القراءة (قراءة كتب وتلخيصها)، وإنجاز عروض تفتح “الدرس الفلسفي” على محيطه، وعلى هموم المتعلمين، كي لا يظل حبيس جدران الفصل. وكذا استثمار الوسائط السمعية البصرية، كلما أتيحت الفرصة، في إنجاز الدروس، وإخراجها من الرتابة (مع حث التلاميذ على مشاهدة الأشرطة السينمائية والأفلام الوثائقية ذات البعد الفلسفي ).

لقد تبين لي أيضا أن سلبية التمثلات الاجتماعية حول الفلسفة لا تمنع من قدرة “الدرس الفلسفي” على التأثير فيها، والأخذ بيد المتعلم لبلورة منظور إيجابي حول الفكر الفلسفي (ولم لا مواصلة مسار اكتشاف الفلسفة في التعليم العالي). ولا يستطيع المدرس(ة) مساعدة المتعلم(ة) في تحقيق الأمر ما لم يكن “الدرس الفلسفي” فضاء للحوار وقبول الاختلاف، واحترام آراء التلاميذ. فمادة الفلسفة هي “ذلك المتنفس الفكري الجميل” و”مادة تساعد على تنمية الفكر” “وفضاء فسيح للنقاش وتبادل الآراء”.(وهذه العبارات شهادات حرفية لبعض التلاميذ). وهذا مما يثلج الصدر، ويبعث على الأمل والتفاؤل بإمكانية غرس بذور الثقافة الفلسفية داخل مجتمعنا.

ثالثا: نحو اجتراح بدائل/ حلول ممكنة:

لا يمكن “للدرس الفلسفي” بالمغرب أن يسهم في تكريس فكر عقلاني ونقدي، وأن يستنبت داخل المجتمع قيم الحداثة والتسامح والقبول بالاختلاف والتعايش والحوار…الخ بمعزل عن السياق السوسيوثقافي والسياسي عموما. ولا يمكن تصور درس فلسفي ناجع وذي جدوى في ظل منظومة تعليمية معطوبة. لذلك فاجتراح حلول لتجاوز العراقيل السالفة الذكر لا يمكن أن يكتمل بدون امتلاك الدولة إرادة سياسية لبناء مدرسة حداثية تكرس الفكر العقلاني، بعيدا عن النزعة العقلانية الأحادية والتقنوية التي تلغي الجوانب العاطفية والوجدانية وعنصر المخيال/ الأسطورة (بالمعنى الانثروبولوجي المعاصر).

ينبغي أن نعي أيضا أن ازدهار الفكر الفلسفي لا يمكن أن يتم إلا في إطار مجتمع حر، ونظام ديمقراطي، وفي إطار دولة الحق والقانون. إذ المجتمعات المستبدة لا يمكن أن تسمح للإنسان/المواطن بأن يتنسم عبق الفكر الحر. وستظل دروس الفلسفة حول الحق والعدالة والواجب والحرية والسعادة…جوفاء، مالم يكن التلميذ المغربي قادرا على تلمس هذه المفاهيم في مؤسسات الدولة، وفضاءات المجتمع.

لا يفوتنا أيضا أن نشير إلى أن انتعاش “الدرس الفلسفي” مقترن (بشكل تفاعلي) بكسب رهان بناء المجتمع الحداثي المتقدم (على أن الحداثة ليست وصفة جاهزة تستورد، وليس للتقدم نموذج واحد أوحد يقترض من الآخر). وهو رهان لا يمكن اكتسابه إلا بالتأسيس لثورة ثقافية، تجعل القراءة سلوكا يوميا للتلاميذ والمواطنين (إنشاء وفتح المكتبات المدرسية والرقمية ، وإنشاء ودعم المقاهي الأدبية…).

ومن المطلوب أيضا التفكير في تدريس الفلسفة للأطفال. إذ لا يعقل أن يطلب من “الدرس الفلسفي” أن يغير أو يزعزع “قناعات”/تمثلات عمرت لسنين، واستقرت في الوعي واللاوعي. وسيكون وضع مدرس الفلسفة أشبه بمحنة سيزيف . ولعل تجربة الفيلسوف الأمريكي ماثيو ليبمان Mathew Lipman في تدريس الفلسفة للأطفال (الإعتماد على القصص الهادفة في مشروعه البيداغوجي) وظهور” تيار الفلسفة للأطفال” ما يشجع على النفكير في الأمر، وخوض التجربة. (ألا يمتلك الطفل روح “الشغب الفكري” والسؤال التي سرعان ما يتم وأدها من طرف الأسرة والمدرسة؟ )

ومن حيث البعد البيداغوجي- الديداكتيكي فإنه من الضروري أيضا إعادة النظر باستمرار في المناهج التربوية، والبرامج والمقررات الدراسية لمسايرة التطورات المعرفية، وملامسة هموم وحاجات التلاميذ، وتحقيقا للانسجام في شخصية المتعلم. كما أنه من المهم فتح نقاش حول استبعاد الفكر الإسلامي من دروس الفلسفة، إذ ترك هذا الفكر عرضة لاستغلال “الإسلام السياسي”.

من المهام المستعجلة أيضا العمل على التخفيف من كثافة البرامج والمقررات (إذ العبرة ليست بالكم) ، وملاءمتها مع الغلاف الزمني المخصص للمادة، حتى لا يصير هاجس المؤسسة والمدرس والتلاميذ إتمام المقررات بغض النظر عن الكيف. وكذا إعادة النظر في طرق التقويم (حتى يأخذ بعدا تركيبيا مما يسمح بالقطع مع ظواهر الغش والاعتماد على الحفظ).

وعلى عاتق “مدرس الفلسفة” تقع مهمة التشبت بالتكوين الذاتي، والعمل على ربط الفلسفة بالواقع والحياة اليومية، وإعادة النظر في المقولات الجاهزة التي قد تسيء “للدرس الفلسفي”، من قبيل الفكرة القائلة بأن الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة . كما أن نسج علاقات إنسانية وتواصلية بين المدرس والمتعلم قد يذيب الكثير من الجليد، ويسهل عملية التعليم/التعلم.

وبالنظر لكوننا نعيش “عصر الصورة”، فإنه لا يمكن إنكار أهمية الوسائط البصرية والسمعية في “الدرس الفلسفي” ، وإن كانت عوائق الاكتظاظ، وعدم توفر قاعات الدروس على تلك الوسائط، تمنع في الكثير من الأحيان تفعيل هذه الخطوة.

ومن المهم ألا يتم حصر وتنميط الكتابة الفلسفية في شكل المقال الفلسفي. إذ يمكن التفكير في الانفتاح على أشكال إبداعية أخرى من الكتابة الفلسفية ( الرسائل – المحاورات – القصائد الفلسفية – الشذرات …) .

على سبيل الختم :

لا ينبغي إذن أن يتم حصر مشاكل “الدرس الفلسفي” في الجانب البيداغوجي- الديداكتيكي فقط، ويتم تناسي أن الدرس الفلسفي يتم داخل إطار مؤسساتي تتحكم فيه اعتبارات سياسية واقتصادية وتاريخية واجتماعية. وما لم ننظر إلى الأمر وفق مقاربات متعددة فسنظل عاجزين عن إدراك عوائق “تدريس التفلسف”، ولن تكون الحلول التي نقترحها ذات جدوى.

في الختام تجدر الإشارة أيضا إلى ضرورة الحذر وأخذ مسافة نقدية من كل المحاولات الرامية إلى تنميط “الدرس الفلسفي بالثانوي”، وجعله درسا “حرفيا ” أو “ممهننا” عاديا، بعيدا عن روح “التفلسف”. ولا يعني ذلك بطبيعة الحال التخلي عن الخطاب البيداغوجي- الديداكتيكي، بقدر ما يعني حضوره بالشكل الذي يتوافق وجوهر الفلسفة القائم على التفكير النقدي البناء.

وعلينا أن نعي أن الحاجة إلى “تدريس التفلسف” – باعتبار الحق في التفلسف حقا عموميا- حاجة مجتمعية لا مجرد ترف فكري، إن نحن أردنا الانخراط في المجتمعات الديمقراطية.

ــــــــــــــ

الهوامش :
– لمزيد من الاستيضاح يراجع “مسارات الدرس الفلسفي بالمغرب” ل “عز الدين الخطابي” (خاصة الفصل الثاني بيداغوجية الفلسفة، من التأسيس إلى الاختلاف”. منشورات عالم التربية ط1، 2002.
وانظر (ي) أيضا عبد القادر المذنب، “الفلسفة، فكر وبيداغوجيا”، دار الثقافة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 2000.
2 – انظر (ي)” المامون الحسين، التمثلات الجتماعية كعائق أمام درس الفلسفة”.
3 – انظر (ي) الدرس الفلسفي بالمغرب، حوار مع د كمال عبد اللطيف. 
4 – انظر(ي) محمد أعراب، “الفلسفة والتدريس بالكفايات بالتعليم الثانوي التأهيلي”. خاصة الفصل المعنون ب “مطالب الجودة ومشروعية خطاب الكفايات
5 – عزيز لزرق ،” الدرس الفلسفي بالثانوي”
6-انظر(ي) مثلا الملاحظات النقدية التي سجلها د ناصر السوسي حول الكتاب المدرسي “في رحاب الفلسفة
7- عبد الرحمان اليعقوبي “إشكالية الضعف اللغوي عند التلميذ في التعليم التأهيلي”.
8 – انظر(ي) الحسين حريش، “درس الفلسفة بالمغرب…كل شيء إلا الفلسفة” 
9 – أشار الدكتور عبد السلام ديرار في مقال رائع إلى أهم المزالق التي تهدد درس الفلسفة. انظر(ي)
10- مصطفى بلحمر، ” الطفل والفلسفة:هل هناك فلسفة قاصرة ؟” 
11 – انظر(ي) جمال هشام، ” برامج الدرس الفلسفي في التعليم الثانوي التأهيلي “مسألة اللاتوازن بين الكم والكيف” 
12- الفلسفة درسا وتهديد المزالق.عبد السلام ديرار(م م)
13 -انظر (ي) شوقي المصطفى، “المجاز والحجاج في درس الفلسفة بين الكلمة والصورة” دار الثقافة، مطبعة النجاح الجديدة، ط 1، 2005. (صص93-102).
14- مصطفى بلحمر ، “الطفل والفلسفة:هل هناك فلسفة قاصرة ؟”. (م م).